وإن تعجب لشيء في شأنه فالعجب كله أنه عضو في مجلس الشيوخ تعرض عليه ميزانية الدولة، وتعرض عليه كل المرافق المالية والاقتصادية في الدولة، فيجول فيها لويس فانوس، ويصول فيها الشيخ حسن عبد القادر، ويضرب فيها شيخ العرب يس أبو جليل بجرانه، وطلعت حرب مدير بنك مصر وأبو المشروعات المالية والاقتصادية في مصر لا تؤثر عنه فيها طول «الدورة البرلمانية» كلمة واحدة!
ولعل هذا أنه يريد أن يربأ بنفسه، أو بعبارة أخرى يريد أن يربأ ببنك مصر وملحقاته عن أي نزاع سياسي على العموم أو حزبي على الخصوص، طلبا للسلام وإيثارا للعافية.
تعالى الله يا سلم بن عمرو
أذل الحرص أعناق الرجال
حافظ رمضان بك
لو أنك لم تكن رأيت محمد حافظ رمضان بك، وبدا لك أن تتمثل رئيس الحزب الوطني القائم على المطالبة بمصر والسودان، مضافا إليهما الملحقات، سواء منها ما في يد الإنجليز، وما في يد الطليان، وما في يد الأحباش، وجلاء الجيش الإنجليزي بلا قيد، ولا شرط، ولا مساومة، بل ولا مفاوضة ولا اتفاق، ولا، ولا ... إلخ، لما استطاع ذهنك أن يتمثله إلا رجلا عنيفا حاد الطبع، ثائر الأعصاب، إذا قاولك وبخاصة في شأن عام، تفجر عن مثل بركان! ولكن ما أعظم خيبة الخيال حين تقع عينك على حافظ رمضان بك، ويضمك مجلسه، فإنه لا يروعك إلا أن ترى رجلا وادعا هادئ السعي، بطيء الحركة إلى حد الجمود، تكاد تقطع بأنه قد فقد كل اتصال بين أعصابه وبين معارف وجهه، حتى لتوشك ألا يتغير عليها شيء من مظاهر العواطف المختلفة، وإنه ليتحدث إليك في القانون، ويتحدث إليك في السياسة، ويتحدث إليك في جميع الأسباب الدائرة بين الناس، فيجيد الحديث إجادة ينقطع من دونها الوصف، جزالة علم، وصحة رأي، ومتانة حجة، وقوة بيان، في حلاوة نبرة وعذوبة صوت، وإنه ليثير عواطفك، وإنه ليبعث معارف وجهك على التشكل طوعا لما أثار حديثه فيك من عاطفة. أما هو نفسه فساكن وادع، فتنصرف عنه وأنت تكاد تحسب أنك إنما كنت تسمع الحديث من «فونغراف» متقن بديع، يدور في هيكل إنسان!
والواقع أن الله تعالى قد وهب هذا الرجل قصدا واعتدالا في كل شيء، فهو معتدل الخلق والتكوين، معتدل الأخلاق والسجايا، معتدل الحركة والسعي، معتدل الحديث والرأي، وهو في الوقت نفسه، رئيس الحزب الوطني! ومبدؤه المطالبة بمصر والسودان والملحقات، وجلاء الجيش الإنجليزي عن جميع البلاد بلا مساومة ولا مفاوضة ولا اتفاق!
وجه مصطفى ووجه فريد. كلاهما لازم لوقت «الشغل» فقط.
الحق أني لو كنت في موضع حافظ رمضان بك لكانت مهمتي أشق مهمة رجل في العالم، على أن حافظ بك يضطلع بها في غير كلفة ولا عناء! وللعظيم العظائم. •••
ومحمد حافظ رمضان ابن المرحوم حافظ بك رمضان، وكان رجلا منقطع النظير في العلم المالي يوم لم يكن لمصري في هذا الباب خطر، وكانت أعظم المصارف الأجنبية بالضرورة، ترجع إلى رأي حافظ بك في أدق مسائل الفن وأبعدها أثرا.
অজানা পৃষ্ঠা