ফিতনা কুবরা: আলী ও তার সন্তানরা
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
জনগুলি
وقد بدأ معاوية كما رأيت بالعنف في كتابه إلى علي، فكان رد علي على كتابه أقسى قسوة وأعظم شدة، لم يكد يذكر إنعام الله على نبيه بالهدى والوحي واتباع أهل بيته له حتى ذكر بغي قريش عليه ومكرها به واضطراره مع أهل بيته ومع بني عبد المطلب إلى شعب ضيق من شعاب مكة، إلى آخر ما هو معروف من أمر الصحيفة.
وعلي في كل هذا يعرض ببني أمية وتأخرهم عن الإسلام واجتهادهم مع المجتهدين في التضييق على النبي ومن تبعه من أهل بيته، ثم ذكر علي أن الله قد اختص بيت أهل النبي بالسبق إلى الإسلام كما اختصهم بالصبر على المكروه في شعبهم ذاك الذي اضطروا إليه، على حين كان غيرهم من المسلمين في سعة ودعة، تمنعهم عشائرهم كما منعت تيم أبا بكر، وكما منعت عدي عمر، وكما منعت أمية عثمان، أو يمنعهم حلفاؤهم إن لم يكونوا من قريش.
ومعنى ذلك أن أهل البيت احتملوا في الإسلام ما لم يحتمل غيرهم وما لم يحتمل أبو بكر وعمر وعثمان خاصة، فهم لم يحصروا ولم يهجروا ولم يضيق عليهم في الرزق، فهم إذن أولى الناس بالنبي وأحقهم بالأمر بعده، ثم ذكر الهجرة وما كان من القتال في سبيل الله، وذكر أن النبي كان يقدم أهل بيته لحماية أصحابه في مواطن البأس حتى استشهد منهم عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد، وجعفر بن أبي طالب يوم مؤتة، وتعرض علي نفسه للشهادة التي أتيحت لغيره من أهل البيت، فأهل البيت إذن قد جاهدوا قبل الهجرة، وجاهدوا بعد الهجرة كما لم يجاهد أحد غيرهم.
ثم ذكر قيام الخلفاء بعد وفاة النبي فبرأ نفسه من الحسد لهم سرا أو جهرا، ولم يعتذر إلى الناس من إبطائه في بيعتهم، ثم ذكر معاوية بأن أباه كان يرى حق علي في البيعة حين أراده عليها، وقال له بعد ذلك: إن كنت ترى ما رأى أبوك من حقي تصب رشدك، وإن لم تفعل يغن الله عنك. ثم ذكر عثمان وما أنكر الناس عليه وما ركبوا من أمره واعتزاله الثورة، وبين رأيه صريحا في عثمان، وهو التوقف وترك أمر عثمان إلى الله يضاعف له الأجر إن كان قد أحسن، ويغفر له الذنب إن كان قد أساء.
ثم ذكر قتلة عثمان، فأنبأ معاوية أنه لا يعرف لعثمان قاتلا بعينه بعد أن بحث واستقصى، وأنه لا يستطيع أن يسلم إليه من اتهمهم، لا لشيء إلا لأنه اتهمهم وظن بهم الظنون؛ لأن أمور الحدود لا تستقيم إلا على المحاجة والمقاضاة وإحضار البينة، وهذا كله لا يستقيم إلا بعد البيعة والدخول في الطاعة، ثم أنذر معاوية بأنه ليس في حاجة إلى أن يطلب في السهل والجبل ولا في البر والبحر من يتهمهم بقتل عثمان؛ لأنه سيراهم ساعين إليه طالبين له جادين في حربه.
