وأما سائر أدوات الفضل وآلات الخير وخصال المجد فقد قسم الله تعالى له منها ما يباري الشمس ظَهورا ويجاري القَطر وُفورا وأما فنون الآداب فهو ابن بَجدَتِها١ وأخو جملتها٢ وأبو عُذرتها ومالك أزِمَّتها وكأنما يوحى إليه في الاستنار بمحاسنها والتفرُّد ببدائعها ولله هو إذا غَرَسَ الدُّر في أرض القرطاس وطرَّز بالظلام رداء النهار وألقت بحار خواطره جواهر البلاغة على أنامله فهناك الحسن برمَّته والإحسان بكليَّته.
وله ميراث الترسل بأجمعه إذ قد انتهت إليه اليوم بلاغة البلغاء فما تُظلُّ الخضراء٣ ولا تُقِلُّ٤ الغبراء٥ في زمننا هذا أجرى منه في ميدانها وأحسن تصريفا منه لمنانها فلو كنت بالنّجوم مُصدِّقا لقلتُ: قد تأنَّق عُطارد في تدبيره وقَصَر عليه معظم همَّته ووقف في طاعته عند أقصى طاقته.
ومن أراد أن يسمع سرَّ النظم وسحر النثر ورُقية الدهر. ويرى صَوبَ العقل ودَوبَ الظّرف٦ ونتيجة الفضل فليَستَنْشِد ما أسفر عنه طبع مجده وأثمره عالي فكره من مُلَحٍ تمتزج بأجزاء النفوس لِنَفاستها وتشرب بالقلوب لسلاستها: [من المتقارب]
قَوافٍ إذا ما رواها المَشُو ... قُ هزّت لها الغانيات القدودا
كَسَون عبيدا ثياب العبيد ... وأضحى لبيدٌ لديها بليدا
وأيّم الله ما من يوم أسعفني فيه الزمان بمواجهة وجهه وأسعدني بالاقتباس من نوره والاغتراف من بحره فشاهدتُ ثمار المجد والسؤدد تنتثر من شمائله ورأيت فضائل أفراد الدهر عِيالا على فضائله وقرأت نسخة الكرم والفضل من ألحاظه٧ وانتَبَهَت فرائد الفوائد من ألفاظه إلا تذكرت ما أنشدنيه أدام الله تأييده لعلي بن الرومي: [من البسيط]
لولا عجائب صنع الله ما نبتت ... تلك الفضائل في لحم ولا عصب
_________
١ ابن بجدتها: البحدة: الأصل والصحراء ودخلة الأمر وباطنه وابن بجدتها: للعالم بالشيء وللدليل الهادي ولمن لا يبرح عن قوله القاموس ٣٣٩.
٢ أخو جملتها الحملة: جماعة الشيء القاموس ١٢٦٦.
٣ الخضراء: السماء.
٤ أقلت: حملت ورفعت القاموس ١٣٥٦.
٥ الغبراء: الأرض.
٦ ذوب الظرف: الذوب: هو العسل أو ما في أبيات النحل أو ما خلص من شمعه القاموس ١١٠.
٧ ألحاظه: مؤخر العين القاموس ٩١٢.
1 / 17