আধুনিক আরব চিন্তা: ফরাসি বিপ্লবের রাজনৈতিক ও সামাজিক দিকনির্দেশনায় তার প্রভাব
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
জনগুলি
على أننا نعلم علم اليقين، استنتاجا من تاريخ الأمير حيدر الشهابي، أن اللبنانيين سمعوا ببعض حوادث الثورة في عهد باكر، كهجوم الشعب سنة 1792
17
على القصر الملكي في باريس (التويلري)، وعرفوا أن الشعب طلب مجلسا نيابيا «ديوانا عظيما ومحفلا جسيما يكون فيه للملك الصوت الأول»، وعرفوا كذلك أن الملك حاول أن يهرب فقبض عليه وسجن في حبس «الطامبل»
Temple
ثم أعدم وانفردت «المشيخة» بالتدبير. لكن اللبنانيين - إذا استندنا إلى تاريخ الأمير حيدر - لم تخل معلوماتهم عن الثورة من اضطراب ظاهر، وقد يكون هذا طبيعيا ومنتظرا في مثل تلك الأحوال والأيام.
أما رأيهم في الثورة وحوادثها، فكلام الأمير حيدر يدل حينا على عطف وحينا على تشجيب. ونقدر أن موقف كثير من الأوساط الدينية تجاه الثورة والحكم على الملك بالإعدام ساعد الدعايات المعارضة للثورة وغشى حقيقتها بغشاء كثيف. ولا تزال الدعايات تستغل هذه الأمور وأمثالها للتشنيع على الثورة إلى اليوم. وطريف حقا أن نقرأ الوصية التي أثبتها الأمير حيدر على لسان لويس السادس عشر قبل إعدامه؛ فإن في أسلوبها ما يذكر ببعض الأدباء المعاصرين الذين يكتبون عن الثورة فيكتفون بالحديث عن «الغوغاء» و«الحزن الملكي» وما أشبه. ومفهوم أن للثورات بوادر من بطش وعنف. ويمكن القول إن كثيرين من اللبنانيين، لما التفتوا إلى الثورة الفرنسية على بعد المسافة، غلبت على أبصارهم مشاهد العنف والبطش. وجاءت الدعايات المعارضة تضخم تلك المشاهد في أبصارهم، وتجرد الثورة من فضائلها؛ فهي «الفتنة» أو «الفتنة العمياء» وكفى. وستكون لنا إلمامة أخرى بهذا الموضوع.
لكن اللبنانيين، منذ الساعات الأولى، ساورهم شعور أدى بهم إلى المقايسة بين شيئين: فظاعة الثورة والتخريب الذي أحدثته من جهة، ونهضة فرنسا وظهور رجل كنابليون على مسرح الحوادث العالمية من جهة أخرى. وبين الثورة ونابليون صلة وصل متينة؛ فكيف تكون الثورة فظاعة وخرابا وتنتهي بهذه القوة الباهرة؟
ومن يقرأ مقدمة الكتاب الذي ألفه الشاعر الكاتب نقولا الترك في الثورة الفرنسية والحروب النابليونية يشعر بالشعور الغامض الحائر الذي خالج النفوس بإزاء الثورة والحكم لها أو عليها. يقول نقولا الترك:
جرت عادة الأوايل، بتأليف الكتب والرسايل، وذكر ما يمر عليهم من الحادثات الكونية والحركات الكلية، من قيام دولة على دولة، وانتشار الحروب المهولة، وما يتعلق بها من المواقع المريبة والأمور الفظيعة، فحق لنا أن نؤرخ في هذا الكتاب؛ لانتفاع الطلاب، ما حدث من التغيير والانقلاب، مما أجرته يد الأقدار في هذه الأمصار، ومما آذنت العزة الإلهية بظهور المشيخة الفرنساوية، وما تكون بسببها من الفتن في البلاد الإفرنجية وديار الرومية، وقتل سلطانهم وخراب بلدانهم وانتشار شأنهم وربحهم من بعد (خسرانهم)، وذلك بظهور فرد أفرادهم وقايد أجنادهم، الليث الشديد والبطل الصنديد، أمير الجيوش؛ الأمير بونابرت، وذكر الحروب التي ثارت بتلك الممالك، وحدوث الشرور والمهالك، وقهر البلاد التي اتصلوا إليها، والانتصارات العظيمة التي حصلوا عليها، بانتقالهم الغريب من الغرب إلى الشرق، ومرورهم العجيب أسرع من البرق، ونزولهم على جزيرة مالطة، كالصواعق الهابطة، وفتوحهم ثغر الإسكندرية، واستيلائهم على الأقطار المصرية، وذكر ما تم لهم من التمليك، في حروبهم مع الغز والمماليك، وسيرهم على الأقطار الشامية، ومحاصرتهم لمدينة عكا القوية، مسكن ذلك الوزير الجبار، المعروف أحمد باشا الجزار، ورجوعهم إلى أرض مصر، وما تم لهم في ذلك العصر، وكفاحهم مع الدولتين العظيمتين: الدولة العثمانية والدولة الإنكليزية، ومصادمتهم للعساكر البرية والبحرية ... إلخ.
فإذا تأملنا هذا الكلام وجدنا ذكر الثورة الفرنسية مقرونا بالفتن وقتل السلطان (أي الملك لويس) وخراب البلدان، ولكن سرعان ما وجدنا المطاف يفضي بنا إلى: انتشار شأن الفرنسيين، وربحهم بعد خسرانهم، وانتصاراتهم العظيمة، وانتقالهم الغريب من الغرب إلى الشرق، وهلم. وكم كان نقولا الترك موفقا حين أتى على ذكر الثورة وقيام المشيخة الفرنساوية في جملة «الحادثات الكونية والحركات الكلية»؛ فالثورة الفرنسية حقا حادث كوني وحركة كلية، وهذا من أوجز ما يقال فيها وأبدعه.
অজানা পৃষ্ঠা