بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ الإِمَام أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن حزم ﵁
الْحَمد لله كثيرا وَصلى الله على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله خَاتم أنبيائه بكرَة وَأَصِيلا أما بعد فَإِن كثيرا من النَّاس كتبُوا فِي افْتِرَاق النَّاس فِي دياناتهم ومقالاتهم كتبا كَثِيرَة جدا فبعض أَطَالَ وأسهب وَأكْثر وهجر وَاسْتعْمل الأغاليط والشغب فَكَانَ ذَلِك شاغلًا عَن الْفَهم قَاطعا دون الْعلم وَبَعض أحذف وَقصر وقلل وَاخْتصرَ وَاضْرِبْ عَن كثير من قوي معارضات أَصْحَاب المقالات فَكَانَ فِي ذَلِك غير منصف لنَفسِهِ فِي أَن يرضى لَهَا بِالْغبنِ فِي الْإِبَانَة وظالمًا لخصمه فِي أَن لم يوفه حق اعتراضه وباخسًا حق من قَرَأَ كِتَابه إِذا لم يغنه عَن غَيره وَكلهمْ إِلَّا نحلة الْقسم عقد كَلَامه تعقيدًا يتَعَذَّر فهمه على كثير من أهل الْفَهم وَحلق على الْمعَانِي من بعد حَتَّى صَار ينسي آخر كَلَامه أَوله وَأكْثر هَذَا مِنْهُم ستائر دون فَسَاد معانيهم فَكَانَ هَذَا مِنْهُم غير مَحْمُود فِي عاجله وآجله
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ فجمعنا كتَابنَا هَذَا مَعَ استخارتنا الله ﷿ فِي جمعه وقصدنا بِهِ قصد إِيرَاد الْبَرَاهِين المنتجة عَن الْمُقدمَات الحسية أَو الراجعة إِلَى الْحس من قرب أَو من بعد على حسب قيام الْبَرَاهِين الَّتِي لَا تخون أصلا مخرجها إِلَى مَا أخرجت لَهُ وَألا يَصح مِنْهُ إِلَّا مَا صححت الْبَرَاهِين الْمَذْكُورَة فَقَط إِذْ لَيْسَ الْحق إِلَّا ذَلِك وبالغنا فِي بَيَان اللَّفْظ وَترك التعقيد راجين من الله تَعَالَى على ذَلِك الْأجر الجزيل وَهُوَ تَعَالَى ولي من تولاه ومعطي من استعطاه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق رُؤْس الْفرق الْمُخَالفَة الدّين الْإِسْلَام سِتّ ثمَّ تتفرق كل فرقة من هَذِه الْفرق السِّت على فرق وسأذكر جماهيرها إِن شَاءَ الله ﷿ فَالْفرق السِّت الَّتِي ذَكرنَاهَا على مراتبها فِي الْبعد عَنَّا أَولهَا مبطلوا الْحَقَائِق وهم الَّذين يسميهم المتكلمون السوفسطائية ثمَّ الْقَائِلُونَ بِإِثْبَات الْحَقَائِق إِلَّا أَنهم قَالُوا إِن الْعَالم لم يزل وَأَنه
1 / 9
لَا مُحدث لَهُ وَلَا مُدبر ثمَّ الْقَائِلُونَ بِإِثْبَات الْحَقَائِق وَإِن الْعَالم لم يزل وَإِن لَهُ مُدبرا لم يزل ثمَّ الْقَائِلُونَ بِإِثْبَات الْحَقَائِق فبعضهم قَالَ إِن الْعَالم لم يزل وَبَعْضهمْ قَالَ هُوَ مُحدث وَاتَّفَقُوا على أَن لَهُ مُدبرين لم يزَالُوا وَأَنَّهُمْ أَكثر من وَاحِد وَاخْتلفُوا فِي عَددهمْ ثمَّ الْقَائِلين بِإِثْبَات الْحَقَائِق وَإِن الْعَالم مُحدث وَأَن لَهُ خَالِقًا وَاحِدًا لم يزل وأبطلوا النبوات كلهَا ثمَّ الْقَائِلُونَ بِإِثْبَات الْحَقَائِق وَأَن الْعَالم مُحدث وَأَن لَهُ خَالِقًا وَاحِدًا لم يزل وأثبتوا النبوات إِلَّا أَنَّهَا خالفوا فِي بَعْضهَا فأقروا بِبَعْض الْأَنْبِيَاء ﵈ وأنكروا بَعضهم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ وَقد تحدث فِي خلال هَذِه الْأَقْوَال آراء هِيَ منتجة من هَذِه الرؤوس مركبة مِنْهَا فَمِنْهَا مَا قد قَالَت بِهِ طوائف من النَّاس مثل مَا ذهبت إِلَيْهِ فرق من الْأُمَم من القَوْل بتناسخ الْأَرْوَاح أَو القَوْل بتواتر النبوات فِي كل وَقت أَو إِن فِي كل نوع من أَنْوَاع الْحَيَوَان أَنْبيَاء وَمثل مَا قد ذهب إِلَيْهِ جمَاعَة الْقَائِلين بِهِ وناظرتهم عَلَيْهِ من القَوْل بِأَن الْعَالم مُحدث وَإِن لَهُ مُدبرا لم يزل إِلَّا أَن النَّفس وَالْمَكَان الْمُطلق وَهُوَ الْخَلَاء وَالزَّمَان الْمُطلق لم يزل مَعَه
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا قَول قد ناظرني عَلَيْهِ عبد الله بن خلف ابْن مَرْوَان الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن مُحَمَّد السّلمِيّ الْكَاتِب وَمُحَمّد بن عَليّ بن أبي الْحُسَيْن الأصبحي الطَّبِيب وَهُوَ قَول يُؤثر عَن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ الطَّبِيب وَلنَا عَلَيْهِ فِيهِ كتاب مُفْرد فِي نقض كِتَابه فِي ذَلِك وَهُوَ الْمَعْرُوف بِالْعلمِ الإلهي وَمثل مَا ذهب إِلَيْهِ قوم من أَن الْفلك لم يزل وَأَنه غير الله تَعَالَى وَأَنه هُوَ الْمُدبر للْعَالم الْفَاعِل لَهُ إجلالًا بزعمهم لله عَن أَن يُوصف بِأَنَّهُ فعل شَيْئا من الْأَشْيَاء وَقد كنى بَعضهم عَن ذَلِك بالعرش
وَمِنْهَا مَا لَا نعلم أَن أحدا قَالَ بِهِ إِلَّا أَنه مِمَّا لَا يُؤمن أَن يَقُول بِهِ قَائِل من الْمُخَالفين عِنْد تضييق الْحجَج عَلَيْهِم فليجئون إِلَيْهَا فَلَا بُد إِن شَاءَ الله تَعَالَى من ذكر مَا يَقْتَضِيهِ مساق الْكَلَام مِنْهَا وَذَلِكَ مثل القَوْل بِأَن الْعَالم مُحدث وَلَا مُحدث لَهُ فَلَا بُد بحول الله تَعَالَى من إِثْبَات الْمُحدث بعد الْكَلَام فِي إِثْبَات الْحُدُوث وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق والعون لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
بَاب مُخْتَصر جَامع فِي مَاهِيَّة الْبَرَاهِين الجامعة الموصلة إِلَى معرفَة الْحق فِي كل مَا اخْتلف فِيهِ النَّاس وَكَيْفِيَّة إِقَامَتهَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ هَذَا بَاب قد أحكماه فِي كتَابنَا الموسوم
1 / 10
بالتقريب فِي حُدُود الْكَلَام وتقصيناه هُنَالك غَايَة التَّقَصِّي وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين إِلَّا أننا نذْكر هَاهُنَا جملَة كَافِيَة فِيهِ لتَكون مُقَدّمَة لما يَأْتِي بعده مِمَّا اخْتلف النَّاس فِيهِ يرجع إِلَيْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
إِن الْإِنْسَان يخرج إِلَى هَذَا الْعَالم وَنَفسه قد ذهب ذكرهَا جملَة فِي قَول من يَقُول أَنَّهَا كَانَت قبل ذَلِك ذاكرة أَولا ذكر لَهَا الْبَتَّةَ فِي قَول من يَقُول أَنَّهَا حدثت حِينَئِذٍ أَو أَنَّهَا مزاج عرض إِلَّا أَنه قد حصل أَنه لَا ذكر للطفل حِين وِلَادَته وَلَا تَمْيِيز إِلَّا مَا لسَائِر الْحَيَوَان من الْحس وَالْحَرَكَة الإرادية فَقَط فتراه يقبض رجلَيْهِ ويمدها ويغلب أعضاءه حسب طاقته ويألم إِذا أحس الْبرد أَو الْحر أَو الْجُوع وَإِذا ضرب أَو قرص وَله سوى ذَلِك مِمَّا يُشَارِكهُ فِيهِ الْحَيَوَان والنوامي مِمَّا لَيْسَ حَيَوَانا من طلب الْغذَاء لبَقَاء جِسْمه على مَا هُوَ عَلَيْهِ ولنمائه فَيَأْخُذ الثدي ويميزه بطبعه من سَائِر الْأَعْضَاء بفمه دون سَائِر أَعْضَائِهِ كَمَا تَأْخُذ عروق الشّجر والنبات رطوبات الأَرْض وَالْمَاء لبَقَاء أجسامها على مَا هِيَ عَلَيْهِ ولنمائها
فَإِذا قويت النَّفس على قَول من يَقُول أَنَّهَا مزاج أَو أَنَّهَا حدثت حِينَئِذٍ أَو أخذت يعاودها ذكرهَا وتمييزها فِي قَول من يَقُول أَنَّهَا كَانَت ذاكرة قبل ذَلِك وَأَنَّهَا كالمفيق من مرض فَأول مَا يحدث لَهَا من التَّمْيِيز الَّذِي ينْفَرد بِهِ النَّاطِق من الْحَيَوَان فهم مَا أدْركْت بحواسها الْخمس كعلمها أَن الرَّائِحَة الطّيبَة مَقْبُولَة من طبعها والرائحة الرَّديئَة منافرة لطبعها وكعلمها أَن الْأَحْمَر مُخَالف للأخضر والأصفر والأبيض وَالْأسود
وكالفرق بَين الخشن والأملس والمكتنز والمتهيل واللزج والحار والبارد والدفيء وكالفرق بَين الحلو والحامض والمر والمالح والعفص والزاعق والتفه والعذب والحريف وكالفرق بَين الصَّوْت الحاد والغليظ وَالرَّقِيق والمطرب والمفزع
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذِهِ إدراكات الْحَواس لمحسوساتها والإدراك السَّادِس علمهَا بالبديهيات
