فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري
فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري
প্রকাশক
الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٢١ هـ
জনগুলি
فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري
অজানা পৃষ্ঠা
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] (١) ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] (٢) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١] (٣).
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
لا شك أن الله تعالى ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه وحده لا شريك له، كما قال ﷿: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] (٤).
ولما كانت العبادة لا يمكن أن تُعرف أحكامها على التفصيل، أرسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنزل عليهم الكتب؛ لبيان الأمر الذي خلِقَ من أجله الإِنس والجن؛ ولإيضاحه وتفصيله لهم حتى يعبدوا الله على بصيرة، فقاموا بواجبهم على الوجه الأكمل، عليهم الصلاة والسلام، قال الله- ﷾: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٣] (٥). ثم ختم الله تعالى الرسل
_________
(١) سورة آل عمران، الآية: ١٠٢.
(٢) سورة النساء، الآية: ١.
(٣) سورة الأحزاب، الآيتان: ٧٠، ٧١.
(٤) سورة الذاريات، الآية: ٥٦.
(٥) سورة البقرة، الآية: ٢١٣.
1 / 3
بأفضلهم وإمامهم وسيدهم نبينا محمد بن عبد الله، عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده، ودعا إلى الله على بصيرة سرّا وجهرا، ليلا ونهارا. عملا بقول الله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: ١٠٨] (١).
وهذه طريقته ومسلكه وسنته، يدعو إلى الله على بصيرة ويقين، وبرهان عقلي وشرعي (٢) فصلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار.
ورغبة في السير على طريق النبي ﷺ في دعوته إلى الله تعالى على بصيرة، والاهتداء بهديه، فقد شرع قسم الدعوة والاحتساب بكلية الدعوة والإِعلام في إعداد موسوعة دعوية لدراسة الأحاديث النبوية دراسة دعوية متكاملة تعتمد صحيح الإِمام البخاري أساسا ومنطلقا لها، وقد أحببت المشاركة في هذه الموسوعة المباركة، وكان نصيبي بفضل الله تعالى دراسة: " فقه الدعوة " في صحيح الإمام البخاري من أول كتاب الوصايا إلى نهاية كتاب الجزية والموادعة. وأسأل الله التوفيق والتسديد والإعانة.
أما التعريفات والحدود، وأهمية الموضوع، وتقسيم الدراسة فعلى النحو الآتي:
* أولا: التعريفات والحدود
فقه الدعوة: جملة تتكون من جزئين: الفقه، والدعوة.
أ- الفقه لغة: العلم بالشيء والفهم له، والفطنة، وغلب على علم الدين لسيادته، وشرفه، وفضله على سائر أنواع العلم (٣).
والفقه في الأصل: الفهم، يقال: أُوتي فلان فقها في الدين: أي فهما فيه (٤).
_________
(١) سورة يوسف، الآية: ١٠٨.
(٢) انظر: تفسير القرآن العظيم للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير ٢/ ٤٩٦.
(٣) انظر: لسان العرب لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، ١٣/ ٥٢٢، مادة " فقه "، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص ١٦١٤.
(٤) انظر: لسان العرب، لابن منظور، مادة " فقه " ١٣/ ٥٢٢.
1 / 4
قال الله تعالى: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١٢٢] (١). وقال تعالى: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾ [هود: ٩١] (٢). ﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٧٨] (٣). ﴿وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [المنافقون: ٧] (٤). ﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: ٤٤] (٥).
ويقال: فَقِهَ الرجل يفقَهُ فِقْها: إذا عَلِمَ وفَهِمَ، وفَقُهَ: إذا صَارَ فَقيِها عالما (٦) ويقال: فَقِه الأمرَ، فَقَها وفِقْها: أحسن إدراكه (٧) والجمع فقهاء، وفَقهَهُ، كعلمه، فَهِمَهُ، وفقَهَه تَفقيها: علمه (٨).
ب- الفقه اصطلاحا: له عدة تعريفات يفسر بعضها بعضَا، منها:
* العلم الحاصل بجملة من الأحكام الشرعية الفرعية، بالنظر والاستدلال (٩).
ج- الدعوة لغة: الطلب، يقال: دعا بالشيء طلب إحضاره، ودعا إلى الشيء: حث على قصده، ودعوت زيدا: ناديته وطلبتُ إقباله، ودعا فلانا: صاح به وناداه، ودعاه إلى الأمير: ساقه إليه، ويقال: دعاه إلى الصلاة، ودعاه إلى القتال، ودعاه إلى المذهب: حثه على اعتقاده وساقه إليه، وتداعى القوم: دعا بعضهم بعضا حتى يجتمعوا (١٠).
د- الدعوة اصطلاحا: ورد لها عدة تعريفات يكمل بعضها بعضا، منها:
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ١٢٢.
