فصاحت بى: «احذر».
قلت: «أذن هاتيها.. حلوة طويلة».
الفصل العاشر
فتاة الحارة
كنا غلامين صغيرين وجارين صديقين، وكنت أنا أسن منه قليلا.. ولكن الفرق كان فرق شهور لا تقدم ولا تؤخر، لا فرق سنوات تباعد بين الناس. وكان الوقت صيفا والمدارس مغلقة، فلا عمل أكثر الوقت إلا اللعب فى الشارع. وكان يفصل بيتينا بيت صغير لأرملة وبنتيها، وإحداهما فى مثل سننا والأخرى أكبر بسنوات وأضخم جسما، وكنت أسميها فيما بينى وبين صديقى «السقاء» لأن ثدييها كانا - فيما يبدو لى - كالقربتين. ولم أكن أرتاح إليها، ولكن أختها الصغيرة كانت أثيرة عندى وحبيبة إلى ... فكنت لهذا أصانعها، ولكن صدرى كان يضيق بها أحيانا فأغضبها وأمرى إلى الله. وكنت إذا زجرنى أهلى عن اللعب فى الشارع، وملوا ترقيع الثياب التى ألبسها فى الصباح نظيفة سليمة فلا يجىء العصر إلا وهى ممزقة وعليها طوائف شتى من الأوحال والأقذار.. أقول كنت إذا نهيت عن الشارع، أصعد إلى السطح وأتدلى منه إلى سطح الفتاة وأصفر لجارى فيوافينا، وننحدر جميعا إلى غرفة من غرف البيت أو إلى فنائه - وكان رحيبا - فنلعب ما حلا لنا اللعب حتى إذا أمسى الليل تفرقنا إلى بيوتنا.
واتفق يوما أن كانت الفتاة معى فى ساحة الدار، وكنت قد تخلفت بعد ذهاب صديقى وصعود الأخت الضخمة - أو «السقاء» كما كنت أسميها - وكان باب البيت مواربا، فطوقتها - أعنى البنت الصغيرة لا السقاء - بذراعى وقبلتها، وكانت فيما أحس تلين لى فى العناق، ولكنها عبست فجأة وتفلتت منى ودفعت ذراعى عنها بعنف، وذهبت تعدو إلى السلم.. فتعلقت بأذيالها، ولكنها شدت الثوب أو على الأصح ضربته بيدها، فطار من يدى وصعدت بسرعة، وتركتنى واقفا أنظر وأتعجب.
وفى صباح اليوم التالى، قالت لى أمى فجأة ونحن على الطعام: «هل أنت بنت»؟ فصحت مستغربا منكرا: «بنت»؟ فقالت: «نعم، لماذا تلاعب البنات ولا تلاعب الأولاد من أمثالك»؟
فأطرقت استحياء وقد أدركت أنها تأخذ على شيئا وتستهجن مصاحبتى لهذه الفتاة، ولم يخطر على بالى أن فى الأمر أكثر من هذا. وحان الظهر وجاء معه رجل تركى الأصل عتيق من أصدقاء أخى الأكبر - وكان يلازمه من الظهر إلى نصف الليل - وكان شعره أبيض ووجهه مغضنا، كما تبدو المدينة للمشرف عليها من قمة جبل شامخ، فصاح بى وأنا خارج: «تعال يا سيدى ... تعال». فوقفت مستغربا لهجته، وقلت: «نعم». فقال: «جارتك هذه، يظهر أنها تعجبك».
فغضبت وتألمت ولكنى تجلدت، فقد كان إذا اعتبرنا السن يعد جدا أعلى لى، وقلت: «نعم».
فضحك وتفل وفتل شاربيه الكثيفين، ثم قال: «لقد رأيتك البارحة تحضنها». فصحت به: «إيه»؟ فأشار إلى بيده المتجعدة المعروقة: «لا تغضب.. كلنا كنا صغارا.. ولكن يا ابنى..».
অজানা পৃষ্ঠা