ফিতনা কুবরা: আলী ও তার সন্তানরা
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
জনগুলি
الفصل الرابع
ولعلهما لم يعرضا عن المطالبة بالبصرة والكوفة إثر هذا الرد الرفيق الحازم الذي تلقياه من علي، فقد يحدثنا البلاذري بأن المغيرة بن شعبة أشار على علي بأن يثبت معاوية على الشام ويولي طلحة والزبير مصري العراق ليستقيم له الأمر، وأن عبد الله بن عباس عارض هذا الرأي بأن البصرة والكوفة هما عين المال ومصدر الفيء، فإذا وليهما هذان الشيخان ضيقا على الخليفة المقيم بالمدينة، وبأن ولاية معاوية للشام تضر عليا أكثر مما تنفعه، فاستمع علي لرأي ابن عباس ولم يقبل مشورة المغيرة بن شعبة.
ولكن مؤرخين آخرين يروون القصة على غير هذا الوجه، فيقولون: إن المغيرة بن شعبة أراد أن يمتحن عليا ليعلم علمه، فأشار عليه بأن يثبت عمال عثمان على أعمالهم - وفيهم معاوية - عامه الأول حتى يستقيم له الناس وتأتيه طاعة الأقاليم ثم يغيرهم بعد ذلك كما يحب، فأبى علي ذلك كراهة الادهان في دينه، ثم أقبل المغيرة من غده على علي فأنبأه بعدوله عن رأيه الأول واقتناعه برأي علي، ودخل ابن عباس على علي فلقي المغيرة خارجا من عنده، وسأل ابن عباس عليا عما قال له المغيرة فأنبأه برأييه اللذين أشار بهما عليه، فقال ابن عباس: لقد نصحك أمس وغشك اليوم. ثم ألح ابن عباس على الخليفة في أن يثبت معاوية على الأقل تقدير، ولكن عليا أبى عليه ذلك مخافة الادهان في الدين، وعرض عليه إمرة الشام، فاعتذر ابن عباس.
ومهما يكن من اختلاف المؤرخين فليس من شك في أن عليا لم يكن يستطيع أن يستبقي عمال عثمان، كان دينه يمنعه من ذلك لأنه طالما لام عثمان على تولية هؤلاء العمال، وطالما أنكر على هؤلاء العمال سيرتهم في الناس، فلم يكن يستطيع أن يطالب بعزلهم أمس ويثبتهم على عملهم اليوم، وتمنعه السياسة من هذا؛ فهؤلاء الثائرون الذين شبوا نار الفتنة وقتلوا عثمان لم يكونوا يكتفون بتغيير الخليفة، وإنما كانوا يريدون تغيير السياسة كلها وتغيير العمال قبل كل شيء، ولعلهم لم يكونوا يستثنون من هؤلاء العمال إلا أبا موسى الأشعري الذي اختاره أهل الكوفة عاملا عليهم، وأقر عثمان اختيارهم إياه مبتغيا بذلك استصلاحهم وصدهم عن الفتنة.
وعلى كل حال فقد كان اختيار العمال على الأقاليم أول شيء فكر فيه علي بعد أن فرغ من بيعة أهل المدينة، وقد اختار عماله اختيارا حسنا: فأرسل إلى البصرة عثمان بن حنيف من أعلام الأنصار، وأرسل أخاه سهل بن حنيف إلى الشام، وأرسل قيس بن سعد بن عبادة إلى مصر. وهذا يدل على أنه أراد أن يرضي الأنصار بهذا الاختيار، فهو قد اختار منهم ثلاثة لهذه الأمصار الخطيرة: البصرة، والشام، ومصر.
أما الكوفة فيروي بعض المؤرخين أنه اختار لها عمارة بن شهاب، ولكنه لقي في طريقه من أهل الكوفة من رده إلى علي وأنذره بالموت إن لم يرجع وأنبأه بأن أهل الكوفة لا يرضون بغير أميرهم أبي موسى، فرجع عمارة من حيث أتى، وأرسل أبو موسى إلى علي بيعته وبيعة أهل الكوفة، واختار علي ابن عمه عبيد الله بن عباس عاملا على اليمن، فلما بلغها رحل عنها عامل عثمان يعلى بن أمية، واحتمل ما كان عنده من المال ولحق بمكة، واختار علي لولاية مكة أول الأمر رجلا من بني مخزوم هو خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة، ولكن أهل مكة أبوا أن يبايعوه لعلي. ويقال: إن فتى من فتيانهم أخذ صحيفة علي، فمضغها، ثم رمى بها؛ فسقطت في سقاية زمزم. ولمكة أمر خاص سنعرض له بعد قليل.
وقد سار عمال علي إلى أقاليمهم: فأما قيس بن سعد فدخل مصر في غير جهد، وأخذ البيعة لعلي من عامة أهلها إلا فريقا اعتزلوا الناس وأووا إلى خربة يطلبون بثأر عثمان، ولكنهم لا يقاتلون أحدا ولا يشقون عصا، وإنما ينتظرون له. وأما عثمان بن حنيف فدخل البصرة ولم يجد من أهلها كيدا، وقد رحل عنها عامل عثمان عبد الله بن عامر وحمل ما استطاع حمله من المال حتى أتى مكة فأقام فيها.
وأكاد أعتقد أن عليا لم يرسل إلى الكوفة أحدا على رغم ما قدمت من بعض الروايات، وإنما أثبت أبا موسى لأنه كان رضى لأهل مصره، وذهب سهل بن حنيف إلى الشام فلم يكد يبلغ حدودها حتى لقيته خيل لمعاوية، فلما سألوه: من يكون؟ أنبأهم بأنه الأمير، فقالوا له: إن كنت أميرا من قبل عثمان فدونك إمرتك، وإن كنت أميرا من قبل غيره فارجع إلى من أرسلك. فرجع سهل إلى علي، ولم يكد الناس يعلمون بمرجعه ذاك حتى أخذ منهم القلق كل مأخذ، عرفوا أن معاوية محارب وأرادوا أن يعرفوا أمر علي، أيريد حربا أم يريد مسالمة وترقبا؟ ولكن عليا لم يكن صاحب مسالمة في الحق، وكان يؤثر الصراحة في القول والعمل على التربص والكيد، وهو مع ذلك لم يعجل معاوية وإنما أرسل إليه مسور بن مخرمة بكتاب منه يطلب إليه فيه أن يبايع وأن يقبل إلى المدينة في أشراف أهل الشام، ولم يذكر في الكتاب أنه يوليه ثغره. ويقال إنه أرسل إليه سبرة الجهني بكتابه ذاك، فلما قرأ معاوية الكتاب لم يجب إلى شيء مما فيه وإنما آثر التربص والكيد، وجعل كلما تنجزه رسول علي جوابه يرد عليه بهذه الأبيات:
أدم إدامة حصن أو خذا بيدي
حربا ضروسا تشب الجزل والضرما
অজানা পৃষ্ঠা