(٢) سورة هود، الآية: ٩١.
(٣) سورة النساء، الآية: ٧٨.
(٤) سورة المنافقون، الآية: ٧.
(٥) سورة الإسراء، الآية: ٤٤.
(٦) النهاية في غريب الحديث والأثر للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير، ٣/ ٤٦٥.
(٧) انظر: المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، ص ٦٩٨، مادة " الفقه ".
(٨) انظر: القاموس المحيط للفيروزآبادي ص ١٦١٤، ومختار الصحاح للرازي ص ٢١٣، والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، تأليف أحمد الفيومي ص ٤٧٨.
(٩) الإحكام في أصول الأحكام، لسيف الدين علي بن محمد الآمدي، ١/ ٦ تعليق العلامة عبد الرزاق عفيفي.
(١٠) انظر: لسان العرب لابن منظور، ١٣/ ٢٥٨، مادة " دعا "، والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص ١٦٥٤، والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي ١/ ١٩٤، مادة: " دعوت "، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ص ٣١٤، مادة " دعا "، ومختار الصحاح للرازي ص ٨٦ مادة " دعا "، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ٢/ ١٢١ مادة " دعا "، والمعجم الوسيط لمجموعة من علماء اللغة ١/ ٢٨٦، مادة " دعا ".
1 / 5
١ - " الدعوة إلى الله ﷿ هي: الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا، وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والدعوة إلى الإِيمان: بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإِيمان بالقدر خيره وشره، والدعوة إلى أن يعبد العبد ربه كأنه يراه " (١).
٢ - " العلم الذي به تعرف كافة المحاولات الفنية المتعددة الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام بما حوى: من عقيدة، وشريعة، وأخلاق " (٢).
هـ- " فقه الدعوة ": هو استنباط، وفهم تاريخ الدعوة، وأسبابها، وأركانها، وأساليبها، ووسائلها، وأهدافها، ونتائجها: استنباطا وفهما على ضوء الكتاب، والسنة، وفهم السلف الصالح، يُمَكِّن الدعاة إلى الله تعالى من عرضها بأحسن طريقة، وأكثر ملاءمة لمن توجه إليهم الدعوة في مختلف بيئاتهم، ومتباين ألسنتهم، ولغاتهم، ومتعدد أجناسهم (٣) عملا بقوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: ١٠٨] (٤).
وأما التعريف بصحيح البخاري وترجمته فيأتي في المدخل إن شاء الله ﷾ (٥).
* ثانيا: أهمية الموضوع
١ - إن ربط الدعوة بالكتاب والسنة من أهم المهمات وأعظم القربات؛ لأن الله أمر بالرد إليهما عند التنازع والاختلاف، ولولا أن في كتاب الله تعالى وسنة
_________
(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٥/ ١٥٧، وانظر: ١٥/ ١٦١.
(٢) الدعوة الإسلامية: أصولها ووسائلها، للدكتور أحمد غلوش، ص ١٠.
(٣) انظر: فقه الدعوة إلى الله، للدكتور علي عبد الحليم محمود، ١/ ١٨.
(٤) سورة يوسف، الآية: ١٠٨.
(٥) انظر: ص ١٩ و٢٧ من هذا البحث.
1 / 6
رسوله ﷺ، فصل النزاع لما أمر الله بالرد إليهما (١). قال ﷾: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] (٢). وقال تعالى ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥] (٣). وقال ﷿: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦] (٤). وقال ﷾: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣] (٥). وهذا كله يؤكد أهمية فقه الدعوة من الكتاب والسنة، والعناية بهما: فهما، وحفظا، وعملا، عقيدة، وأخلاقا، وتعليما للناس ودعوة، فهما المنبعان الصافيان، من أخذ بهما سعد وفاز في الدنيا والآخرة، ومن أعرض عنهما وعن هديهما خاب وخسر، وضل مسعاه وتشتت شمله؛ ولهذا قال ﷺ: «تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله [وسنة نبيه]» (٦).
ولا شك أن معرفة فقه الدعوة في السنة المطهرة من دين الله (٧) الحق الذي أرسل به رسوله ﷺ ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [الصف: ٩] (٨).
٢ - إن فقه الدعوة إلى الله تعالى فقه مبنيّ على فهم السنة المطهرة، - وذلك باستنباط أسس الدعوة وركائزها التي تقوم عليها- من أهم المهمات؛ لأن
_________
(١) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ١/ ٨٩.
(٢) سورة النساء، الآية: ٥٩.
(٣) سورة النساء، الآية: ٦٥.
(٤) سورة الأحزاب، الآية: ٣٦.
(٥) سورة النور، الآية: ٦٣.