فَمن ذَلِك علمهَا بِأَن الْجُزْء أقل من الْكل فَإِن الصَّبِي الصَّغِير فِي أول تَمْيِيزه إِذا أَعْطيته تمرتين بَكَى وَإِذا زِدْته ثَالِثَة سر وَهَذَا علم مِنْهُ بِأَن الْكل
1 / 11
أَكثر من الْجُزْء وَإِن كَانَ لَا يتَنَبَّه لتحديد مَا يعرف من ذَلِك وَمن ذَلِك علمه بِأَن لَا يجْتَمع المتضادان فَإنَّك إِذا وقفته قسرًا بَكَى وَنزع إِلَى الْقعُود علما مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يكون قَائِما قَاعِدا مَعًا
وَمن ذَلِك علمه بِأَن لَا يكون جسم وَاحِد فِي مكانين فَإِنَّهُ إِذا أَرَادَ الذّهاب إِلَى مَكَان مَا فأمسكته قسرًا بَكَى وَقَالَ كلَاما مَعْنَاهُ دَعْنِي أذهب علما مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يكون فِي الْمَكَان الَّذِي يُرِيد أَن يذهب إِلَيْهِ مَا دَامَ فِي مَكَان وَاحِد
وَمن ذَلِك علمه بِأَنَّهُ لَا يكون الجسمان فِي مَكَان وَاحِد فَإنَّك ترَاهُ يُنَازع على الْمَكَان الَّذِي يُرِيد أَن يقْعد فِيهِ علما مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَسعهُ ذَلِك الْمَكَان مَعَ مَا فِيهِ فَيدْفَع من فِي ذَلِك الْمَكَان الَّذِي يُرِيد أَن يقْعد فِيهِ إِذا يعلم أَنه مَا دَامَ فِي الْمَكَان مَا يشْغلهُ فَإِنَّهُ لَا يَسعهُ وَهُوَ فِيهِ
وَإِذا قلت لَهُ ناولني مَا فِي هَذَا الْحَائِط وَكَانَ لَا يُدْرِكهُ قَالَ لست أدْركهُ وَهَذَا علم مِنْهُ بِأَن الطَّوِيل زَائِد على مِقْدَار مَا هُوَ أقصر مِنْهُ وتراه يمشي إِلَى الشَّيْء الَّذِي يُرِيد ليصل إِلَيْهِ وَهَذَا علم مِنْهُ بِأَن ذَا النِّهَايَة يحصر وَيقطع بالعدو وَإِن لم يحسن الْعبارَة بتحديد مَا يدْرِي من ذَلِك
وَمِنْهَا علمه بِأَنَّهُ لَا يعلم الْغَيْب أحد وَذَلِكَ أَنَّك إِذا سَأَلته عَن شيءٍ لَا يعرفهُ أنكر ذَلِك وَقَالَ لَا أَدْرِي
وَمِنْهَا فرقة بَين الْحق وَالْبَاطِل فَإِنَّهُ إِذا أخبر بِخَير تَجدهُ فِي بعض الْأَوْقَات لَا يصدقهُ حَتَّى إِذا تظاهر عِنْده بمخبر آخر وَآخر صدقه وَسكن إِلَى ذَلِك
وَمِنْهَا علمه بِأَنَّهُ لَا يكون شيءٌ إِلَّا فِي زمَان فَإنَّك إِذا ذكرت لَهُ أمرا مَا قَالَ مَتى كَانَ وَإِذا قلت لَهُ لم تفعل كَذَا وَكَذَا قَالَ مَا كنت أَفعلهُ وَهَذَا علم مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يكون شَيْء مِمَّا فِي الْعَالم إِلَّا فِي زمَان
وَيعرف أَن للأشياء طبائع وماهية تقف عِنْدهَا وَلَا تجاوزها فتراه إِذا رأى شَيْئا لَا يعرفهُ قَالَ أَي شَيْء هَذَا فَإِذا شرح لَهُ سكت وَمِنْهَا علمه بِأَنَّهُ لَا يكون فعل إِلَّا لفاعل فَإِنَّهُ إِذا رأى شَيْئا قَالَ من عمل هَذَا وَلَا يقنع الْبَتَّةَ بِأَنَّهُ الْعَمَل دون عَامل وَإِذا رأى بيد آخر شَيْئا قَالَ من أَعْطَاك هَذَا وَمِنْهَا مَعْرفَته بِأَن فِي الْخَبَر صدقا وكذبًا فتراه يكذب بعض مَا يخبر بِهِ وَيصدق بعضه ويتوقف فِي بعضه هَذَا كُله مشَاهد من جَمِيع النَّاس فِي مبدأ نشأتهم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذِهِ أَوَائِل الْعقل الَّتِي لَا يخْتَلف فِيهَا ذُو عقل وَهَا هُنَا أَيْضا أَشْيَاء غير مَا ذكرنَا إِذا فتشت وجدت وميزها كل ذِي عقل من نَفسه وَمن غَيره وَلَيْسَ يدْرِي أحد كَيفَ وَقع الْعلم بِهَذِهِ الْأَشْيَاء كلهَا بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا يشك ذُو تَمْيِيز صَحِيح فِي أَن هَذِه الْأَشْيَاء كلهَا صَحِيحَة لَا امتراء فِيهَا وَإِنَّمَا يشك فِيهَا بعد صِحَة علمه بهَا من دخلت عقله آفَة وَفَسَد تَمْيِيزه أَو مَال إِلَى بعض الآراء الْفَاسِدَة فَكَانَ ذَلِك أَيْضا آفَة دخلت على تَمْيِيزه
كالآفة الدَّاخِلَة على من بِهِ هيجان الصَّفْرَاء فيجد الْعَسَل مرا
وَمن فِي
1 / 12
عينه ابْتِدَاء نزُول المَاء فَيرى خيالات لَا حَقِيقَة لَهَا وكسائر الْآفَات الدَّاخِلَة على الْحَواس قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذِهِ الْمُقدمَات الَّتِي ذَكرنَاهَا هِيَ الصَّحِيحَة الَّتِي لَا شكّ فِيهَا وَلَا سَبِيل إِلَى أَن يطْلب عَلَيْهَا دَلِيلا إِلَّا مَجْنُون أَو جَاهِل لَا يعلم حقائق الْأَشْيَاء وَمن الطِّفْل أهْدى مِنْهُ وَهَذَا أَمر يَسْتَوِي فِي الْإِقْرَار بِهِ كبار جَمِيع بني آدم وصغارهم فِي أقطار الأَرْض إِلَّا من غالط حسه وكابر عقله فيحلق بالمجانين لِأَن الِاسْتِدْلَال على الشَّيْء لَا يكون إِلَّا فِي زمَان وَلَا بُد ضَرُورَة أَن يعلم ذَلِك بِأول الْعقل لِأَنَّهُ قد علم بضرورة الْعقل أَنه لَا يكون شَيْء مِمَّا فِي الْعَالم إِلَّا فِي وَقت وَلَيْسَ بَين أول أَوْقَات تَمْيِيز النَّفس فِي هَذَا الْعَالم وَبَين إِدْرَاكهَا لكل مَا ذكرنَا مهلة الْبَتَّةَ لَا دقيقة وَلَا جليلة وَلَا سَبِيل على ذَلِك فصح أَنَّهَا ضرورات أوقعهَا الله فِي النَّفس وَلَا سَبِيل إِلَى الِاسْتِدْلَال الْبَتَّةَ إِلَّا من هَذِه الْمُقدمَات وَلَا يَصح شَيْء إِلَّا بِالرَّدِّ إِلَيْهَا فَمَا شهِدت لَهُ مُقَدّمَة من هَذِه الْمُقدمَات بِالصِّحَّةِ فَهُوَ صَحِيح مُتَيَقن وَمَا لم تشهد لَهُ بِالصِّحَّةِ فَهُوَ بَاطِل سَاقِط إِلَّا أَن الرُّجُوع إِلَيْهَا قد يكون من قرب وَمن بعد فَمَا كَانَ من قرب فَهُوَ أظهر إِلَى كل نفس وَأمكن للفهم وَكلما بَعدت الْمُقدمَات الْمَذْكُورَة صَعب الْعَمَل فِي الِاسْتِدْلَال حَتَّى يَقع فِي ذَلِك الْغَلَط إِلَّا للفهم الْقوي الْفَهم والتمييز وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يقْدَح فِي أَن مَا رَجَعَ إِلَى مُقَدّمَة من الْمُقدمَات الَّتِي ذكرنَا حق كَمَا أَن تِلْكَ الْمُقدمَة حق لَا فرق بَينهمَا فِي أَنَّهُمَا حق وَهَذَا مثل الْأَعْدَاد فَكلما قلت الْأَعْدَاد سهل جمعهَا وَلم يَقع فِيهَا غلط حَتَّى إِذا كثرت الْأَعْدَاد وَكثر الْعَمَل فِي جمعهَا صَعب ذَلِك حَتَّى يَقع فِيهَا الْغَلَط إِلَّا مَعَ الحاسب الْكَافِي الْمجِيد وَكلما قرب من ذَلِك وَبعد فَهُوَ كُله حق وَلَا تفاضل فِي شَيْء من ذَلِك وَلَا تعَارض مُقَدّمَة مِمَّا ذكرنَا مُقَدّمَة أُخْرَى مِنْهَا وَلَا يُعَارض مَا يرجع إِلَى مُقَدّمَة أُخْرَى مِنْهَا رُجُوعا صَحِيحا وَهَذَا كُله يعلم بِالضَّرُورَةِ وَمن علم النَّفس بِأَن علم الْغَيْب لَا يُعَارض صَحَّ ضَرُورَة أَنه لَا يُمكن أَن يَحْكِي أحد خَبرا كَاذِبًا طَويلا فَيَأْتِي من لم يسمعهُ فيحكي ذَلِك الْخَبَر بِعَيْنِه كَمَا هُوَ لَا يزِيد فِيهِ وَلَا ينقص إِذْ لَو أمكن ذَلِك لَكَانَ الحاكي لمثل ذَلِك الْخَبَر عَالما بِالْغَيْبِ لِأَن هَذَا هُوَ علم الْغَيْب نَفسه وَهُوَ الْإِخْبَار عَمَّا لَا يعلم الْمخبر عَنهُ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَذَلِك بِلَا شكّ فَكل مَا نَقله من الْأَخْبَار اثْنَان فَصَاعِدا مفترقان قد أيقنا أَنَّهُمَا لم يجتمعا وَلَا تشاعرا فَلم يختلفا فِيهِ فبالضرورة يعلم أَنه حق مُتَيَقن مَقْطُوع بِهِ على غيبه وَبِهَذَا علمنَا صِحَة موت من مَاتَ وولادة من ولد وعزل من عزل وَولَايَة من ولى وَمرض من مرض وافاقة من أَفَاق ونكبة من نكب والبلاد الغائبة عَنَّا والوقائع
1 / 13
والملوك والأنبياء ﵈ ودياناتهم وَالْعُلَمَاء وأقوالهم والفلاسفة وحكمهم لَا شكّ عِنْد أحد يُوفي عقله حَقه فِي شَيْء مِمَّا نقل من ذَلِك كَمَا ذكرنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
بَاب الْكَلَام على أهل الْقسم الأول وهم مبطلوا الْحَقَائِق وهم السوفسطائية
