وبعد ذهاب المستر دراك ارتمى الكونت على مقعد، فمالت عليه بوليت تقبله، وتقول له: ما أسعدني بهذا اللقاء، اجتماعنا نحن الثلاثة بعد طول الفراق.
فخبأ وجهه بيديه وجرى دمعه على وجنتيه، فرعبت الفتاة وقالت: لماذا تبكي؟ لماذا تعرض بوجهك عني؟ إلهي، إلهي، ماذا جرى؟
وركعت أمامه، فقال لها بلهجة اليائس الحزين: لا بد أن تعتصمي بالصبر والتعقل والشجاعة. قالت: ولكن لا أدري أي خطر أخشاه وأنا معك؟ ولا ألبث حتى أرى والدتي بقربك. قال: إنك لا ترين والدتك. قالت: فهل هي غائبة؟ ألا تعود الليلة؟ ما بالك لا تجيب؟ لقد فهمت الآن، فوالدتي مريضة في خطر الموت، بل ربما ماتت! ...
وصرخت صرخة موجعة، فقال لها أبوها: كلا، لم تمت والدتك، فاطمئني.
فجعلت يدها على فؤادها وقالت: ظننت أنني مشرفة على الموت.
قال: فاسمعي يا بنية، لقد وقع خلاف خطير بيني وبين والدتك منذ وصولنا إلى باريس، فاضطررنا إلى الافتراق.
قالت: أواه، لماذا لم أكن حاضرة يوم وقوع ذلك الخلاف، إذن لما حدث ما حدث، أما الآن وقد وصلت فالخصام يزول، وما مضى قد فات، وأمي تعود إلى هنا فأضمها إلى صدري، ونجتمع على هناء. قال الكونت: ذلك لا يكون أبدا، فبيني وبينها سور لا تستطيع قوة بشرية أن تجتازه، وإذ ذاك ظهر ملطار، فقال: جاءت مدام دي موري وهي مقبلة إلى هنا!
فتهلل وجه بوليت وقالت: إنك كذبتني لتجربني فوا فرحاه! هذه أمي آتية فأهلا وسهلا بها! ...
وسمعت وقع خطى وصوت امرأة تلقي بعض الأوامر، إلا أن الصوت كان مبهما، فقالت بوليت: هل سمعت؟ هذه أمي!
فحاول أبوها إمساكها وناداها إلا أنها لم تلتفت إليه، فوثبت حتى الباب وإذ ذاك تزحزح عن الباب ستر وظهرت الكونتة دي موري، إلا أن بوليت لم تعرف هذه الكونتة؛ لأنها ليست ابنة الأميرال فيرمن دي لامارش، ولكنها كلوديا بلميري دوقة دي لوقا، أي: جرجونة.
অজানা পৃষ্ঠা