(٦) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ، من حديث جابر بن عبد الله ﵄، ٢/ ٨٨٦، برقم ١٢١٨، وما بين المعكوفين للحاكم، ١/ ٩٣، من حديث ابن عباس ﵄، ومن حديث أبي هريرة ﵁، بلفظ " كتاب الله وسنتي "، انظر: صحيح الترغيب والترهيب للألباني برقم ٣٦.
(٧) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للعلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ١/ ٢٣٦.
(٨) سورة الصف، الآية: ٩.
1 / 7
ذلك يدخل في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: ١٠٨] (١). فالدعوة يجب أن تكون على بصيرة، ويقين وبرهان عقلي وشرعي (٢) ولا تكون كذلك إلا إذا كانت على علم وبيان من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
والداعية لا يكون على بصيرة إلا إذا دعا إلى الله على بصيرة في ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، وذلك بالعلم لا بالجهل.
الأمر الثاني: أن يكون على بصيرة في حال المدعو، فلا بد من معرفة حال المدعو؛ ليدعوه بالطريقة والكيفية التي تناسبه، وتكون أكثر فائدة له، وتأثيرا فيه.
الأمر الثالث: أن يكون على بصيرة في كيفية الدعوة (٣).
٣ - إن التفرق الذي يقع بين الدعاة ما وقع إلا لعدم فقه الدعوة من الكتاب والسنة وفق فهم السلف الصالح، فمن هنا تأتي أهمية العناية بفقه الدعوة في السنة النبوية.
٤ - إن أصح الكتب بعد القرآن الكريم العزيز، الصحيحان: صحيح الإمام البخاري، وصحيح الإمام مسلم - رحمهما الله- (٤). ومن هذين الكتابين اخترت المشاركة في فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري ﵀؛ لأن (كتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة؛ وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، قال الإمام النووي ﵀: " وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث " (٥).
_________
(١) سورة يوسف، الآية: ١٠٨.
(٢) انظر: تفسير القرآن العظيم للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير ٢/ ٤٩٦.
(٣) انظر: زاد الداعية إلى الله، للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص ٧.
(٤) انظر: علوم الحديث، لابن الصلاح، ص ١٨، ومقدمة شرح النووي على صحيح مسلم، ص ١٤، والتقريب في فن أصول الحديث للنووي، ص ٣، واختصار علوم الحديث، لأبي الفداء ابن كثير، مع شرحه الباعث الحثيث، لأحمد شاكر ١/ ١٠٣.
(٥) مقدمة شرح صحيح مسلم للنووي ص ١٤.
1 / 8
ويقول الحافظ ابن كثير ﵀ عن ترجيح صحيح البخاري ﵀ على صحيح مسلم ﵀: " والبخاري أرجح؛ لأنه اشترط في إخراجه الحديث في كتابه هذا: أن يكون الراوي قد عاصر شيخه وثبت عنده سماعه منه، ولم يشترط مسلم الثاني، بل اكتفى بمجرد المعاصرة. ومن هاهنا ينفصل النزاع في ترجيح تصحيح البخاري على مسلم كما هو قول الجمهور، خلافا لأبي علي النيسابوري شيخ الحاكم، وطائفة من علماء المغرب " (١).
ومن هنا أيضا يكتسب هذا الموضوع أهمية أخرى، وهو ارتباطه بأصح كتب السنة، وأكثرها فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة.
وإدراكا لهذه الأهمية فقد شرع قسم الدعوة والاحتساب في الكلية في إعداد موسوعة دعوية متكاملة تعتمد هذا الكتاب أساسا ومنطلقا لها، وكان القسم المخصص لي من الصحيح، من أول كتاب الوصايا إلى نهاية كتاب الجزية والموادعة، ومجملها (١٩٢) حديثا (٢).
٥ - تبرز أهمية دراستي لهذه الأحاديث النبوية دراسة دعوية في الأمور الآتية:
أ- اختصاص معظم أحاديث الدراسة في موضوع مهم من موضوعات الدعوة إلى الله تعالى، وهو الجهاد في سبيل الله تعالى، ومعلوم أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وكتاب فرض الخمس، والجزية والموادعة، وقبل ذلك كله الوصايا.
ب- اشتملت أحاديث كتب الدراسة على فوائد دعوية مهمة: منها ما يتعلق بالداعية إلى الله، ومنها ما يتعلق بالمدعو، ومنها ما يتعلق بموضوع الدعوة، ومنها ما يتعلق بوسائل الدعوة وأساليبها، ومثال ذلك حديث جبير بن مطعم ﵁ «أنه بينما هو يسير مع رسول الله ﷺ ومعه الناس مقبلا من حنين علقت برسول الله ﷺ الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، فوقف رسول الله ﷺ فقال: " أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاه
_________
(١) اختصار علوم الحديث، لابن كثير، مع شرحه الباعث الحثيث، لأحمد شاكر ١/ ١٠٣.