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ذكر من سلف من الْمُتَكَلِّمين أَنهم ثَلَاثَة أَصْنَاف فصنف مِنْهُم نفى الْحَقَائِق جملَة وصنف مِنْهُم شكوا فِيهَا وصنف مِنْهُم قَالُوا هِيَ حق عِنْد من هِيَ عِنْده حق وَهِي بَاطِل عِنْد من هِيَ عِنْده بَاطِل وعمدة مَا ذكر من اعتراضهم فَهُوَ اخْتِلَاف الْحَواس فِي المحسوسات كإدراك المبصر من بعدٍ عَنهُ صَغِيرا وَمن قربٍ مِنْهُ كَبِيرا وكوجود من بِهِ حمى صفراء حُلْو المطاعم مرا وَمَا يرى فِي الرُّؤْيَا مِمَّا لَا شكّ فِيهِ رائيه أَنه حق من أَنه فِي الْبِلَاد الْبَعِيدَة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وكل هَذَا لَا معنى لَهُ لِأَن الْخطاب وتعاطي الْمعرفَة إِنَّمَا يكون مَعَ أهل الْمعرفَة وحس الْعقل شَاهد بِالْفرقِ بَين مَا يخيل إِلَى النَّائِم وَبَين مَا يُدْرِكهُ المستيقظ إِذْ لَيْسَ فِي الرُّؤْيَا من اسْتِعْمَال الجري على الْحُدُود المستقرة فِي الْأَشْيَاء الْمَعْرُوفَة وَكَونهَا ابدًا على صفة وَاحِدَة مَا فِي الْيَقَظَة وَكَذَلِكَ يشْهد الْحس أَيْضا بِأَن تبدل المحسوس عَن صفته اللازمه لَهُ بحث الْحس إِنَّمَا هُوَ لآفة فِي حس الحاس لَهُ لَا فِي المحسوس جَار كل ذَلِك على رُتْبَة وَاحِدَة لَا تتحول وَهَذِه هِيَ الْبِدَايَة والمشاهدات الَّتِي لَا يجوز أَن يطْلب عَلَيْهَا برهَان إِذْ لَو طلب على كل برهَان برهَان لاقتضى ذَلِك وجود موجودات لَا نِهَايَة لَهَا وَوُجُود أَشْيَاء لَا نِهَايَة لَهَا محَال لَا سَبِيل إِلَيْهِ على مَا سنبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالَّذِي يطْلب على الْبُرْهَان برهانًا فَهُوَ نَاطِق بالمحال لِأَنَّهُ لَا يفعل ذَلِك إِلَّا وَهُوَ مُثبت لبرهان مَا فَإِذا وقفنا عِنْد الْبُرْهَان الَّذِي ثَبت لزمَه الإذعان لَهُ فَإِن كَانَ لَا يثبت برهانًا فَلَا وَجه لطلبه مَا لَا يُثبتهُ لَو وجده وَالْقَوْل بِنَفْي الْحَقَائِق مُكَابَرَة لِلْعَقْلِ والحس وَيَكْفِي من الرَّد عَلَيْهِم أَن يُقَال لَهُم قَوْلكُم أَنه لَا حَقِيقَة للأشياء حق هُوَ أم بَاطِل فَإِن قَالُوا هُوَ حق أثبتوا حَقِيقَة مَا وَإِن قَالُوا لَيْسَ هُوَ حَقًا أقرُّوا بِبُطْلَان قَوْلهم وَكفوا خصمهم أَمرهم وَيُقَال للشكاك مِنْهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أشككم مَوْجُود صَحِيح مِنْكُم أم غير صَحِيح وَلَا مَوْجُود فَإِن قَالُوا هُوَ مَوْجُود صَحِيح منا أثبتوا أَيْضا حَقِيقَة مَا وَإِن قَالُوا غير مَوْجُود نفوا الشَّك وأبطلوه وَفِي إبِْطَال الشَّك إِثْبَات الْحَقَائِق أَو الْقطع على إِبْطَالهَا وَقد قدمنَا بعون الله تَعَالَى إبِْطَال قَول من أبطلها فَلم يبْقى إِلَّا الْإِثْبَات
وَيُقَال وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق لمن قَالَ هِيَ حق عِنْد من هِيَ عِنْده حق وَهِي
1 / 14
بَاطِل عِنْد من هِيَ عِنْده بَاطِل أَن الشَّيْء لَا يكون حَقًا باعتقاد من اعْتقد أَنه حق كَمَا أَنه لَا يبطل باعتقاد من اعْتقد أَنه بَاطِل وَإِنَّمَا يكون الشَّيْء حَقًا بِكَوْنِهِ مَوْجُودا ثَابتا سَوَاء اعْتقد أَنه حق أَو اعْتقد أَنه بَاطِل وَلَو كَانَ غير هَذَا لَكَانَ الشَّيْء مَعْدُوما مَوْجُودا فِي حَال وَاحِدَة فِي ذَاته وَهَذَا عين الْمحَال وَإِذا أقرُّوا بِأَن الْأَشْيَاء حق عِنْد من هِيَ عِنْده حق فَمن جملَة تِلْكَ الْأَشْيَاء الَّتِي تعتقد أَنَّهَا حق عِنْد من يعْتَقد أَن الْأَشْيَاء حق بطلَان قَول من قَالَ أَن الْحَقَائِق بَاطِل وَهُوَ هم قد أقرُّوا أَن الْأَشْيَاء حق عِنْد من هِيَ عِنْده حق وَبطلَان قَوْلهم من جملَة تِلْكَ الْأَشْيَاء فقد أقرُّوا بِأَن بطلَان قَوْلهم حق مَعَ أَن هَذِه الْأَقْوَال لَا سَبِيل إِلَى أَن يعتقدها ذُو عقل الْبَتَّةَ إِذْ حسه يشْهد بِخِلَافِهَا وَإِنَّمَا يُمكن أَن يلجأ إِلَيْهَا بعض المنقطعين على سَبِيل الشغب وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
بَاب الْكَلَام على من قَالَ بِأَن الْعَالم لم يزل وَأَنه لَا مُدبر لَهُ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ لَا يَخْلُو الْعَالم من أحد وَجْهَيْن إِمَّا أَن يكون لم يزل أَو أَن يكون مُحدثا لم يكن ثمَّ كَانَ فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه لم يزل وهم الدهرية وَذهب سَائِر النَّاس إِلَى أَنه مُحدث فنبتدئ بحول الله تَعَالَى وقوته بإيراد كل حجَّة شغب بهَا الْقَائِلُونَ بِأَن الْعَالم لم يزل وتوفية اعتراضهم بهَا ثمَّ نبين بحوله تَعَالَى نقضهَا وفسادها فَإِذا بَطل القَوْل بِأَن الْعَالم لم يزل وَجب القَوْل بالحدوث وَصَحَّ إِذْ لَا سَبِيل إِلَى وَجه ثَالِث لَكنا لَا نقنع بذلك حَتَّى نأتي بالبراهين الظَّاهِرَة والنتائج الْمُوجبَة والقضايا الضرورية على إِثْبَات حُدُوث الْعَالم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
فَمَا اعْترضُوا بِهِ أَن قَالُوا لم نر شَيْئا حدث إِلَّا من شَيْء أَو فِي شَيْء فَمن ادّعى غير ذَلِك فقد ادّعى مَا لَا يُشَاهد وَلم يُشَاهد وَقَالُوا أَيْضا لَا يَخْلُو مُحدث الْأَجْسَام الْجَوَاهِر والأعراض وَهِي كل مَا فِي الْعَالم إِن كَانَ الْعَالم مُحدثا من أَن يكون أحدثه لِأَنَّهُ أَو إحداثه لعِلَّة
فَإِن كَانَ لِأَنَّهُ فالعالم لم يزل لِأَن محدثه لم يزل وَإِذ هُوَ عِلّة خلقه فالعلة لَا تفارق الْمَعْلُول وَمَا لم يُفَارق من لم يزل فَهُوَ أَيْضا لم يزل هُوَ مثله بِلَا شكّ فالعالم لم يزل وَإِن كَانَ أحدثه لعِلَّة فَتلك الْعلَّة لَا تَخْلُو من أحد وَجْهَيْن إِمَّا أَن تكون لم تزل وَإِمَّا أَن تكون محدثة فَإِن كَانَت لم تزل فمعلولها لم يزل فالعالم لم يزل
1 / 15
وَإِن كَانَت تِلْكَ الْعلَّة محدثة لزم فِي حدوثها مَا لزم فِي حُدُوث سَائِر الْأَشْيَاء من أَنه أحدثها لِأَنَّهُ أَو لعِلَّة فَإِن كَانَ لعِلَّة لزم ذَلِك أَيْضا فِي عِلّة الْعلَّة وَهَكَذَا أبدا وَهَذَا يُوجب وجود محدثات لَا أَوَائِل لَهَا قَالُوا وَهَذَا قَوْلنَا قَالُوا وَإِن كَانَ أحدثها لِأَنَّهُ فَهَذَا يُوجب أَن الْعلَّة لم تزل كَمَا بَينا آنِفا وَقَالُوا أَيْضا إِن كَانَ للأجسام مُحدث لم يخل من أحد ثَلَاثَة أوجه إِمَّا أَن يكون مثلهَا من جَمِيع الْوُجُوه لزم وَإِمَّا أَن يكون خلَافهَا من دميع الْوُجُود وَإِمَّا أَن يكون مثلهَا من بعض الْوُجُوه وخلافها من بعض الْوُجُوه قَالُوا فَلَنْ كَانَ مثلهَا من جَمِيع الْوُجُوه لزم أَن يكون مُحدثا مثلهَا وَهَكَذَا فِي محدثة أَيْضا ابدًا وَإِن كَانَ مثلهَا فِي بعض الْوُجُوه لزمَه أَيْضا من مماثلتها فِي ذَلِك الْبَعْض مَا يلْزمه من مماثلته لَهَا فِي جَمِيع الْوُجُوه من الْحُدُوث إِذْ الْحُدُوث اللَّازِم للْبَعْض كازومه للْكُلّ وَلَا فرق وَإِن كَانَ خلَافهَا من جَمِيع الْوُجُوه فمحال أَن يَفْعَلهَا لِأَن هَذَا هُوَ حَقِيقَة الضِّدّ والمناقض إِذْ لَا سَبِيل إِلَى أَن يفعل الشَّيْء خِلَافه من جَمِيع الْوُجُوه كَمَا لَا تفعل النَّار التبريد وَقَالُوا أَيْضا لَا يَخْلُو إِن كَانَ للْعَالم فَاعل من أَن يكون فعله لإحراز مَنْفَعَة أَو لدفع مضرَّة أَو طباعًا أَو لَا لشَيْء من ذَلِك قَالُوا فَإِن كَانَ فعله لإحراز مَنْفَعَة أَو لدفع مضرَّة فَهُوَ مَحل للمنافع والمضار وَهَذِه صفة المحدثات عنْدكُمْ فَهُوَ مُحدث مثلهَا قَالُوا وَإِن كَانَ فعله طباعًا فالطباع مُوجبَة لما حدث بهَا فَفعله لم يزل مَعَه قَالُوا وَإِن كَانَ فعله لَا لشَيْء من ذَلِك فَهَذَا لَا يعقل وَمَا خرج عَن الْمَعْقُول فمحال وَقَالُوا أَيْضا لَو كَانَت الْأَجْسَام محدثة لَكَانَ محدثها قبل أَن يحدثها فَاعِلا لتركها قَالُوا وَتركهَا لَا يَخْلُو من أَن يكو جسما أَو عرضا وَهَذَا يُوجب أَن الْأَجْسَام والأعراض لم تزل مَوْجُودَة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ فَهَذِهِ المشاغب الْخمس هِيَ كل مَا عول عَلَيْهِ الْقَائِلُونَ بالدهر قد تقصيناها لَهُم وَنحن إِن شَاءَ الله نبدأ بحول الله وقوته فِي مناظرتهم فننقضها وَاحِدًا وَاحِدًا
