171

Fiqh As-Seerah

فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة

প্রকাশক

دار الفكر

সংস্করণ

الخامسة والعشرون

প্রকাশনার বছর

١٤٢٦ هـ

প্রকাশনার স্থান

دمشق

জনগুলি

﵊ حتى أثبتته الجراح، فقال رسول الله ﷺ: «أدنوه مني، فوسّده قدمه، فمات وخده على قدم رسول الله ﷺ» .
ثم إن الحرب هدأت بين الطرفين وانحسر المشركون منصرفين، وقد زهوا بالنصر الذي أحرزوه، وفزع الناس لقتلاهم، وكان فيهم حمزة بن عبد المطلب، واليمان، وأنس بن النضر، ومصعب بن عمير وعدد كبير غيرهم، وقد تأثر النّبي ﷺ لمقتل عمه تأثرا كبيرا، وقد مثّل به فبقر بطنه وجدع أنفه وأذناه. وأخذ النّبي ﷺ يجمع بين الرجلين من القتلى في ثوب واحد ثم يقول:
«أيّهما أكثر أخذا للقرآن؟»، فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللحد، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة. وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلّ عليهم ولم يغسلوا» «٢٧» .
وأخذ اليهود والمنافقون يظهرون الشماتة بالمسلمين، وراح عبد الله بن أبي بن سلول يقول هو وأصحابه للمسلمين: «لو أطعتمونا ما قتل منكم من قتل»، وأخذوا يتساءلون عن النصر الذي كانوا يتوهمونه مع رسول الله ﷺ، فأنزل الله تعالى آيات من سورة آل عمران تعليقا على إرجاف اليهود والمنافقين وبيانا لحكمة ما حصل في غزوة أحد، وهي تبدأ بقوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إلى قوله تعالى: الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا، قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [آل عمران ٣/ ١٤٩- ١٦٨] .
وانصرف رسول الله ﷺ من أحد مساء السبت، فبات تلك الليلة في المدينة هو وأصحابه، وبات المسلمون يداوون جراحاتهم. فلما صلى رسول الله ﷺ الصبح يوم الأحد، أمر بلالا أن ينادي أن رسول الله ﷺ يأمركم بطلب العدو، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس.. ودعا رسول الله ﷺ بلوائه وهو معقود لم يحل، فدفعه إلى علي بن أبي طالب ﵁، وخرج القوم وهم ما بين مجروح وموهون، ومشجوج حتى عسكروا بحمراء الأسد (مكان من المدينة على بعد عشرة أميال) فأوقد المسلمون هناك نيرانا عظيمة، حتى ترى من المكان البعيد وتوهم كثرة أصحابها.
ومرّ بهم معبد الخزاعي (وكان يومئذ من مشركي خزاعة) ثم تجاوزهم فمرّ على المشركين ولهم زجل ومرح وزهو بالنصر الذي لاقوه في أحد، وهم يأتمرون بالرجوع إلى المدينة للقضاء على المسلمين، وصفوان بن أمية ينهاهم. فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: «ما وراءك يا معبد؟ فقال:
ويحكم! إن محمدا قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرّقا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط؟» .. فأدخل الله بذلك رعبا عظيما في قلوب المشركين،

(٢٧) البخاري: ٥/ ٤٩

1 / 176