(٢) انظر: تفصيلها في ص ٣٤ من هذا البحث.
1 / 9
نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا، ولا جبانا» (١). فقد اشتمل هذا الحديث على أركان الدعوة كلها: فموضوع الدعوة فيه: دعوة الأمة إلى مكارم الأخلاق، وأصول الحِكَم، وفيه صفات الداعية: من الحلم، والكرم، والصبر، والصدق، والشجاعة، وفيه أدب المدعو وأنه ينبغي له أن يلتزم الأدب مع الداعي، وفيه من وسائل الدعوة القدوة الحسنة، وفيه أسلوب الرفق واللين، فقد اشتمل الحديث على جميع أركان الدعوة، وهكذا في أحاديث الموضوع الأخرى.
* ثالثا: أهداف الدراسة
١ - تقديم دراسة تأصيلية في علم فقه الدعوة، وحديثها ومادتها من حديث رسول الله ﷺ، الذي أمرنا الله بالاقتداء به، والذي قال ﷿ في شأنه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: ٣ - ٤] (٢) وذلك بدراسة أصح كتاب عنه دراسة دعوية؛ ليكون في متناول طلاب العلم والدعاة إلى الله ﷾.
٢ - كشف الفوائد والمعارف والفقه الدعوي في الجزء المحدد للباحث من صحيح الإمام البخاري.
٣ - تأصيل مبدأ الرجوع إلى النصوص الشرعية من الكتاب والسنة الصحيحة وفهم السلف الصالح عند كل قضية، وبخاصة في قضايا الدعوة التي تكاثر فيها رجوع الناس إلى آراءٍ فَرَّقَتْهُمْ شيعا.
٤ - توفير وإيجاد المراجع المعتمدة على الأحاديث الصحيحة للدعاة وطلبة العلم وذلك بدراسة الأحاديث دراسة دعوية، واستنباط الفوائد في فقه الدعوة من أصح الأحاديث.
_________
(١) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الشجاعة في الحرب والجبن، ٢/ ٢٧٥ برقم ٢٨٢١، ومسند الإمام أحمد ٤/ ٨٢.
(٢) سورة النجم، الآيتان: ٣ - ٤.
1 / 10
* رابعا: أسباب اختيار الموضوع
هذا وقد دعاني إلى اختيار هذا الموضوع، عدة أسباب، منها:
١ - فقه الدعوة إلى الله تعالى في صحيح الإمام البخاري بحاجة إلى من يبرزه في صورة ميسرة؛ ليستفيد منه الدعاة إلى الله تعالى؛ لأنه لم يحظ بعدُ بمؤلَّفٍ مستقل شامل يعالج الموضوع من جميع جوانبه، في دراسة علمية دقيقة متكاملة، فالموضوع لم يكتب فيه- حسب علمي- ما يفي بالغرض المنشود، وهو جدير بالبحث والعناية.
٢ - الرغبة في الارتباط بكتب السنة النبوية المشرفة، وخصوصا منها كتاب الجامع الصحيح للإمام البخاري ﵀ وذلك للاقتداء برسول الله ﷺ، وفي ذلك عبادة لله تعالى وهداية منه، وتنفيذ لأمره، يقول تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ [النور: ٥٤] (١).
٣ - كثرة الفوائد والمعارف الظاهرة والغامضة في صحيح الإمام البخاري ﵀ كما ذكر ذلك العلماء (٢).
٤ - الإسهام والرغبة في المشاركة في خدمة سنة رسول الله ﷺ، ودراستها دراسة دعوية؛ لتفيدني، وتفيد القائمين على الدعوة إلى الله تعالى في العصر الحاضر- إن شاء الله تعالى-.
٥ - تقديم علاج لما قد يحدث بين الدعاة من خلاف وتنازع في بعض قضايا الدعوة ومناهجها. . وذلك من خلال الردِّ إلى سنة رسول الله ﷺ التي هي أحد الحَكَميْنِ اللذين أُمِرْنا بالرد إليهما عند التنازع والاختلاف، وهما كتاب الله ﷿ وسنة رسوله ﷺ، يقول العلامة ابن سعدي ﵀: " وهذا هو الواجب عند التنازع والاختلاف، أن يُرد إلى الله ورسوله ﷺ. ولولا أن في كتابه وسنة رسوله ﷺ، فصل النزاع، لما أمر الله بالرد إليهما (٣) إذ
_________
(١) سورة النور، الآية: ٥٤.
(٢) انظر: شرح النووي على صحيح الإمام مسلم ١/ ١٤.
(٣) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ١/ ١٦٨.
1 / 11
يقول الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] (١).