وكذلك أخفق سفير معاوية كما أخفق سفير علي من قبل، واستبان لأهل الشام كما استبان لأهل العراق أن ليس من الحرب بد، يرى أهل الشام أن يثأروا للخليفة المظلوم، ويرى أهل العراق ومن معهم من المهاجرين والأنصار أن يكرهوا أهل الشام على البيعة والطاعة قبل كل شيء، ويرى أهل الشام أن طاعة علي لا تلزمهم؛ لأن الناس لم يبايعوه عن رضى منهم جميعا؛ ولأنه عطل حدا خطيرا من حدود الله، وهو القصاص ممن قتل الخليفة المظلوم، ويرى أهل العراق ومن معهم من المهاجرين والأنصار أن كثرة المسلمين الضخمة قد بايعت عليا في الحرمين والمصرين وفي مصر أيضا، فأصبحت طاعته واجبة وأصبح أهل الشام طائفة باغية يجب أن تقاتل حتى تفيء إلى أمر الله.
ولم يأت شهر ذي الحجة من سنة ست وثلاثين حتى كان علي قد قدم طلائعه بين يديه، وأمرهم إن لقوا أهل الشام ألا يبدءوهم بقتال حتى يدركهم، وسار هو في معظم جيشه حتى انتهى وانتهت طلائعه إلى صفين بعد خطوب كثيرة لسنا في حاجة إلى أن نطيل بذكرها.
الفصل التاسع عشر
وكان معاوية قد سار في جموع أهل الشام حين علم بتأهب علي للمسير، وقدم بين يديه الطلائع أيضا، وقد انتهى قبل علي إلى صفين فأنزل أصحابه أحسن منزل وأرحبه وأقربه إلى شريعة الفرات، وأقبل علي في جيشه الضخم فأنزل أصحابه بإزاء أصحاب معاوية، ولكن أصحاب علي لم يجدوا على الفرات شريعة يستقون منها، فأرسل علي سفراءه إلى معاوية يطلبون إليه أن يخلي الماء حرا يشرب منه الجيشان. وقد ناظر السفراء معاوية في ذلك فلم يظفروا منه بجواب، وعادوا إلى علي بغير طائل، ثم لم يلبث أصحاب علي أن رأوا معاوية يكثر من الحرس على شرعة الفرات ليقهر عليا وأصحابه بالظمأ، يريد أن يحرمهم الماء كما حرموا الماء عثمان حين كان محصورا، ويقال إن عمرو بن العاص ألح على معاوية في أن يخلي بين أصحاب علي وبين الماء ليؤخر المناجزة، فإن أصحاب علي لن يظمئوا وخصمهم راوون، ولكن عصبية بني أمية غلبت مشورة أصحاب الرأي، وانقاد معاوية لهذه العصبية فلم يكن بد من أن يقتتل الناس على الماء، واشتد القتال على الشرعة حتى كاد يبلغ الحرب، وأتيح النصر لأصحاب علي فغلبوا خصمهم على مورد الماء، وأرادوا أن يضطروهم إلى الظمأ ويقهروهم به كما كانوا هم يريدون بهم مثل ذلك، ولكن عليا أبى عليهم ما أرادوا، آثر العافية حتى لا يتعجل الحرب قبل الإعذار إلى خصمه وقبل مناظرتهم فيما بينهم من خلاف، وكره كذلك أن يظمئ خصمه والله قد أجرى النهر ليشرب منه الناس جميعا لا ليستأثر به فريق دون فريق.
وكذلك أتيح للقوم أن يلتقوا آمنين أياما، يلتقون على الماء ويسعى بعضهم لبعض، ليس بينهم قتال، ولكن بينهم جدالا شديدا وخصاما عنيفا، ثم رأى علي أن يعذر إلى معاوية وأصحابه، فاختلف السفراء بين الفريقين دون أن ينتهوا إلى صلح أو شيء يشبه الصلح، فلما استيأس علي من خصمه عبأ أصحابه على راياتهم وجعلت فرقهم تخرج إلى فرق معاوية، تخرج فرقة في هذا اليوم من أصحاب علي فتخرج لها فرقة من أصحاب معاوية، فتقتتل الفرقتان نهارهما أو وجها من نهارهما ثم تتحاجزان، وعلي لا يتجاوز ذلك إلى الحرب العامة رجاء أن يثوب خصمه إلى رشدهم وأن يفيئوا إلى أمر الله ويؤثروا العافية بين المسلمين.
অজানা পৃষ্ঠা