حرامًا، وهذا القول كما قال فيه بعض العلماء: أوله سفسطة، وآخره
زندقة، فإنه يتضمن بطلان حكم الله تعالى قبل وجود المجتهدين، وإن الله
لم يشرع لرسوله ﷺ حكمًا أمره به ونهاه عنه. (ومنها) إن حكم الله يرجع
إلى خبره وإرادته، فإذا أراد إيجاب الشيء وأخبر به صار واجبًا، وإذا أراد
تحريمه وأمر بذلك صار حرامًا، فإنكار أن يكون لله حكم إنكار لخبره
وإرادته وإلغاء لتعلقهما بأفعال المكلفين.
(ومنها) إنه يرفع ثبوت الأجرين للمصيب، والأجر للمخطئ، فإنه لا
خطأ في نفس الأمر عندهم، بل كل مجتهد مصيب لحكم الله تعالى في
نفس الأمر. (ومنها) أنه يبطل أن يوافق أحد حكم الله تعالى، فليس لقول
رسول الله ﷺ: " لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى الملك " معنى، ولا
لقوله: وإن سألوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تفعل فإنك لا تدري
أتصيب حكم الله تعالى فيهم أم لا معنى، ولا لقوله: " إن سليمان سأل
ربه حكمًا يصادف حكمه فأعطاه إياه " معنى، ولا لقوله: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا
سُلَيْمَانَ﴾ معنى، إذ كل منهما حكم بعين حكم الله تعالى عندهم، ولا
لقوله: " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر "
معنى.
وأيضًا فهذا إجماع من الصحابة، قال الصديق في الكلالة: " أقول
فيها برأيي فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله
بريء منه ورسوله "، وقال عمر لكاتبه: " اكتب هذا ما رآه عمر، فإن يكن
صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن عمر "، وقال في قضية قضاها: " والله
ما يدري عمر أصاب الحق أم أخطأه "، ذكره أحمد.
وقال علي لعمر في المرأة التي أرسل إليها فأجهضت ذا بطنها وقد