ولهذه الأهمية البالغة؛ ولهذه الأسباب وغيرها أحببت أن يكون موضوع رسالتي في درجة الدكتوراه- إن شاء الله تعالى- في " فقه الدعوة إلى الله " في صحيح الإمام البخاري ﵀ من أول كتاب الوصايا إلى نهاية كتاب الجزية والموادعة، والله أسأل التوفيق والسداد.
* خامسا: موضوع الدراسة
لا شك أن الدعوة قديمة قدم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ولكن التخصص في دراسة أصول الدعوة علم ناشئ، وما زال في مرحلة التأصيل، وأعظم كتاب بعد كتاب الله للتأصيل والتوثيق، هو صحيح الإمام البخاري ﵀ لمنزلته العظيمة بين العلماء والدعاة، وهذا الكتاب ذكر فيه مؤلفه بعض ما صح عنده من سنة رسول الله ﷺ، وأدرج فيه شيئا من فقهه من خلال عناوين كتبه وأبوابه.
ويستفاد من دراسة أحاديث هذا الكتاب دراسة دعوية، التأصيل والتوثيق واستنباط الفقه والأحكام والقواعد الدعوية، وعلاج الخلاف والنزاع الذي قد يقع بين بعض الدعاة إلى الله تعالى، مما يساعد على نجاح الدعوة، وتحقيق النتائج المرجوة منها، إن شاء الله تعالى.
* سادسا: تساؤلات الدراسة
س ١ - ما الفقه الدعوي في جهود البخاري ﵀ في الصحيح؟
س ٢ - ما الفقه الدعوي في كتاب الوصايا؟
س ٣ - ما الفقه الدعوي في كتاب الجهاد والسير؟
س ٤ - ما الفقه الدعوي في كتاب فرض الخمس؟
_________
(١) سورة النساء، الآية: ٥٩.
1 / 12
س ٥ - ما الفقه الدعوي في كتاب الجزية والموادعة؟
س ٦ - ما المنهج الدعوي المستخلص من الدراسة المتعلق بالداعية؟
س ٧ - ما المنهج الدعوي المستخلص من الدراسة المتعلق بالمدعو؟
س ٨ - ما المنهج الدعوي المستخلص من الدراسة المتعلق بموضوع الدعوة؟
س ٩ - ما المنهج الدعوي المستخلص من الدراسة المتعلق بوسائل الدعوة وأساليبها؟
* سابعا: منهج الدراسة
تقوم هذه الدراسة على المنهج الاستدلالي الاستنباطي الذي عرف بأنه عملية عقلية منطقية ينتقل فيها الباحث من قضية واحدة، أو عدة قضايا إلى قضية أخرى، تستخلص منها مباشرة دون اللجوء إلى تجربة (١).
وقد راعيت الأمور الآتية:
١ - عزوت الآيات القرآنية إلى سورها، وذكرت اسم السورة، ورقم الآية في الهامش.
٢ - خرجت الأحاديث في شرح الفوائد من المصادر الأصلية، واقتصرت في حديث الدراسة على تخريج أطرافه في صحيح البخاري وتخريجه من صحيح مسلم إذا كان متفقا عليه. أما الزيادات فاكتفيت بتخريجها مع أصل الحديث، وأشرت إلى رقم أطرافها عند إيرادها.
٣ - حرصت على الرجوع إلى المصادر الأصلية مباشرة، ورجعت إلى أكثر من مصدر في المسألة الواحدة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وقد أشير عند الضرورة إلى بعض المراجع المتأخرة للاستئناس لا للاعتماد، وذلك قليل جدا.
٤ - حاولت الاقتصار في الاستشهاد في شرح الفوائد على الحديث الصحيح أو الحسن.
٥ - أشرت إلى من صحح الحديث أو حسنه من العلماء إذا كان في غير الصحيحين.
_________
(١) البحث العلمي ومناهجه النظرية- رؤية إسلامية- د / سعد الدين السيد صالح، ص ٢، وانظر: ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة، لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، ص ١٤٩، وكتابة البحث العلمي صياغة جديدة، للأستاذ الدكتور عبد الوهاب بن إبراهيم، ص ٢٨.
1 / 13
٦ - حرصت على كتابة الآيات بالرسم العثماني من مصحف المدينة النبوية مشكلة.
٧ - ضبطت أحاديث الدراسة بالشكل الكامل.
٨ - ذكرت كل طرف فيه زيادة دعوية مقتصرا على الزيادة التي فيها فائدة دعوية مستقلة على قدر الإمكان.
٩ - ذكرت الفوائد الدعوية في كل حديث إجمالا، ثم تفصيلا.
