أول يونيو سنة 1920
مقدمة
انصرفت عقول الكتاب والمفكرين في هذه الأيام وفي جميع البلاد إلى الاشتغال بالمسائل السياسية والمشاكل الاجتماعية التي أوجدتها الحرب الأخيرة، وانصرفت الأقلام وراء العقول تحاول إنارة السبيل لقادة الشعوب علهم يستطيعون إقالة هذا العالم من عثرته.
ولقد كان من جراء ذلك أن أهمل الأدب إهمالا نزل به إلى مرتبة دون التي كان يشغلها في نفوس القراء والمؤلفين، فانحط التأليف الأدبي انحطاطا قد يستمر ما استمرت حالة العالم على ما هي عليه.
ولم يكن تأثير هذه الأزمة الأدبية في مصر بأقل منه في غيرها؛ إذ انصرف معظم الأدباء عن فنهم - وعلى الأخص في السنة الأخيرة - إلى الاشتغال بقضيتنا السياسية الكبرى، فانقطع ظهور الكتب الأدبية أو كاد، وأوشكت مسارح التمثيل أن تغلق أبوابها لقلة ما يقدم إليها من الروايات، ورأت صحف الأدب ألا بقاء لها إلا إذا ولت وجهها شطر السياسة، فوقفت جل أعمدتها على شرح وتأويل ما يحمله إلينا البرق من الأخبار، وبذلك وقفت نهضتنا الأدبية منتظرة أن تمر العاصفة وتصفو السماء فتستأنف سيرها ويعود إليها عزها ونشاطها، بيد أن العناية الساهرة على الفنون قد أبت أن تذبل شجرة الأدب في مصر ولما تينع أزهارها، فلم تدع السياسة تستأثر بأقلام جميع الكتاب، بل أبقت للأدب أئمته وأنصاره، فلم يؤيسهم شغف الجمهور بسياسة العالم وانصرافه عن كل ما عداها، وظلوا رافعين لواء فنهم في وسط الزوابع والأعاصير عالمين أن الأدب أفيد غذاء لروح الأمة وعقلها، وأكبر مهذب لإحساسها وشعورها.
في طليعة هذا النفر من أئمة الفن وخدامه لا أتردد في ذكر اسم السيد «مصطفى لطفي المنفلوطي» الذي لم يبخل على قرائه العديدين بأويقات فراغه، فوقفها على الكتابة والتأليف، ولم تحل أعمال وظيفته الحكومية بينه وبين أن يخرج للناس بضعة مؤلفات قيمة، آخرها هذه الرواية الشيقة الممتعة «في سبيل التاج» التي نقدم اليوم طبعتها الرابعة إلى جمهور القارئين. •••
فرانسوا كوبيه مؤلف «في سبيل التاج» شاعر عرك صروف الزمان، وجس بأصبعه مصائب الإنسان، فلم تزد قلبه مناظر البؤس والفاقة إلا لينا وحنانا، حتى إن القارئ لا يرى في شعره إلا عبرة حارة أرسلتها عيناه إشفاقا وحنوا على الذين تخطتهم السعادة وغضبت عليهم الحياة، حتى لقبه عارفوه بحق «معزي المنكودين والبائسين، وشاعر الضعفاء والمحزونين.»
ولد كوبيه سنة 1842، ولم تمكنه بنيته السقيمة من تتميم دراسته، فانقطع عن تلقي الدروس في معاهد العلم، وانصرف إلى قراءة الكتب والاطلاع على أوضاع الأقدمين، وكان يشعر بميل شديد غريزي إلى الشعر، فنظم منه بضع قصائد لم تصادف إعجابا من الذين أسمعهم إياها، فرأى أن النار أحق بها من المطبعة، فأحرقها، وطلق الشعر وهجر الأدب، وسعى حتى حصل على وظيفة في الحكومة استولى عليها ظنا أنه لم يخلق لصناعة القلم، وأن رغبته في الشعر ما هي إلا نزعة مفتون تصبو نفسه إلى ما لا قبل له به ولا طاقة له عليه.
بيد أن الفطرة ما لبثت حتى غلبت اليأس في نفس الشاب، فعاد إلى القصائد ينظم منها اليوم ما يمزقه في الغد، حتى وفق لكتابة «صندوق البقايا المقدسة»
Le Reli
অজানা পৃষ্ঠা