إِفْسَاد الِاعْتِرَاض الأول قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ يُقَال وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق والعون لمن قَالَ لم نر شَيْئا حدث إِلَّا من شَيْء أَو فِي شَيْء هَل تدْرك حَقِيقَة شَيْء عنْدكُمْ من غير طَرِيق الرُّؤْيَة والمشاهدة أَو لَا يدْرك شَيْء من الْحَقَائِق إِلَّا من طَرِيق الرُّؤْيَة فَقَط فَإِن قَالُوا إِنَّه قد تدْرك الْحَقَائِق من غير طَرِيق الرُّؤْيَة والمشاهدة تركُوا استدلالهم وأفسدوه إِذْ قد أوجبوا وجود أَشْيَاء من غير طَرِيق الرُّؤْيَة والمشاهدة وَقد نفوا ذَلِك قبل هَذَا فَإِذا صَارُوا إِلَى الِاسْتِدْلَال نُوظِرُوا فِي ذَلِك إِلَّا أَن دليلهم هَذَا على كل حَال قد بَطل بِحَمْد الله تَعَالَى فَإِن قَالُوا لَا بل لَا يدْرك شَيْء إِلَّا من طَرِيق الْمُشَاهدَة قيل لَهُم فَهَل شاهدتم شَيْئا قطّ لم يزل فَلَا بُد من نعم أَو لَا فَإِن قَالُوا لَا
1 / 16
وَصَدقُوا وأبطلوا استدلالهم وَإِن قَالُوا نعم كابروا وَادعوا مَالا سَبِيل إِلَى مشاهدته إِذْ مُشَاهدَة قَائِل هَذَا القَوْل للأشياء هِيَ ذَات أول بِلَا شكّ وَذُو الأول هُوَ غير الَّذِي لم يزل لِأَن الَّذِي لم يزل هُوَ الَّذِي لَا أول لَهُ وَلَا سَبِيل إِلَى أَن يُشَاهد مَاله أول مَالا أول لَهُ مُشَاهدَة مُتَّصِلَة فَبَطل هَذَا الِاسْتِدْلَال على كل وَجه وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
إِفْسَاد الِاعْتِرَاض الثَّانِي قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ وَيُقَال لمن قَالَ لَا يَخْلُو من أَن بِفعل لِأَنَّهُ أَو لعِلَّة هَذِه قسْمَة نَاقِصَة وَينْقص مِنْهَا الْقسم الثَّالِث وَهُوَ لِأَنَّهُ فعل لَا لِأَنَّهُ وَلَا لعِلَّة أصلا لَكِن كَمَا شَاءَ لِأَن كلا الْقسمَيْنِ الْمَذْكُورين أَولا وهما أَنه فعل لِأَنَّهُ أَو لعِلَّة قد بطلا بِمَا قدمنَا هُنَالك إِذْ الْعلَّة توجب إِمَّا الْفِعْل أَو التّرْك وَهُوَ تَعَالَى يفعل وَلَا يفعل فصح بذلك أَنه لَا عِلّة لفعله أصلا وَلَا لتَركه الْبَتَّةَ فَبَطل هَذَا الشغب وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
فَإِن قَالُوا إِن ترك الْبَارِي تَعَالَى فِي الْأَزَل فعل مِنْهُ للترك فَفعله الَّذِي هُوَ التّرْك لم يزل قُلْنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن ترك الْبَارِي تَعَالَى الْفِعْل لَيْسَ فعلا أصلا على مَا نبين فِي فَسَاد الِاعْتِرَاض الْخَامِس إِن شَاءَ الله تَعَالَى
إِفْسَاد الِاعْتِرَاض الثَّالِث قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ يُقَال لمن قَالَ لَو كَانَ للأجسام مُحدث لم يخل من أحد ثَلَاثَة أوجه إِمَّا أَن يكون مثلهَا من جَمِيع الْوُجُوه أَو من بعض الْوُجُوه لَا من كلهَا أَو خلَافهَا من جَمِيع الْوُجُوه إِلَى انْقِضَاء كَلَامهم بل هُوَ تَعَالَى خلَافهَا من جَمِيع الْوُجُوه وإدخالكم على هَذَا الْوَجْه أَنه حَقِيقَة الضِّدّ والنقيض والضد لَا يفعل ضِدّه كَمَا لَا تفعل النَّار التبريد إِدْخَال فَاسد لِأَن الْبَارِي تَعَالَى لَا يُوصف بِأَنَّهُ ضد لخلقه لِأَن الضِّدّ هُوَ مَا حمل التضاد والتضاد هُوَ اقتسام الشَّيْئَيْنِ طرفِي الْبعد تَحت جنس وَاحِد فَإِذا وَقع أحد الضدين ارْتَفع الآخر وَهَذَا الْوَصْف بعيد عَن الْبَارِي تَعَالَى وَإِنَّمَا التضاد كالخضرة وَالْبَيَاض اللَّذين يجمعهما اللَّوْن أَو الْفَضِيلَة والرذيلة اللَّتَيْنِ يجمعهما الْكَيْفِيَّة والخلق وَلَا يكون الضدان الأعرضين تَحت جنس وَاحِد وَلَا بُد وكل هَذَا منفي عَن الْخَالِق ﷿ فَبَطل بِالضَّرُورَةِ أَن يكون ﷿ ضدًا لخلقه
وَأَيْضًا فَإِن قَوْلهم لَو كَانَ خلافًا لخلقه من جَمِيع الْوُجُوه لَكَانَ ضدًا لَهُم قَول فَاسد إِذْ لَيْسَ كل خلاف ضدًا فالجوهر خلاف الْعرض من كل وَجه حاشا الْحُدُوث فَقَط وَلَيْسَ ضدًا لَهُ وَيُقَال أَيْضا لمن قَالَ هَذَا القَوْل هَل تثبت فَاعِلا وفعلًا على وَجه من الْوُجُوه أَو تَنْفِي أَن يُوجد فَاعل وَفعل الْبَتَّةَ فَإِن نفي الْفَاعِل وَالْفِعْل
1 / 17
الْبَتَّةَ كَابر العيان لإنكاره الْمَاشِي والقائم والقاعد والمتحرك والساكن وَمن دفع بِهَذَا كَانَ فِي نِصَاب من لَا يكلم وَإِن أثبت الْفِعْل وَالْفَاعِل فِيمَا بَيْننَا قيل لَهُ هَل بِفعل الْجِسْم إِلَّا الْحَرَكَة والسكون فَلَا بُد من نعم وَالْحَرَكَة والسكون خلاف الْجِسْم وَلَيْسَ ضدًا لَهُ إِذْ ليسامعه تَحت جنس وَاحِد أصلا وَإِنَّمَا يجمعها وإياه الْحُدُوث فَقَط فَلَو كَانَ كل خلاف ضدًا لَكَانَ الْجِسْم فَاعِلا لضده وَهُوَ الْحَرَكَة أَو السّكُون وَهَذَا هُوَ نفس مَا أبطلوا فصح بِالضَّرُورَةِ أَنه لَيْسَ كل خلاف ضدًا وَصَحَّ أَن الْفَاعِل يفعل خِلَافه وَلَا بُد من ذَلِك فَبَطل اعتراضهم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
إِفْسَاد الِاعْتِرَاض الرَّابِع قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ وَيُقَال لمن قَالَ لَا يَخْلُو من أَن يكون مُحدث الْأَجْسَام أحدثها لإحراز مَنْفَعَة أَو لدفع مضرَّة أَو طباعًا أَو لَا لشَيْء من ذَلِك إِلَى انْقِضَاء كَلَامهم
أما الْفِعْل لإحراز مَنْفَعَة أَو لدفع مضرَّة فَإِنَّمَا يُوصف بِهِ المخلوقون المختارون
وَأما فعل الطباع فَإِنَّمَا يُوصف بِهِ المخلوقون غير المختارين وكل صِفَات المخلوقين فَهِيَ منفية عَن الله تَعَالَى الَّذِي هُوَ الْخَالِق لكل مَا دونه
أما الْقسم الثَّانِي وَهُوَ أَنه فعل لَا لشَيْء من ذَلِك فَهَذَا هُوَ قَوْلنَا ثمَّ نقُول لمن قَالَ إِن الْفِعْل لَا لشَيْء من ذَلِك أَمر غير مَعْقُول مَاذَا تَعْنِي بِقَوْلِك غير مَعْقُول أَتُرِيدُ أَنه لَا يعقل حسا أَو مُشَاهدَة أم تَقول أَنه لَا يعقل اسْتِدْلَالا فَإِن قلت أَنه لَا يعقل حسا ومشاهدة قُلْنَا لَك صدقت كَمَا أَن أزلية الْأَشْيَاء لَا نعقل حسا ومشاهدة وَإِن قلت إِنَّه لَا يعقل اسْتِدْلَالا كَانَ ذَلِك دَعْوَى مِنْك مفتقرة إِلَى دَلِيل وَالدَّعْوَى إِذا كَانَت هَكَذَا فَهِيَ سَاقِطَة فالاستدلال بهَا سَاقِط فَكيف وَالْفِعْل لَا لشَيْء من ذَلِك متوهم مُمكن غير دَاخل فِي الْمُمْتَنع وَمَا كَانَ هَكَذَا فالمانع مِنْهُ مُبْطل وَالْقَوْل بِهِ يعقل فَسقط هَذَا الِاعْتِرَاض ثمَّ نقُول لما كَانَ الْبَارِي تَعَالَى بالبراهين الضرورية خلافًا لجَمِيع خلقه من جَمِيع الْوُجُوه كَانَ فعله خلافًا لجَمِيع أَفعَال خلقه من جَمِيع الْوُجُوه وَجَمِيع خلقه لَا نَفْعل إِلَّا طباعًا أَو لاجتلاب مَنْفَعَة أَو لدفع مضرَّة فَوَجَبَ أَن يكون فعله تَعَالَى بِخِلَاف ذَلِك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
إِفْسَاد الِاعْتِرَاض الْخَامِس قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ وَيُقَال لمن قَالَ إِن ترك الْفَاعِل أَن يفعل الْأَجْسَام لَا يَخْلُو من أَن يكون جسمًا أَو عرضا إِلَى مُنْتَهى كَلَامهم إِن هَذِه قسْمَة فَاسِدَة بَيِّنَة العوار وَذَلِكَ أَن الْجِسْم هُوَ الطَّوِيل العريض العميق وَترك الْفِعْل لَيْسَ طَويلا وَلَا عريضًا وَلَا عميقًا فَترك الْفِعْل من الله تَعَالَى للجسم وَالْعرض لَيْسَ جسمًا وَالْعرض هُوَ الْمَحْمُول
1 / 18
