আধুনিক আরব চিন্তা: ফরাসি বিপ্লবের রাজনৈতিক ও সামাজিক দিকনির্দেশনায় তার প্রভাব
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
জনগুলি
55
وليست هذه الأقوال كلمات عابرة؛ ففي كثير من الكتب النازية الهامة يرد ذكر الثورة الفرنسية مشفوعا بالهجوم عليها؛ فكتاب «مباحث عن بعث ألمانيا» يزعم - طبعا - أن الجرماني خالق المدنية الحديثة، ثم يندد بكارثة مشئومة «هي الثورة الفرنسية الكبرى التي قضت على زعماء الشعب الفرنسي الجرمانيين»؛ لأن «طبقة الأشراف - كلها أو معظمها، بما فيها سلالة البوربون - كانت جرمانية الأصل. وهذا ما حدا بالجماهير غداة الثورة الفرنسية أن تصب جام حقدها على طبقة الأشراف خاصة ...» والحق أن هذا مضحك؛ لأن الشعب الثائر إن لم يوجه سخطه إلى طبقة الأشراف في جملة أصحاب الامتيازات، فإلى من يوجهه؟ وإذا كان الشعب يرى أن طبقة الأشراف هي أشد أصحاب الامتيازات تشبثا وتمسكا؛ إذا كان الشعب يرى قليلين من هذه الطبقة ينحازون إلى جانبه بينما ينحاز أكثره إلى الإكليروس؛ إذا كان الشعب يرى أكابر هذه الطبقة يهجرون البلاد ليعودوا غازين مقاتلين تحت لواء أجنبي، فعلى من يصب جام حقده إن لم يصبه عليهم بصورة خاصة؛ لا لأنهم جرمان، بل لأنهم أعداؤه؟
وكتاب «أسطورة القرن العشرين» لألفرد روزنبرغ «يتنازل» إلى حد الاعتراف بالفكر والعقل لأعلام فرنسا من أدباء وفلاسفة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ولكنه يجعلهم جميعا «محرومين كل سمو حقيقي في الشعور!» ويستنتج من ذلك أن «يوم 14 تموز أصبح رمز ضعف في الأخلاق!» ويذهب إلى أن الثورة الفرنسية مثلث فيها مسألة اللون دورا خطيرا؛ «فالجماهير اليعقوبية ذات اللون القاتم (!) كانت تجر إلى المقصلة كل من كان ممشوق القامة أشقر الشعر!» (أي آريا!) وأخيرا يقرر روزنبرغ «أن الإنسان الجديد، وليد اختلاط إنسان جبال الألب بإنسان البحر الأبيض المتوسط، احتل المكان الأول منذ هذا اليوم» (يوم انتصار الثورة الفرنسية)!
وهكذا يرى النازيون في ثورة فرنسا سنة 1789 ضربة مسددة إلى «طبقة الأشراف الجرمانية الأصل»، وإلى كل «ممشوق القامة أشقر الشعر». وعلى تعبير «إيوالد ماغولد» في كتابه «فرنسا وفكرة الجنس»، يرى النازيون في الثورة الفرنسية «شق عصا الطاعة من الجماهير القاطنة ما بين البحر الأبيض المتوسط وجبال الألب على سيطرة طبقة الفوهرر!» ويكاد لا يحتاج إلى ذكر أنهم يرون فيها أيضا أثرا من آثار «الإجرام اليهودي»؛ إذ لا بد من الإصبع اليهودي في كل شيء لا يعجب النازيين؛ فيقرر جيرهارد أوتيتيكال في كتابه «الجريمة اليهودية التقليدية» أن اليهود هم الذين قاموا بالثورة ولكن عن طريق الماسون!
في كلمات نيتشه التي نقلناها عن فرح أنطون، يقول الكاتب الألماني: «إن الأديان ومبادئ الثورة الفرنسية المتولدة منها والناشئة عنها هي أشد وباء أصاب الإنسانية وهدم الكفاءات فيها، ويكاد يفني قواها كما يفني داء التدرن قوى المسلولين. وإن نتيجة هذا الداء ستكون انحطاط الإنسانية إلى ما هو أدنى من انحطاطها الحالي إذا لم يحتط البشر له ويحدث لديهم رد فعل في شأنه.»
والنازيون الذين يتخذون من نيتشه أبا روحيا يزعمون أنهم، وحركتهم، هم رد الفعل الذي ينتشل الإنسانية من وهدة انحطاطها التي قذفتها فيها مبادئ الأديان والثورة الفرنسية وشقيقاتها. وفي بعض الآراء التي نقلناها عن كتاب النازيين يبدو من تهوسهم بالجرمانية وعمق عقولهم وتنورهم في البحث، أنهم، حقا، أكفاء للقيام بهذا الواجب الإنساني العظيم!
ولكن لندع المزاح. إن التاريخ يصدر حكمه الآن في ميادين النضال والقتال. إنه يلفظ قرارا رهيبا في أي الجانبين يجب أن يعيش ويكمل سير تطوره وتقدمه: جانب القيم الدينية ومبادئ الثورة الفرنسية وشقيقاتها، أو جانب مبادئ رد الفعل النازي.
ومن قبل أصدر أحد أدبائنا ومفكرينا حكمه في هذا الموضوع؛ ففي خاتمة رواية الريحاني «خارج الحريم»، بعد أن تنتحر بطلة الرواية جهان، يطالع القارئ هذه الأسطر:
أما المدية وكتاب نيتشه «هكذا تكلم زرادشت» فقد كانا على الأرض إلى جانب الديوان (المقعد) مغموسين بالدم، كأنهما يشهدان شهادة حق على ما ينبغي أن يموت في الشرق والغرب قبل أن تولد روح العالم الجديدة!
غير أننا نتحدث عن هذه الروح الجديدة وكأنها لم تولد بعد، وهي في الواقع مولودة، سائرة في طريق الشباب.
অজানা পৃষ্ঠা