١٠ - استخرجت الدروس والفوائد الدعوية التي اشتمل عليها كل حديث، مرتبة على حسب ورودها في الحديث، واعتنيت عناية خاصة بما يتعلق:
بالداعي، والمدعو، وموضوع الدعوة، وأساليبها، ووسائلها، وتاريخ الدعوة، وميادينها، وخصائصها، ودلائل النبوة، وآداب الجدل، مع المحافظة على الصبغة الدعوية في ذلك كله، ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
١١ - إذا وردت الفائدة الدعوية لأول مرة حاولت إيضاحها وإذا جاءت الفائدة نفسها في حديث لاحق ذكرتها بإيجاز وأحلت إلى موضعها السابق.
١٢ - رقمت أحاديث الدراسة أرقاما متسلسلة، وجعلت رقم الحديث في صحيح البخاري على يسار الرقم المسلسل بين معكوفين، ثم كتبت ذلك في أعلا كل صفحة بخط صغير؛ ليسهل الرجوع إلى كل حديث عند الإحالة إليه في أسرع وقت ممكن.
١٣ - حرصت على أن تكون إحالاتي في أصل هذا البحث إلى أرقام أحاديث موضوع الدراسة مع الإشارة إلى رقم الدرس المحال إليه، ما استطعت إلى ذلك سبيلا، إلا في الإحالة إلى التخريج أو شرح الغريب فقد أضفت إلى ذلك رقم الصفحة.
١٤ - رتبت المصادر في الهامش على حسب تقدم تاريخ وفاة المؤلف إلا إذا نقلت من المصدر قدمته على غيره، وإذا شرحت غريب الحديث قدمت كتب اللغة وكتب تفسير غريب الحديث على غيرها.
١٥ - وضعت فهارس تفصيلية في آخر الآية.
1 / 14
* ثامنا: ضوابط الدراسة
التزمت في أثناء الدراسة بمراعاة الضوابط الآتية:
١ - اكتفيت بترجمة الصحابي راوي الحديث إلا إذا توقف فهم الحديث على ذكر ترجمة العَلَمِ في متن الحديث أو سنده، وركزت على الجانب الدعوي في سيرهم.
٢ - شرحت المفردات الغريبة في الحديث في المتن، وبينت في الهامش - أثناء دراسة الفوائد الدعوية- الكلمات التي تحتاج إلى بيان.
٣ - درست نص كل حديث دراسة دعوية وفق معنى فقه الدعوة المذكور في مقدمة هذا البحث.
٤ - درست جميع أطراف الحديث الواردة في الصحيح عند أول ذكر له.
٥ - وثقتُ ما توصلت إليه من دلالات دعوية وبنيت ذلك على شروح أهل العلم المعتبرين (١).
وقد بذلت قصارى جهدي، ليخرج هذا البحث على الوجه المطلوب، فما كان من صواب وسداد فمن الواحد المنان، وما كان من خطأ أو تقصير فمني ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله ﷺ، وأستغفر الله من ذنبي كله: هزلي، وجدي، وخطئي، وعمدي، وكل ذلك عندي، إنه سميع مجيب.
_________
(١) هذه الضوابط الخمسة وضعها مجلس الكلية وألزم بها؛ لأهميتها.
1 / 15
تقسيم الدراسة
* المقدمة: وتتضمن الآتي:
* التعريفات.
* مدخل الموضوع وأهميته.
* أهداف الدراسة.
* أسباب اختيارها.
* تحديد موضوع الدراسة وتساؤلاتها.
* المنهج المستخدم في الدراسة.
* ضوابط الدراسة.
* مدخل الدراسة: (ويتضمن ترجمة موجزة للإمام البخاري ﵀، والتعريف بصحيحه، وكتب موضوع الدراسة في الصحيح، وأبوابها وأحاديثها وجهود البخاري في ذلك).
* القسم الأول: الدراسة الدعوية للأحاديث الواردة في موضوع الدراسة:
* الفصل الأول: كتاب الوصايا.
* الفصل الثاني: كتاب الجهاد والسير.
* الفصل الثالث: كتاب فرض الخمس.
* الفصل الرابع: كتاب الجزية والموادعة.
* القسم الثاني: المنهج الدعوي المستخلص من الدراسة:
* الفصل الأول: المنهج الدعوي المتعلق بالداعية.
* الفصل الثاني: المنهج الدعوي المتعلق بالمدعو.
* الفصل الثالث: المنهج الدعوي المتعلق بموضوع الدعوة.
* الفصل الرابع: المنهج الدعوي المتعلق بالوسائل والأساليب.
* الخاتمة.
* المراجع.
* الفهارس.
1 / 16
الشكر والتقدير
الشكر والحمد والثناء الحسن لله الكريم الوهاب، الذي أسبغ علي النعمَ الظاهرةَ والباطنةَ، التي لا تُعدُ ولَا تُحصى، ووفَق عبده الفقيرَ إليه وحده للكتابة في هذا الموضوع، وهو ﷾، وتقدس، وتبارك، أهلُ الثناءِ والمجدِ، أحق ما قال العبد، وكلنا له عبد، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد، وفي مقامي هذا أمتثل حديث رسول الله ﷺ؛ حيث يقول: «لا يشكر اللهَ من لا يشكر الناس» (١).