فِي الْجِسْم وَترك فعل الله تَعَالَى للجسم وَالْعرض لَيْسَ مَحْمُولا فَلَيْسَ عرضا فَترك فعل الله تَعَالَى للجسم وَالْعرض لَيْسَ هُوَ جسمًا وَلَا عرضا وَإِنَّمَا هُوَ عدم والعدم لَيْسَ معنى وَلَا هُوَ شَيْئا وَترك الله تَعَالَى للْفِعْل لَيْسَ فعلا الْبَتَّةَ بِخِلَاف صفة خلقه لِأَن التّرْك من الْمَخْلُوق للْفِعْل فعل برهَان ذَلِك إِن ترك الْمَخْلُوق للْفِعْل لَا يكون إِلَّا بِفعل آخر مِنْهُ ضَرُورَة كتارك الْحَرَكَة لَا يكون إِلَّا بِفعل السّكُون وتارك الأ كل لَا يكون إِلَّا بِاسْتِعْمَال آلَات الْأكل فِي مقاربة بَعْضهَا بَعْضًا أَو فِي مباعدة بَعْضهَا بَعْضًا وبتعويض الْهَوَاء وَغَيره من الشَّيْء الْمَأْكُول وكتارك الْقيام لَا يكون إِلَّا باشتغاله بِفعل آخر من قعُود أَو غَيره فصح أَن فعل الْبَارِي تَعَالَى بِخِلَاف فعل خلقه وَإِن تَركه للْفِعْل لَيْسَ فعلا أصلا فَبَطل استدلالهم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ فَإذْ قد بَطل جَمِيع مَا تعلقوا بِهِ وَلم يبْق لَهُم شغب أصلا بعون الله وتأييده فَنحْن مبتدئون بتأييده ﷿ فِي إِيرَاد الْبَرَاهِين الضرورية على إِثْبَات حُدُوث الْعَالم بعد أَن لم يكون وَتَحْقِيق أَن لَهُ مُحدثا لم يزل لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
برهَان أول قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن كل شخص فِي الْعَالم وكل عرض فِي شخص وكل زمَان فَكل ذَلِك متناه ذُو أول نشاهد ذَلِك حسا وعيانًا لِأَن تناهي الشَّخْص ظَاهر بمساحته بِأول جرمه وَآخره وَأَيْضًا بِزَمَان وجوده وتناهي الْعرض الْمَحْمُول ظَاهر بَين بتناهي الشَّخْص الْحَامِل لَهُ وتناهي الزَّمَان مَوْجُود باستئناف مَا يَأْتِي مِنْهُ بعد الْمَاضِي وفناء كل وَقت بعد وجوده واستئناف آخر يَأْتِي بعده إِذْ كل زمَان فنهايته الْآن وَهُوَ حد الزمانين فَهُوَ نِهَايَة الْمَاضِي وَمَا بعده ابْتِدَاء للمستقبل وَهَكَذَا أبدا يفنى زمَان ويبتدئ آخر وكل جملَة من جمل الزَّمَان فَهِيَ مركبة من أزمنة متناهية ذَات أَوَائِل كَمَا قدمنَا وكل جملَة أشخاص فَهِيَ مركبة من أجزاءٍ متناهية بعددها وَذَوَات أَوَائِل كَمَا قدمنَا وكل مركب من أجزاءٍ متناهية ذَات أَوَائِل فَلَيْسَ هُوَ شَيْئا غير أَجْزَائِهِ إِذْ الْكل لَيْسَ هُوَ شَيْئا غير الْأَجْزَاء الَّتِي ينْحل إِلَيْهَا وأجزاؤه متناهية كَمَا بَينا ذَات أَوَائِل فالجمل كلهَا بِلَا شكّ متناهية ذَات أَوَائِل والعالم كُله إِنَّمَا هُوَ أشخاصه ومكانه وأزمانها ومحمولانها لَيْسَ الْعَالم كُله شَيْئا غير مَا ذَكرْنَاهُ وأشخاصه ومكانه وأزمانها ومحمولانها ذَوَات أَوَائِل كَمَا ذكرنَا فالعالم كُله متناه ذُو أول وَلَا بُد فَإِن كَانَت أجزاؤه كلهَا متناهية ذَات أول بِالْمُشَاهَدَةِ والحس وَكَانَ هُوَ غير ذِي أول وَقد أثبتنا بِالضَّرُورَةِ وَالْعقل والحس أَنه لَيْسَ هُوَ شَيْئا غير
1 / 19
أَجْزَائِهِ فَهُوَ ذُو أول لَا ذُو أول وَهَذَا عين الْمحَال وَيجب من ذَلِك أَيْضا أَن لأجزائه أَوَائِل محسوسة وأجزاؤه لَيست غَيره وَهُوَ غير ذِي أول فأجزاؤه إِذن لَهَا أول لَيْسَ لَهَا أول وَهَذَا محَال وتخليط فصح بِالضَّرُورَةِ أَن للْعَالم أَولا إِذْ كل أَجْزَائِهِ لَهَا أول وَلَيْسَ هُوَ شَيْئا غير أَجْزَائِهِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
برهَان ثَان قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ فَنَقُول كل مَوْجُود بِالْفِعْلِ فقد حصره الْعدَد وأحصته طَبِيعَته وَمعنى الطبيعة وَحدهَا هُوَ أَن تَقول الطبيعة هِيَ الْقُوَّة الَّتِي فِي الشَّيْء فتجري بهَا كيفيات ذَلِك الشَّيْء على مَا هِيَ عَلَيْهِ وَإِن أوجزت قلت هِيَ قُوَّة فِي الشَّيْء يُوجد بهَا على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَحصر الْعدَد وإحصاء الطبيعة نِهَايَة صَحِيحَة إِذْ مَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا إحصاء وَلَا حصر لَهُ إِذْ لَيْسَ معنى الْحصْر والإحصاء الأخم مَا بَين طرفِي المحصي المحصور والعالم مَوْجُود بِالْفِعْلِ وكل مَحْصُور بِالْعدَدِ محصي بالطبيعة فَهُوَ ذُو نِهَايَة فالعالم كُله ذُو نِهَايَة وَسَوَاء فِي ذَلِك مَا وجد فِي مُدَّة وَاحِدَة أَو مدد كَثِيرَة إِذْ لَيست تِلْكَ المدد إِلَّا مُدَّة محصاة إِلَى جنب مُدَّة محصاة فَهِيَ مركبة من مدد محصاة وكل مركب من أَشْيَاء فَهُوَ تِلْكَ الْأَشْيَاء الَّتِي ركب مِنْهَا فَهِيَ كلهَا مدد محصاة كَمَا قدمنَا فِي الدَّلِيل الأول فصح من كل ذَلِك أَن مَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا سَبِيل إِلَى وجوده بِالْفِعْلِ وَمَا لم يُوجد إِلَّا بعد مَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا سَبِيل إِلَى وجوده أبدا لِأَن وُقُوع البعدية فِيهِ هُوَ وجود نِهَايَة لَهُ وَمَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا بعد لَهُ فعلى هَذَا لَا يُوجد شيءٌ بعد شيءٍ أَبَد الْأَبَد والأشياء كلهَا مَوْجُودَة بَعْضهَا بعد بعض فالأشياء كلهَا ذَات نِهَايَة وَهَذَانِ الدليلان قد نبه الله تَعَالَى عَلَيْهِمَا وحصرهما بحجته الْبَالِغَة إِذْ يَقُول وكل شيءٍ عِنْده بِمِقْدَار
برهَان ثَالِث قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ مَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا سَبِيل إِلَى الزِّيَادَة فِيهِ إِذْ معنى الزِّيَادَة إِنَّمَا هُوَ أَن تضيف إِلَى ذِي النِّهَايَة شَيْئا من جنسه يزِيد ذَلِك فِي عدده أَو فِي مساحته فَإِن كَانَ الزَّمَان لَا أول لَهُ يكون بِهِ متناهيًا فِي عدده الْآن فَإِذن كل مَا زَاد فِيهِ وَيزِيد مِمَّا يَأْبَى من الْأَزْمِنَة مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يزِيد ذَلِك فِي عدد الزَّمَان شَيْئا وَفِي شَهَادَة الْحس أَن كل مَا وجد من الأعوام على الْأَبَد إِلَى زَمَاننَا هَذَا الَّذِي هُوَ وَقت ولَايَة هِشَام الْمُعْتَمد بِاللَّه هُوَ أَكثر من كل مَا وجد من الأعوام على الْأَبَد إِلَى وَقت هِجْرَة رَسُول الله ﷺ فَإِن لم يكن هَذَا صَحِيحا فَيجب إِذن أَنه إِذا دَار زحل دورة وَاحِدَة فِي كل ثَلَاثِينَ سنة وزحل لم يزل يَدُور دَار الْفلك الْأَكْبَر فِي تِلْكَ الثَّلَاثِينَ سنة إِحْدَى عشرَة ألف دورة غيرَة خمسين دورة والفلك لم يزل يَدُور وَإِحْدَى عشرَة ألف غير خمسين دورة أَكثر من دورة
1 / 20
وَاحِدَة بِلَا شكّ فَإِذن مَا لَا نِهَايَة لَهُ أَكثر مِمَّا لَا نِهَايَة لَهُ بِنَحْوِ إِحْدَى عشرَة ألف مرّة وَهَذَا محَال لما قدمنَا وَلِأَن مَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا يُمكن الْبَتَّةَ أَن يكون عدد أَكثر مِنْهُ بِوَجْه من الْوُجُوه فَوَجَبت فِي الزَّمَان من قبل ابْتِدَائه ضَرُورَة وَلَا مخلص مِنْهَا
وَيجب أَيْضا من ذَلِك أَن الْحس يُوجب ضَرُورَة أَن أشخاص الْإِنْس مُضَافَة إِلَى أشخاص الْخَيل أَكثر من أشخاص الْإِنْس مُفْردَة عَن أشخاص الْخَيل وَلَو كَانَت الْأَشْخَاص لَا نِهَايَة لَهَا لوَجَبَ أَن مَا لَا نِهَايَة لَهُ أَكثر مِمَّا لَا نِهَايَة لَهُ وَهَذَا محَال مُمْتَنع لَا يتشكل فِي الْعقل وَلَا يُمكن وَأَيْضًا فَلَا شكّ فِي أَن الزَّمَان مذ كَانَ إِلَى وَقت الْهِجْرَة جُزْء للزمان مذ كَانَ إِلَى وقتنا هَذَا وَبلا شكّ أَيْضا فِي أَن الزَّمَان مذ كَانَ إِلَى وقتنا هَذَا كل للزمان مذ كَانَ إِلَى وَقت الْهِجْرَة وَلما بعده إِلَى وقتنا هَذَا فَلَا يَخْلُو الحكم فِي هَذِه الْقَضِيَّة من أحد ثَلَاثَة أوجه لَا رَابِع لَهَا إِمَّا أَن يكون الزَّمَان مذ كَانَ مَوْجُودا إِلَى وقتنا هَذَا أَكثر من الزَّمَان مذ كَانَ إِلَى عصر الْهِجْرَة وَإِمَّا أَن يكون أقل مِنْهُ وَإِمَّا أَن يكون مُسَاوِيا لَهُ فَإِن كَانَ الزَّمَان مذ كَانَ إِلَى وقتنا هَذَا من الزَّمَان مذ كَانَ إِلَى وَقت الْهِجْرَة فَالْكل أقل من الْجُزْء والجزء أَكثر من الْكل وَهَذَا هُوَ الِاخْتِلَاط وَعين الْمحَال إِذْ لَا يخيل على أحد أَن الْكل أَكثر من الْجُزْء وَهَذَا مَا لَا شكّ فِيهِ ببديهة الْعَمَل وضرورة الْحس وَإِن كَانَ مُسَاوِيا لَهُ فَالْكل مسَاوٍ للجزء وَهَذَا عين الْمحَال والتخليط وَإِن كَانَ أَكثر مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا شكّ فِيهِ فالزمان مذ كَانَ إِلَى وَقت الْهِجْرَة ذُو نِهَايَة وَمعنى الْجُزْء إِنَّمَا هُوَ إبعاض الشَّيْء وَمعنى الْكل إِنَّمَا هُوَ جملَة الإيعاض فَالْكل والجزء واقعان فِي كل ذِي أبعاض والعالم ذُو أبعاض هَكَذَا تُوجد حاملاته ومحمولاته وأزمانها فالعالم كل لَا بعاضه وإبعاضه أَجزَاء لَهُ وَالنِّهَايَة كَمَا قدمنَا لَازِمَة لكل ذِي كل وَذي أَجزَاء وَالزَّمَان هُوَ مُدَّة بَقَاء الجرم سَاكِنا أَو متحركًا وَلَو فَارقه لم يكن الجرم مَوْجُودا وَلَا كَانَ الزَّمَان أَيْضا مَوْجُودا والجرم وَالزَّمَان موجودان فكلاهما لم يُفَارق صَاحبه
