আধুনিক আরব চিন্তা: ফরাসি বিপ্লবের রাজনৈতিক ও সামাজিক দিকনির্দেশনায় তার প্রভাব
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
জনগুলি
ولكن ما هي الدروس الأساسية التي قبسها أدباؤنا ومفكرونا من فرنسا الثائرة وأعلام مفكريها الثوريين؟ يبدو أن هذا هو المحور الذي يدور عليه كتابنا. وليس من ريب أن أدباءنا ومفكرينا لما اتجهوا بقلوبهم وعقولهم شطر فرنسا الثورية كانوا يرمون إلى دروس ومبادئ يتعلمونها، لا إلى تأييد دولة في غرض من أغراضها الخاصة.
أما أول هذه الدروس التي تعلموها فهو فكرة الثورة نفسها. لقد رأوا أن حياة الأمم ربما اعترتها المفاسد والظلامات في شئون الحكومة والسياسة والاجتماع والاقتصاد، ورأوا أن الإصلاح ربما أصبح غير ممكن عن طريق الإقناع والتسوية السلمية، فآمنوا بوجوب الثورة في بعض الأحوال، ورأوا بناء على الانقلاب الفرنسي العظيم أن الثورة إذا أجيدت وكانت في موضعها أتت بخير كثير، بل خلقت الأمة والبلاد خلقا جديدا.
وإننا لنجد هذا الخط من التفكير الشديد الوضوح والجلاء عند أمين الريحاني، ولكنه ملموس عند مفكرينا وأدبائنا الأحرار جميعهم. يقول الريحاني في رسالة وجهها إلى نفسه على لسان صديق: «من الحقائق الرائعة أن الثورة للأمة كالحمام للإنسان، تنبه فيه الدم وتوقظ النشاط، ناهيك بالنظافة؛ فالخمود الملازم لحكومات الشرق كلها، والفساد الذي اعتراها، والأقذار التي تراكمت عليها، لا يزيلها غير الحمام، حمام الثورة الغالي.» ويقول ملتفتا إلى الثورة الفرنسية: «في الأمة الفرنسية من نتائج الثورة العظيمة ما تبقى آثاره بادية حية نامية في ترقي الأمم والناس.»
وقد ذهب أدباؤنا ومفكرونا في تبرير الثورة إلى شبيه بما ذهب إليه الأدباء والمفكرون الفرنسيون؛ فأعلنوا أن السلطة والسيادة هما للأمة والشعب، وأن الهيئة الحاكمة ليست إلا لخدمة الأمة والشعب، وهي مسئولة أمامهما، فإذا هي أساءت التصرف حقت محاسبتها، فإذا هي أصرت وعاندت جازت إزالتها بقوة السلاح. ولنذهب إلى أمين الريحاني مرة أخرى فنقرأ: «الحكومة للرعية، لا الرعية للحكومة»، «وأول دلائل الحياة الحرة الراقية أن يتمتع أفراد الأمة على السواء بالحقوق الطبيعية، فيسعون دائما في تعزيزها، وينهضون للدفاع عنها عندما تقيد أو تمتهن. ومن أكبر دعائم الحكومات الحرة المستقلة قانون يكفل لشعبها هذه الحقوق الأولية ويوجب عليهم الدفاع عنها يوم ينهض عليها الظالمون يحاولون قتلها.»
18
ولما كان الريحاني يحاول أن يقيم لنفسه تفكيرا متسلسلا في موضوع الثورة، من الوجهة النظرية، فقد انتقل من ميدان السياسة والاجتماع إلى ميدان الحياة كلها والطبيعة كلها، شأن المفكرين الفرنسيين، فرأى هنا وهناك شواهد على روح الثورة وفعل الثورة، وانتهى عند هذه القاعدة: «ازرع العاصفة تحصد القاصفة»، «إن روح الثورة حية عاملة في دوائر الحياة كلها.»
19
وما لبث أن عرض لأدبائنا ومفكرينا السؤال التالي: إن الثورة لا بد لها من عنف وتدمير وسفك دم، أفيجوز ذلك؟ أتوازي الفوائد المرجوة من الثورة ما يرافقها من أعمال القوة والتقتيل والتخريب؟
غني عن البيان أن الثورة لم تكن في نظر مفكرينا لهوا ولعبا يصح أن تقدم عليه الأمة أو هيئة من الشعب إقداما أعمى أو أرعن، بل من المقرر أن مفكرينا، جميعهم، كانوا يتمنون تلافي الثورة بإصلاح عن طريق الإقناع والتسوية السلمية؛ ولذلك رأيناهم، في برهة النشوة والاغتباط بالانقلاب العثماني سنة 1908، يجعلون من مميزاته سرعته وحقنه للدماء وإمساكه للأرواح. ويلاحظ أن كلمة ثورة بمعناها الحديث مستجدة في اللغة العربية، أما التسمية القديمة فهي الفتنة، وقد تركها مفكرونا الحديثون لتسمية النزاعات الداخلية المسلحة التي يصطدم فيها فريق بفريق سفها وتعصبا وهوسا عن غير مبدأ ولا فكرة ولا طلب إصلاح أو حق. ومفهوم أن أصحاب الأغراض يخلطون بين الثورة والفتنة، وقل أن قامت ثورة لم يقم من شنع عليها بأنها فتنة وفوضى. ودائرة المعارف البستانية في الفصل الذي عقدته على روسو تدعو الثورة الفرنسية «الفتنة العظمى المشهورة»، كما أن نوفل الطرابلسي في كتابه «سياحة المعارف» يدعوها «الفتنة» أيضا. ونعتقد أن للمناخ العقلي الحميدي يدا في ذلك، مباشرة أو غير مباشرة.
نريد بهذا أن نمهد للقول: إن مفكرينا الأحرار كانوا يفرقون بين الثورة والفتنة من جهة، وكانوا من جهة أخرى لا يجيزون الثورة إلا إذا لم يكن سبيل غير سبيلها. وقد تقرر لديهم بناء على شواهد في مقدمتها الثورة الفرنسية أن الانقلابات الضرورية التي تستدعي تخليا عن امتيازات بطل وجه الحق فيها، وتستهدف تبديل نظام راهن، وترمي إلى إحداث تحويل جديد في مجاري الحياة، لا تقع، أو قل أن تقع، سلمية بقوة الإقناع والاقتناع وحدها. ولنقرأ ما يقوله جمال الدين الأفغاني في هذا الصدد: «والتاريخ لم ينقل لنا أن ملكا أو أميرا أو دخيلا بقوته على شعب يرضى عن طيب خاطر أن يبقى مالكا اسما وأمته هي المالكة فعلا لإدارة شئونها وزمام أمورها على مطلق المعنى»، «إذا صح أن من الأشياء ما ليس يوهب، فأهم هذه الأشياء الحرية والاستقلال.»
অজানা পৃষ্ঠা