فأتقدم بالشكر والتقدير لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، على ما تقوم به من جهود عظيمة كبيرة واسعة جدا في خدمة الإسلام والمسلمين، فجزى الله القائمين عليها السابقين واللاحقين خير الجزاء، وضاعف لهم الأجر والمثوبة.
كما أشكر جميع المسؤولين السابقين واللاحقين في كلية الدعوة والإعلام على ما بذلوه من جهود طيبة في خدمة العلم وطلابه، وتخريج أفواج الدعاة إلى الله تعالى، فالله أسأل أن يجزيهم عني خير ما جزى أستاذا عن تلميذه، وأن يمدهم بعونه وتوفيقه خدمة للإسلام والمسلمين.
كما أتقدم بالشكر والدعاء لكل من وقف معي بجهده وعلمه، وساعدني في هذا البحث: سواء كان مشرفا سابقا أو لاحقا، أو أستاذا، أو شيخا فاضلا، أو زميلا ناصحا، أو مناقشا نافعا، أو مصححا متعاونا، وهم كثير جدا يزيدون على ثلاثين لا يتسع المقام
_________
(١) أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة ﵁، وانظر تخريجه ص ٤٠٦.
1 / 17
لذكر أسمائهم، منهم: جمع من أساتذة كلية الدعوة، وجمع من الزملاء في الموسوعة الحديثية في الكلية، والزملاء في وزارة الشؤون الإسلامية، وجمع من المشايخ، وطلاب العلم، وأمتثل فيهم حديث رسول الله ﷺ حيث يقول: «من صُنعَ إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء» (١).
فالله أسأل أن يجزيهم جميعا عني خير الجزاء، وأن يرفع منازلهم في الدنيا والآخرة، ويضاعف لهم الأجر ويجعل ما قدموه في هذه الرسالة من جهود مشكورة في موازين حسناتهم، يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يعوضهم عن ذكر أسمائهم الفردوس الأعلى من الجنة، بعد أعمار طويلة معمورة بطاعة الله تعالى، وحسن العمل، وأن يحسن لي ولهم العاقبة في الدنيا والآخرة، فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو مجيب الدعوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، نبينا وقدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
_________
(١) أخرجه الترمذي عن أسامة بن زيد ﵄، وانظر تخريجه ص ٩٣٥.
1 / 18
مدخل الدراسة
* أولا: ترجمة موجزة للإمام البخاري ﵀
١ - نسبه: هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَة (١) البخاري ﵀.
٢ - مولده، ونشأته، وثناء العلماء عليه: ولد أبو عبد الله في شوال بعد صلاة الجمعة (٢) لثلاث عشرة ليلة خلت منه من سنة أربع وتسعين ومائة، ببخارى. ومات أبوه وهو صغير، فنشأ في حجر أمه، وألهمه الله حفظ الحديث وهو في المكتب، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة حتى قيل: إنه يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سردا، وحج وعمره ثماني عشرة سنة وأقام بمكة يطلب بها الحديث (٣).
قال الحافظ ابن كثير عن البخاري - رحمهما الله-: " إمام أهل الحديث في زمانه، والمقتدى به في أوانه، والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه " (٤).
هذا وقد أثنى عليه علماء زمانه من شيوخه وأقرانه: فقال الإمام أحمد ﵀: " ما أخرجت خراسان مثله " (٥).
وقال عبد الله الدارمي ﵀: " رأيت العلماء بالحرمين والعراقين فما رأيت فيهم أجمع من محمد بن إسماعيل البخاري " (٦).
وروى الإمام الذهبي ﵀ بسنده إلى محمد بن أبي حاتم، قال: " قلت لأبي عبد الله: كيف كان بدء أمرك؟ قال: أُلهمتُ حفظ الحديث وأنا في الكتَّاب.
_________
(١) ومعناها الزراع- بباء موحدة مفتوحة، ثم راء ساكنة، ثم دال مهملة مكسورة، ثم زاي ساكنة ثم باء موحدة مفتوحة ثم هاء، انظر: تهذيب الأسماء واللغات، للحافظ أبي زكريا محيى الدين النووي، ١/ ٦٧، وسير أعلام النبلاء، للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، ١٢/ ٣٩١، والبداية والنهابة، للحافظ أبي الفداء ابن كثير، ١١/ ٢٤، وهدي الساري مقدمة فتح الباري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ص ٤٧٧.
(٢) وقال ابن كثير: ليلة الجمعة. انظر: البداية والنهاية ١١/ ٢٥.