وَالزَّمَان ذُو أول والجرم ذُو أول وَهَذَا مِمَّا لَا انفكاك لَهُ الْبَتَّةَ وَأما مَا لم يَأْتِ بعد من زمَان أَو شخص أَو عرض فَلَيْسَ كل ذَلِك شَيْئا فَلَا يَقع على شَيْء من ذَلِك عدد وَلَا نِهَايَة وَلَا يُوصف بِشَيْء أصلا لِأَنَّهُ لَا وجود لَهُ بعد فَإِذا وجد لزمَه حِينَئِذٍ مَا لزم سَائِر مَا قد وجد من أجناسه وأنواعه من النِّهَايَة وَالْعدَد وَغير ذَلِك من الصِّفَات
وَأَيْضًا فَلَا شكّ فِي أَن مَا وَقع من الزَّمَان وَوجد من الزَّمَان إِلَى يَوْمنَا هَذَا مسَاوٍ لما من يَوْمنَا هَذَا إِلَى مَا وَقع من الزَّمَان معكوسًا وواجب فِيهِ الزِّيَادَة بِمَا يَأْتِي من الزَّمَان والمساوى
1 / 21
لَا يَقع إِلَّا فِي ذِي نِهَايَة فالزمان متناه ضَرُورَة وَقد ألزمت بعض الْمُلْحِدِينَ وَهُوَ ثَابت بن مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ فِي هَذَا الْبُرْهَان فَأَرَادَ أَن يعكسه عَليّ فِي بَقَاء الْبَارِي ﷿ ووجودنا إِيَّاه فَأَخْبَرته بِأَن هَذَا شغب ضَعِيف مضمحل سَاقِط لِأَن الْبَارِي تَعَالَى لَيْسَ فِي زمَان وَلَا لَهُ مُدَّة لِأَن الزَّمَان إِنَّمَا هُوَ حَرَكَة كل ذِي الزَّمَان وانتقاله من مَكَان إِلَى مَكَان أَو مُدَّة بَقَائِهِ سَاكِنا فِي مَكَان وَاحِد والباري تَعَالَى لَيْسَ متحركًا وَلَا سَاكِنا ولاشك أَنه لَيْسَ فِي زمَان وَلَا لَهُ مُدَّة وَلَا هُوَ فِي مَكَان أصلا وَلَيْسَ هُوَ جرما وَلَا جوهرًا وَلَا عرضا وَلَا عددا وَلَا جِنْسا وَلَا نوعا وَلَا فصلا وَلَا شخصا وَلَا متحركًا وَلَا سَاكِنا وَإِنَّمَا هُوَ تَعَالَى حق فِي ذَاته مَوْجُود مُطلق بِمَعْنى أَنه مَعْلُوم لَا إِلَه غَيره وَاحِد لَا وَاحِد فِي الْعَالم سواهُ مخترع للموجودات كلهَا دونه لَا يشبه شَيْئا من خلقه بِوَجْه من الْوُجُوه وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ وَقد نبه الله تَعَالَى على هَذَا الدَّلِيل وحصره فِي قَوْله تَعَالَى يزِيد فِي الْخلق مَا يَشَاء
برهَان رَابِع قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ إِن كَانَ الْعَالم لَا أول لَهُ وَلَا نِهَايَة لَهُ فالإحصاء مناله بِالْعدَدِ والطبيعة إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ من أَوَائِل الْعَالم الْمَاضِيَة محَال لَا سَبِيل إِلَيْهِ إِذْ لَو أحصى ذَلِك كُله لَكَانَ لَهُ نِهَايَة ضَرُورَة فَإِذا لَا سَبِيل إِلَيْهِ فَكَذَلِك أَيْضا هُوَ محَال أَن تكون الطبيعة وَالْعدَد أحصيا مَا لَا نِهَايَة لَهُ من أَوَائِل الْعَالم الخالية حَتَّى يبلغَا إِلَيْنَا وَإِذا كَانَ ذَلِك محالًا فالعدد والطبيعة إِذا لم يبلغَا إِلَيْنَا وَقد تَيَقنا وُقُوع الْعدَد والطبيعة فِي كل مَا خلا من الْعَالم حَتَّى بلغا إِلَيْنَا بِلَا شكّ فَإِذا قد أحصى الْعدَد والطبيعة كل ماخلا من أَوَائِل الْعَالم إِلَى أَن بلغا إِلَيْنَا فَكَذَلِك الإحصاء منا إِلَى أولية الْعَالم صَحِيح مَوْجُود لَا ضَرُورَة بِلَا شكّ وَإِذ ذَلِك كَذَلِك فللعالم أَو ل ضَرُورَة وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
برهَان خَامِس قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ لَا سَبِيل إِلَى وجود ثَان إِلَّا بعد أول وَلَا إِلَى وجود ثَالِث إِلَّا بعد ثَان وَهَكَذَا أبدا وَلَو لم يكن لأجزاء الْعَالم أول لم يكن ثَان وَلَو لم يكن ثَان لم يكن ثَالِث وَلَو كَانَ الْأَمر هَكَذَا لم يكن عدد وَلَا مَعْدُود وَفِي وجودنا جَمِيع الْأَشْيَاء الَّتِي فِي الْعَالم مَعْدُودَة إِيجَاب أَنَّهَا ثَالِث بعد ثَان وثان بعد أول وَفِي صِحَة هَذَا وجوب أول ضَرُورَة وَقد نبه الله تَعَالَى على هَذَا الدَّلِيل وعَلى الَّذِي قبله وحصرهما فِي قَوْله تَعَالَى وأحصى كل شَيْء عددا وَأَيْضًا فالآخر وَالْأول من بَاب الْمُضَاف فالآخر آخر للْأولِ وَالْأول أول للْآخر وَلَو لم يكن أول لم يكن آخر ويومنا هَذَا بِمَا فِيهِ آخر لكل مَوْجُود قبله إِذْ لم يَأْتِ بعد فَلَيْسَ شَيْئا وَلَا وَقع عَلَيْهِ بعد شَيْء من الْأَوْصَاف فَلهُ أول ضَرُورَة
1 / 22
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ وَقد أَخْبرنِي بعض أصدقائنا وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عقبَة رَحمَه الله تَعَالَى أَنه عَارض بِهَذَا الْبُرْهَان بعض الْمُلْحِدِينَ وَهُوَ عبد الله بن عبد الله بن شنيف فعارضه الملحد فِي قَوْله بخلود الْجنَّة وَالنَّار وأهلهما فَقَالَ لَهُ ابْن عقبَة إِنَّمَا أَخذنَا خُلُود دَاري الْجَزَاء وخلود أهلهما بِلَا نِهَايَة على غير هَذَا الْوَجْه لَكِن على أَن الله تَعَالَى ينشئ لكل ذَلِك بَقَاء محدودًا وحركات حَادِثَة ولذات مترادفة أبدا وقتا بعد وَقت إِلَّا أَن الأول وَالْآخر جاريان حادثان فِي كل مَوْجُود من ذَلِك وَإِذا ثَبت الأول فَغير مُمْتَنع تمادي الزَّمَان حينا بعد حِين أبدا بِلَا نِهَايَة وَهَذَا مثل الْعدَد فَإِنَّهُ لَو لم يكن لَهُ أول لم يقدر أحد على عد أَي شَيْء أبدا فالعدد لَهُ أول ضَرُورَة يعرف ذَلِك بالحس والمشاهدة وَهُوَ قَوْلنَا وَاحِد فَإِن هَذَا مبدأ الْعدَد الَّذِي لَا عدد قبله ثمَّ الْأَعْدَاد يُمكن فِيهَا الزِّيَادَة أَبَد الْأَبَد لَا إِلَى غَايَة لَكِن كلما خرج مِنْهُ جُزْء إِلَى حد الْوُجُود وحد الْفِعْل فَلهُ نِهَايَة وَهَكَذَا أبدا سرمدًا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَانْقَطع الشنيفي وَلم يكن عِنْده إِلَّا الشغب
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ وَقد قَالَ بعض اهل الْإِلْحَاد فِي هَذِه الْبَرَاهِين الَّتِي أَوجَبْنَا بهَا اسْتِحَالَة وجود موجودات لَا أَوَائِل لَهَا أتقولون أَن الله تَعَالَى يُوفي أهل الْجنَّة مَا وعدهم من النَّعيم الَّذِي لَا آخر لَهُ وَلَا نِهَايَة أم لَا يوفيهم مَا وعدهم
فَإِن قُلْتُمْ أَنه تَعَالَى يوفيهم إِيَّاه دخل عَلَيْكُم كل مَا أدخلتموه علينا فِي هَذِه الْبَرَاهِين وَلَا فرق
وَإِن قُلْتُمْ أَنه تَعَالَى لَا يوفيهم ذَلِك ألزمتموه خلف الْوَعْد وَهُوَ كفر عنْدكُمْ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ هَذِه شغيبة قد طالما حذرنا من مثلهَا فِي كتبنَا الَّتِي جمعناها فِي حُدُود الْمنطق وَهِي متفسخة من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تعلق الْمَرْء بِمَا يَقُول خَصمه ضعف وَإِنَّمَا يلْزم الْمَرْء أَن يخلص قَوْله مُجَردا وَلَا أُسْوَة لَهُ فِي تنَاقض خَصمه بل لَعَلَّ خَصمه لَا يَقُول ذَلِك الثَّانِي أَن المسؤول بهَا إِن كَانَ جهميًا سقط عَنهُ هَذَا السُّؤَال الْمَذْكُور
