قال محدثي: وبعد أن مسح مختار يديه من بيع أخته وأخذ المائة وخمسين جنيها، وباع الدار بمثلها، صار له ثلاثمائة جنيه، فاستأجر غرفة في فندق في الأزبكية، واشترى ملابس جديدة، ووضع النقود في أحد المصارف ليأخذ منها ما يريد وقتما يريد.
وفي ليلة من الليالي ملأ جيوبه ذهبا، وقصد المرقص ليرى منيرة، وكان في يده حينئذ عصى يدها من ذهب، وكان حذاؤه جديدا وثيابه كلها جديدة، إلا قلبه فإنه كان قديما فاسدا، وكان وجهه نظيفا ويداه نظيفتين، وكل جسمه نظيفا إلا ضميره، فقد كان وسخا؛ لأنه باع أخته ليحصل على المرأة التي تكرهه، ولما رآه صاحب المرقص قام له إجلالا وإكراما، وشخص إليه الناس، ورحب به الخدم، فسأل نفسه عن كل ذلك الإكرام، فأجابه الذهب: لقد مسحت من جبينك ما كتبته الفاقة، وكتبت ما يأتي:
غني جاهل أحمق معه ذهب، فاضحكوا عليه وخذوا ماله قبل أن يأخذه غيركم ...
ولما جلس مختار التف حوله الخدم يحيونه ويسألونه عن سبب هجر منيرة، وهي تسأل عنه كل ليلة، وتأبى الجلوس مع أحد من الرجال الذين يطلبونها؛ لأنها تخاف أن يأتي مختار بك ويجدها مع غيره فيغضب عليها.
ومن الغريب أن كل تلك الترهات الفارغة، وتلك الأكاذيب الباردة كانت تدخل على أفكار هؤلاء الناس أمثال مختار، ويعتقدونها، ويظنونها حقائق ثابتة!
ثم لم يلبث مختار طويلا حتى أتت منيرة وجلست بجانبه وحيته، وضحكت له، وبقيت تداعبه، ثم طلبت قنينات الخمر «دستة» بعد «دستة»، وما زالت تطلب ولا تشرب ومختار يدفع ولا يرجع عن غيه حتى نصف الليل، فقامت منيرة مع مختار إلى دارها ... •••
واستمر مختار مع محبوبته على ذلك أكثر من ثلاثة شهور، وصرف أكثر من مائتين من الجنيهات، ولم يبق معه أكثر من عشرين جنيها، وعند ذلك ذهبت سكرة المال، وجاءت فكرة الفقر، وتصور مختار كل الأهوال التي هو قادم عليها من جوع وعري ومرض، فندم ندما شديدا على بيع داره وزواج أخته التي سبب موتها، وكان المسكين يقوم من دار منيرة إلى الديوان، ولكنه في تلك الأيام الأخيرة التي قل فيها المال عاد إلى الفندق، وكان يزور منيرة في كل أسبوع مرة ...
الفصل الحادي والعشرون
الليلة الأخيرة
قال محدثي: وبعد أن ذهبت عشرة جنيهات من العشرين، جلس مختار مرة يسكر وحيدا منفردا، وما زال يشرب ونفسه تغرق وعقله يطير حتى نصف الليل، وعند ذلك تصور منيرة في قميصها الأحمر وهي نائمة في السرير، فقام توا إلى المرقص، وقضى مع حبيبته هناك ساعتين، أنفق فيهما كل ما كان معه، وذهب في آخر الليل مع محبوبته. •••
অজানা পৃষ্ঠা