(٣) البداية والنهاية لابن كثير ١١/ ٢٥.
(٤) المرجع السابق: ١١/ ٢٤.
(٥) المرجع السابق: ١١/ ٢٥.
(٦) تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر ٩/ ٤٥.
1 / 19
فقلت: كم كان سنك؟ قال: عشر سنين، أو أقل. ثم خرجت من الكتَّاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخليِّ وغيره. فقال يوما فيما كان يقرأ للناس: سفيان، عن أبي الزبير، عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل: فدخل فنظر فيه، ثم خرج، فقال لي: كيف هو يا غلام؟ فقلت: هو الزبير بن عدي، عن إبراهيم، فأخذ القلم مني، وأحكم كتابه، وقال: صدقت. فقيل للبخاري: ابن كم كنت حين رددت عليه؟ قال: ابن إحدى عشرة سنة. فلما طعنت في ستِّ عشرة سنة. كنت قد حفظت كتب ابن المبارك، ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء، يعني أصحاب الرأي، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججت، رجع أخي بها. وتخلفت في طلب الحديث " (١).
٣ - شيوخه: سمع الإمام البخاري من شيوخ لا يتسع المقام لذكرهم لكثرتهم، ويدل على كثرتهم ما قاله عنه ورَّاقه محمد بن أبي حاتم قال: (سمعته قبل موته بشهر يقول: " كتبتُ عن ألف وثمانين رجلا ليس فيهم إلا صاحب حديث، كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ") (٢).
وشيوخه ينحصرون في خمس طبقات: الطبقة الأولى: من حدَّثه عن التابعين مثل: محمد بن عبد الله الأنصاري حدَّثه عن حميد، والطبقة الثانية: من كان في عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين كآدم بن أبي إياس، الطبقة الثالثة: وهم من لم يلقَ التابعين بل أخذ عن كبار تبع الأتباع، كسليمان بن حرب، وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم. الطبقة الرابعة: رفقاؤه في الطلب ومن سمع قبله قليلا: كمحمد بن يحيى الذهلي؛ وإنما يخرج عن هذه الطبقة ما فاته عن مشايخه، أو ما لم يجده عند غيرهم. الطبقة الخامسة: قوم في عداد طلبته في السن والإِسناد، سمع منهم للفائدة: كعبد الله بن حماد الآملي، روى عنهم أشياء يسيرة؛ ولهذا قال ﵀: " لا يكون الرجل عالما حتى
_________
(١) سير أعلام النبلاء للذهبي، ١٢/ ٣٩٣. وهدي الساري، لابن حجر العسقلاني، ص ٤٧٨.
(٢) سير أعلام النبلاء للذهبي، ١٢/ ٣٩٣، وهدي الساري، لابن حجر ص ٤٧٩.
1 / 20
يحدث عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه " (١).
٤ - رحلته وطلبه للعلم: قال ﵀: " حججت ورجع أخي بأمي وتخلَّفت في طلب الحديث، فلما طعنت في ثمان عشرة جعلت أصنف في قضايا الصحابة والتابعين، وأقاويلهم " ثم ارتحل بعد أن رجع من مكة إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرحلة إليها (٢).
قال محمد بن أبي حاتم الورَّاق: إنه إذا كان مع الإمام البخاري في سفر كان يراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا، ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها (٣).
٥ - حفظه وذكاؤه: قال جعفر بن محمد القطان: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: " كتبت عن ألف شيخ وأكثر، عن كل واحد منهم عشرة آلاف وأكثر، ما عندي حديثٌ إلا أذكر إسناده " (٤) وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: " ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل " (٥).
وقال محمد بن حمدويه: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: " أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح " (٦).
وقال الإمام ابن كثير ﵀: " وقد ذكروا أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة فيحفظه من نظرة واحدة، والأخبار عنه في ذلك كثيرة " (٧).
وقال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ: " سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري، قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث،
_________
(١) انظر: هدي الساري ص ٤٧٩.
(٢) انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي، ١/ ٧٢، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ١٢/ ٤٠٠، والبداية والنهاية لابن كثير، ١١/ ٢٥.
(٣) انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي، ١/ ٧٥، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ١٢/ ٤٠٠، والبداية والنهاية لابن كثير، ١١/ ٢٥، وهدي الساري لابن حجر، ٤٨٦.
(٤) انظر: سير أعلام النبلاء ١٢/ ٤٠٧.
(٥) تهذيب الأسماء واللغات للنووي، ١/ ٧٠، وهدي الساري، لابن حجر، ص ٤٨٥.
(٦) تهذيب الأسماء واللغات للنووي، ١/ ٦٨.
(٧) البداية والنهاية: ١١/ ٢٥.
1 / 21