وَأما نَحن فعلينا بحول الله تَعَالَى بَيَان فَسَاد هَذَا الِاعْتِرَاض وتمويهه فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن من شغب أهل السفسطة إِدْخَال كلمة لَا يؤبه لَهَا يجعلونها مُقَدّمَة وَهِي كذب فيموهون بهَا على
1 / 23
الْجُهَّال وَمَا يبنون عَلَيْهَا وَهَذَا الِاعْتِرَاض من هَذَا الْبَاب وَذَلِكَ أَنهم أَرَادوا إلزامنا بِأَن الله ﷿ وعد أهل الْجنَّة أَن يوفيهم نعيمًا لَا نِهَايَة لَهُ وَهَذَا خطأ وَكذب وَمَا وعدهم الله ﷿ قطّ بِأَن يوفيهم ذَلِك النَّعيم وَلَو وعدهم بذلك لَكَانَ ذَلِك النَّعيم إِذا استوفي بَطل وفني وانقضى وَإِنَّمَا وعدهم تَعَالَى بنعيم لَا نِهَايَة لَهُ وكل مَا ظهر وَوجد من ذَلِك النَّعيم فَهُوَ مَحْصُور ذُو نِهَايَة وَمَا لم يخرج إِلَى حد الْفِعْل فَهُوَ عدم بعد وَلَا يَقع عَلَيْهِ عدد وَلَا صفة وَهَكَذَا أبدا فقد ظهر أَن لَفْظَة بوفيهم هِيَ الشغيبة الْفَاسِدَة الَّتِي موهوا بهَا فَإِذا أسقطها الْمُعْتَرض من كَلَامه سقط اعتراضه جملَة وَصحت الْقَضِيَّة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فَإِن قَالَ قَائِل إِن الله تَعَالَى يَقُول وَإِنَّا لموفوهم نصِيبهم غير مَنْقُوص قُلْنَا هَذَا لَا يَخْلُو من أحد وَجْهَيْن لَا ثَالِث لَهما إِمَّا أَن يكون أَرَادَ بذلك نصِيبهم من الْجَزَاء وَيكون أَرَادَ نصبيهم من مساحة الْجنَّة
فَإِن كَانَ عَنى ﷿ بذلك نصِيبهم من الْجَزَاء بالعقاب وَالنَّعِيم فَهُوَ صَحِيح لِأَن كل مَا خرج من ذَلِك إِلَى حد الْوُجُود فَهُوَ مُسْتَوفى بِيَقِين وَهَكَذَا أبدا
وَإِن كَانَ تَعَالَى عَنى بذلك نصيب كل وَاحِد من الْجنَّة وَالنَّار فَهَذَا صَحِيح لِأَن كل مَكَان مِنْهَا متناه من جِهَة المساحة وَإِنَّمَا نَفينَا التوفية الَّتِي توجب الِانْقِضَاء بِلَا زِيَادَة فِيهَا وَقد قَالَ ﷿ فَأَما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فيوفيهم أُجُورهم ويزيدهم من فَضله وَقَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب﴾ وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ تبينان أَن الْأجر المستوفي هُوَ مَا يعطونه من مساحة الْجنَّة وكل مَا خرج إِلَى الْوُجُود من النَّعيم ثمَّ لَا يزَال تَعَالَى يزيدهم من فَضله كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿بِغَيْر حِسَاب﴾ فَهَذَا لَا يَسْتَوْفِي أبدا لِأَنَّهُ لَا نِهَايَة لَهُ وَلَا كل وَلَو استوفي لم يُمكن أَن تكون فِيهِ زِيَادَة إِذْ بِالضَّرُورَةِ يعلم أَن مَا استوفى فَلَا زِيَادَة فِيهِ وَمَا تمكن الزِّيَادَة فِيهِ فَلم يسْتَوْف بعد وَالله تَعَالَى قد نَص على أَن بعد تِلْكَ التوفية زِيَادَة فصح أَنَّهَا تَوْفِيَة لشَيْء مَحْدُود متناه وَأَن مَا لَا نِهَايَة لَهُ فَلَا يسْتَوْفى أبدا فقد ثَبت بِكُل مَا ذكرنَا أَن الْعَالم ذُو أول وَإِذا كَانَ ذَا أول فَلَا بُد ضَرُورَة من أحد ثَلَاثَة أوجه لَا رَابِع لَهَا وَهِي إِمَّا أَن يكون أحدث ذَاته وَإِمَّا أَن يكون حدث بِغَيْر أَن يحدثه غَيره وَبِغير أَن يحدث هُوَ نَفسه وَإِمَّا أَن يكون أحدثه غَيره فَإِن كَانَ هُوَ أحدث ذَاته فَلَا يَخْلُو من أحد أَرْبَعَة وُجُوه لَا خَامِس لَهَا وَهِي إِمَّا أَن يكون أحدث ذَاته وَهُوَ مَعْدُوم وَهِي مَوْجُودَة أَو أحدث ذَاته وَهُوَ مَوْجُود وَهِي مَعْدُومَة أَو أحدثها وَكِلَاهُمَا مَوْجُود أَو أحدثها وَكِلَاهُمَا مَعْدُوم وكل هَذِه الْأَرْبَعَة الْأَوْجه محَال مُمْتَنع لَا سَبِيل إِلَى شَيْء مِنْهَا
1 / 24
لِأَن الشَّيْء وذاته هِيَ هُوَ وَهُوَ هِيَ وكل مَا ذكرنَا من الْوُجُوه يُوجب أَن يكون الشَّيْء غير ذَاته وَهَذَا محَال وباطل بِالْمُشَاهَدَةِ والحس فَهَذَا وَجه قد بَطل ثمَّ نقُول وَإِن كَانَ خرج عَن الْعَدَم إِلَى الْوُجُود بِغَيْر أَن يخرج هُوَ ذَاته أَو يُخرجهُ غَيره فَهَذَا أَيْضا محَال لِأَنَّهُ لَا حَال أولى بِخُرُوجِهِ إِلَى الْوُجُود من حَال أُخْرَى وَلَا حَال أصلا هُنَالك فَإِذا لَا سَبِيل إِلَى خُرُوجه وَخُرُوجه مشَاهد مُتَيَقن فحال الْخُرُوج غير حَال اللاخروج وَحَال الْخُرُوج هِيَ عِلّة كَونه وَهَذَا لَازم فِي تِلْكَ الْحَال أَعنِي إِن حَال الْخُرُوج يلْزم فِي حدوثها مثل مَا لزم فِي حُدُوث الْعَالم من أَن تكون أخرجت نَفسهَا أَو أخرجهَا غَيرهَا أَو خرجت بِغَيْر هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وَهَكَذَا فِي كل حَال فَإِن تمادي الْكَلَام وَجب بِمَا قدمْنَاهُ إِلَّا نِهَايَة وَإِلَّا نِهَايَة فِي الْعَالم من مبدئه بَاطِل مُمْتَنع محَال فَإِذا قد بَطل أَن يخرج الْعَالم بِنَفسِهِ وَبَطل أَن يخرج دون أَن يُخرجهُ غَيره فقد ثَبت الْوَجْه الثَّالِث ضَرُورَة إِذْ لم يبْق غَيره الْبَتَّةَ فَلَا بُد من صِحَّته وَهُوَ أَن الْعَالم أخرجه غَيره من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَأَيْضًا فَإِن الْفلك بِكُل مَا فِيهِ ذُو آثر مَحْمُولَة فِيهِ من نقلة زمانية وحركة دورية فِي كَون كل جُزْء من أَجْزَائِهِ فِي مَكَان الَّذِي يَلِيهِ والأثر مَعَ الْمُؤثر من بَاب الْمُضَاف فَإِن لم يكن أثرٌ لم يكن مؤثرٌ وَإِن لم يكن مُؤثر لم يكن أثرٌ فَوَجَبَ بذلك أَنه لَا بُد لهَذِهِ الْآثَار الظَّاهِرَة من مؤثرٌ أَثَرهَا وَلَا سَبِيل إِلَى أَن يكون الْفلك أَو شَيْء مِمَّا فِيهِ هُوَ الْمُؤثر لِأَنَّهُ يصير هُوَ الْمُؤثر والمؤثر فِيهِ مَعَ أَن الْمُؤثر والأثر من بَاب الْمُضَاف أَيْضا وَمعنى قَوْلنَا أَن الْمُؤثر والأثر والمؤثر فِيهِ من بَاب الْمُضَاف إِنَّمَا هُوَ أَن الْأَثر والمؤثر فِيهِ يقتضيان مؤثرا وَلَا بُد وَلم يرد أَن الْبَارِي تَعَالَى يَقع تَحت الْإِضَافَة فَلَا بُد ضَرُورَة من مُؤثر لَيْسَ مؤثرًا فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ شَيْئا مِمَّا فِي الْعَالم فَهُوَ بِالضَّرُورَةِ الْخَالِق الأول الْوَاحِد ﵎ فصح بِهَذَا أَن الْعَالم كُله مُحدث وَأَن لَهُ مُحدثا هُوَ غَيره هَذَا الَّذِي مَا نرَاهُ ويشاهد بالحواس من آثَار الصَّنْعَة الَّتِي لَا يشك فِيهَا ذُو عقل
وَمن بعض ذَلِك تراكيب الأفلاك وتداخلها ودوام دورانها على اخْتِلَاف مراكزها ثمَّ أفلاك تداويرها والبون بَين حَرَكَة أفلاك التداوير والأفلاك الحاملة لَهَا ودوران الأفلاك كلهَا من غرب إِلَى شَرق ودوران الْفلك التَّاسِع الْكُلِّي بِخِلَاف ذَلِك من شَرق إِلَى غرب وإدارته لجَمِيع الأفلاك مَعَ نَفسه كَذَلِك فَحدث من ذَلِك حركتان متعارضتان فِي حَرَكَة وَاحِدَة فالبضرورة نعلم أَن لَهَا محركًا على هَذِه
1 / 25
الْوُجُوه الْمُخْتَلفَة
ثمَّ تراكيب أَعْضَاء الْإِنْسَان وَالْحَيَوَان من إِدْخَال الْعِظَام المحدبة فِي المقعرة وتركيب العضل على تِلْكَ المداخل والشد على ذَلِك بالعصب وَالْعُرُوق صناعَة ظَاهِرَة لَا شكّ فِيهَا لَا ينقصها إِلَّا رُؤْيَة الصَّانِع فَقَط
وَمن ذَلِك مَا يظْهر فِي الأصباغ الْمَوْضُوعَة فِي جُلُود كثير من الْحَيَوَان وريشه ووبره وشعره وظفره وقشره على رُتْبَة وَاحِدَة وَوضع وَاحِد لَا تخَالف فِيهِ كاضباغ الحجل والشفانين اليمام وَالسمان والبزاة وَكثير من الطير والسلاحف والحشارت والسمك لَا يخْتَلف تنقيطه الْبَتَّةَ وَلَا تكون أصباغه مَوْضُوعَة إِلَّا وضعا وَاحِدًا كأذناب الطواويس وَفِي السّمك وَالْجَرَاد والحشرات نوعا وَاحِدًا كَالَّذي يصوره المصور بَيْننَا
ثمَّ مِنْهَا مَا يَأْتِي مُخْتَلفا كأصباغ الدَّجَاج وَالْحمام والبط وَكثير من الْحَيَوَان فالبضرورة والحس نعلم أَن لذَلِك صانعًا مُخْتَارًا يفعل ذَلِك كُله كَمَا شَاءَ ويحصيه إحصاء لَا يضطرب أبدا عَمَّا شَاءَ من ذَلِك وَلَيْسَ يُمكن الْبَتَّةَ فِي حس الْعقل أَن تكون هَذِه المختلفات المضبوطة ضبطًا لَا تفَاوت فِيهِ من فعل طبيعة وَلَا بُد لَهَا من صانع قَاصد إِلَى صَنْعَة كل ذَلِك وَمن دري مَا الطبيعة علم أَنَّهَا قُوَّة مَوْضُوعَة فِي الشَّيْء تجْرِي بهَا صِفَاته على مَا هِيَ عَلَيْهِ فَقَط وبالضرورة يعلم أَن لَهَا وَاضِعا ومرتبًا وصانعًا لِأَنَّهَا لَا تقوم بِنَفسِهَا وَإِنَّمَا هِيَ يحولة على ذِي الطبيعة وَمِنْهَا مَا نرى فِي لِيف النّخل والدوم من النسج الْمَصْنُوع يَقِينا بنيرين وسدى كَالَّذي يصنعه النساج مَا تنْقصنَا إِلَّا رُؤْيَة الصَّانِع فَقَط وَلَيْسَ هَذَا الْبَتَّةَ من فعل طبيعة وَلَا بنسج ناسج وَلَا بِنَاء وَلَا صانع أصباغ مرتبَة بل صَنْعَة صانع مُخْتَار قَاصد إِلَى ذَلِك غير ذِي طبيعة لكنه قَادر على مَا يَشَاء هَذَا أَمر مَعْلُوم بضرورة الْعقل وأوله يَقِينا كَمَا نعلم أَن الثَّلَاثَة أَكثر من الِاثْنَيْنِ فصح أَنه خَالق أول وَاحِد حق لَا يشبه شَيْئا من خلقه الْبَتَّةَ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْوَاحِد الأول الْخَالِق ﷿
بَاب الْكَلَام على من قَالَ إِن الْعَالم لم يزل وَله مَعَ ذَلِك فَاعل لم يزل
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ قد أفسدنا بحول الله وقوته بالبراهين الَّتِي قدمنَا هَذِه الْمقَالة وَلَكِن بَقِي لَهُم اعْتِرَاض وَجب إِيرَاده تقصيًا لكل مَا موهوا بِهِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ اعْتمد أهل هَذِه الْمقَالة على أَن قَالُوا إِن عِلّة فعل الْبَارِي تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ وجوده وحكمته وَقدرته وَهُوَ تَعَالَى لم يزل جوادًا حكيمًا قَادِرًا فالعالم لم يزل إِذْ علته لم تزل فَهَذَا فَاسد الْبَتَّةَ بِالدّلَالَةِ
1 / 26
الَّتِي قدمنَا الَّتِي تضطر إِلَى الْمعرفَة والتيقن بحدوث الْعَالم ثمَّ نقُول أَنه إِنَّمَا يلْزم هَذَا من أقرّ بِهَذِهِ الْمُقدمَة أَعنِي أَن للْعَالم عِلّة وَأما نَحن فَإنَّا نقُول أَنه لَا عِلّة لتكوين الله ﷿ كل مَا كَونه وَأَنه لَا شَيْء غير الْخَالِق وخلقه ثمَّ نقُول على علم هَؤُلَاءِ قولا كَافِيا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهُوَ أَن الْمَفْعُول هُوَ الْمُنْتَقل من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود بِمَعْنى من لَيْسَ إِلَى شَيْء فَهَذَا هُوَ الْمُحدث وَمعنى الْمُحدث هُوَ مَا لم يكن ثمَّ كَانَ وهم يَقُولُونَ أَنه الَّذِي لم يزل وَهَذَا هُوَ خلاف الْمَعْقُول لِأَن الَّذِي لم يكن ثمَّ كَانَ هُوَ غير الَّذِي لم يزل فالعالم إِذا هُوَ غير نَفسه وَهَذَا عين الْمحَال وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَإِن قَالَ لنا قَائِل لما كَانَ الْبَارِي تَعَالَى غير فَاعل على قَوْلكُم ثمَّ صَار فَاعِلا فقد لحقته اسْتِحَالَة وَتَعَالَى الله عَن ذَلِك قُلْنَا لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق هَذَا السُّؤَال رَاجع عَلَيْكُم إِذْ صححتموه فَهُوَ لكم لَازم لَا لنا إِذْ لم نصححه وَذَلِكَ أَنه إِن كَانَ عنْدكُمْ الْفِعْل مِنْهُ بعد أَن كَانَ غير فَاعل يرحب الاستحالة على الْفَاعِل تعال فَإِن فعله لما أحدث من الْإِعْرَاض عنْدكُمْ بعد أَن كَانَ غير مُحدث لَهَا وإعدامه مَا أعدم مِنْهَا بعد أَن كَانَ غير معدم لَهَا مُوجب عَلَيْهِ الاستحالة فأجيبوا عَن سؤلكم الَّذِي صححتموه وَلَا جَوَاب لكم إِلَّا بإفساده وَأما نَحن فَنَقُول إِن الاستحالة لَيست مَا ذكرْتُمْ وَإِنَّمَا معنى الاستحالة أَنه حُدُوث شَيْء فِي المستحيل لم يكن فِيهِ قبل ذَلِك صَار بِهِ مستحيلًا عَن صفته المحمولة عَلَيْهِ إِلَى غَيرهَا وَهَذَا الْمَعْنى منفي عَن الله تَعَالَى أَي أَنه تَعَالَى بِحل عَن أَن يكون حَامِلا لصفة عَلَيْهِ بل بِذَاتِهِ لم يفعل إِن كَانَ غير فَاعل وبذاته فعل إِن فعل وَلَا عِلّة لما فعل وَلَا عِلّة لما لم يفعل وَأَيْضًا فَإِن الَّذِي لم يزل هُوَ الَّذِي لَا فَاعل لَهُ وَلَا مخرج لَهُ من عدم إِلَى وجود فَلَو كَانَ الْعَالم لم يزل لَكَانَ لَا مخرج لَهُ وَلَا فَاعل لَهُ وَقد أقرّ أهل هَذِه الْمقَالة بِأَن الْعَالم لم يزل وَإِن لَهُ فَاعِلا لم يزل يفعل وَهَذَا عين الْمحَال والتخليط وَالْفساد وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
بَاب الْكَلَام على من قَالَ أَن للْعَالم خَالِقًا لم يزل وَأَن النَّفس وَالْمَكَان الْمُطلق الَّذِي هُوَ الخلا وَالزَّمَان الْمُطلق الَّذِي هُوَ الْمدَّة لم تزل مَوْجُودَة وَأَنَّهَا غير محدثة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ النَّفس عِنْد هَؤُلَاءِ جَوْهَر قَائِم بِنَفسِهِ حَامِل لأعراضه لَا متحرك وَلَا منقسم وَلَا مُتَمَكن أَي لَا فِي مَكَان وَقد ناظرني قوم من أهل هَذَا الرَّأْي ورأيته كالغالب على ملحدي أَهلِي زَمَاننَا فألزمتهم إلزامات لم ينفكوت مِنْهَا أظهرت بطلَان قَوْلهم بعون الله تَعَالَى
1 / 27
وقوته وَلم نر أحدا مِمَّن تكلم قبلنَا ذكر هَذِه الْفرْقَة فَجمعت مَا نظرتهم بِهِ وأضفت إِلَيْهِ مَا وَجَبت إِضَافَته إِلَيْهِ مِمَّا فِيهِ تزييف وَقَوْلهمْ وَمَا توفيقنا إِلَّا بِاللَّه وَهَذَا الزَّمَان وَالْمَكَان عِنْدهم هما غير الْمَكَان الْمَعْهُود عندنَا وَغير الزَّمَان الْمَعْهُود عندنَا لِأَن الْمَكَان الْمَعْهُود عندنَا هُوَ الْمُحِيط بالتمكن فِيهِ من جهاته أَو من بَعْضهَا وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ أما مَكَان يتشكل المتمكن فِيهِ بشكله كالبر أَو المَاء فِي الخابية وَمَا أشبه ذَلِك وَإِمَّا مَكَان يتشكل هُوَ بشكل المتمكن فِيهِ كَالْمَاءِ لما حل بِهِ من الْأَجْسَام وَمَا أشبهه وَالزَّمَان الْمَعْهُود عندنَا هُوَ مُدَّة وجود الجرم سَاكِنا أَو متحركًا أَو مُدَّة وجود الْعرض فِي الْجِسْم ويعمه أَن نقُول هُوَ مُدَّة وجود الْفلك وَمَا فِيهِ من الْحَوَامِل والمحمولات وهم يَقُولُونَ أَن الزَّمَان الْمُطلق وَالْمَكَان الْمُطلق هما غير مَا حددناه آنِفا من الزَّمَان وَالْمَكَان وَيَقُولُونَ أَنَّهُمَا شَيْئا متغايران وَلَقَد كَانَ يَكْفِي من بطلَان قَوْلهم إقرارهم بمَكَان غير مَا يعْهَد وزمان غير مَا يعْهَد بِدَلِيل على ذَلِك وَلَكِن لَا بُد من إِيرَاد الْبَرَاهِين على إبِْطَال دَعوَاهُم فِي ذَلِك بحول الله وقوته فَيُقَال لَهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أخبرونا عَن هَذَا الْخَلَاء الَّذِي أثبتم وقلتم أَنه كَانَ مَوْجُودا قبل حُدُوث الْفلك وَمَا فِيهِ هَل بَطل بحدوث الْفلك مَا كَانَ مِنْهُ فِي مَكَان الْفلك قبل أَن يحدث الْفلك أَو لم يبطل فَإِن قَالُوا لم يبطل وَبِذَلِك أجابني بَعضهم فَيُقَال لَهُم فَإِن كَانَ لم يبطل فَهَل انْتقل عَن ذَلِك الْمَكَان بحدوث الْفلك فِي ذَلِك الْمَكَان أَو لم ينْتَقل فَإِن قَالُوا لم ينْتَقل وَهُوَ قَوْلهم قيل لَهُم فَإِذا لم يبطل وَلَا انْتقل فَأَيْنَ حُدُوث الْفلك وَقد كَانَ فِي مَوْضِعه قبل حُدُوثه عنْدكُمْ معنى ثَابت قَائِم بِنَفسِهِ مَوْجُود وَهل حدث الْفلك فِي ذَلِك الْمَكَان الْمُطلق الَّذِي هُوَ الْخَلَاء أم فِي غَيره فَإِن كَانَ حدث فِي غَيره فها هُنَا إِذا مَكَان آخر غير الَّذِي سميتموه خلاء وَهُوَ إِمَّا مَعَ الَّذِي ذكرْتُمْ فِي حيّز وَاحِد أم هُوَ فِي حيّز آخر فَإِن كَانَ مَعَه فِي حيّز وَاحِد فالفلك فِيهِ حدث ضَرُورَة وَقد قُلْتُمْ أَنه لم يحدث فِيهِ فَهُوَ وَإِذا حَادث فِيهِ غير حَادث فِيهِ وَهَذَا تنَاقض ومحال وَإِن كَانَ فِي حيّز آخر فقد أنبتم النِّهَايَة للحلاء إِذْ الحيز
1 / 28