وتراجعت وزارة الإعلام المصري فجأة عن موقفها بعد أن ذاع صيت الكتاب على هذا النحو في الصحف العالمية، وأصدرت بيانا مطولا زعمت فيه أن الكتاب لم يمنع، وإنما نال الموافقة الرسمية على توزيعه. وتصدر هذا النفي الصفحات الأولى من جميع الصحف اليومية المصرية. وفي اليوم التالي ، نشرت صحيفتا «المصري اليوم» اليومية المستقلة و«الدستور» الأسبوعية المعارضة عرضا للكتاب في صفحة كاملة، وتصدرت مقتطفات من هذا العرض الصفحتين الأوليين في كلتا الصحيفتين. وفي الوقت نفسه، نشرت وكالة أسوشيتد بريس خبرا أكدت فيه أن الكتاب كان قد منع من النشر بالفعل في البداية، لكن أجاز جهاز الرقابة على الكتب والمطبوعات نشره في أعقاب التغطية الإعلامية التي تلت قرار الحظر.
إنني أعتبر هذا التحول انتصارا صغيرا لحرية التعبير في مصر وفي العالم العربي كله. فحظر كتاب «في قلب مصر» خلده في الذاكرة الحية باعتباره أكثر الكتب التي طرحت للنقاش عن الأوضاع في مصر. وأظن أن تحذيره من اندلاع ثورة سياسية واجتماعية وشيكة يظل وثيق الصلة أكثر من ذي قبل، وحري بالإدارة الجديدة للبيت الأبيض أن تنظر إليه بعين الاعتبار. ففي الوقت الذي ركزت فيه حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية التي أسفرت عن فوز باراك أوباما في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 على الجدل المحتدم بشأن السياسة الأمريكية تجاه العراق وإيران وباكستان وأفغانستان، ظلت مصر - وهي دعامة السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط منذ زمن طويل - بعيدة عن النقاش تماما، وهو ما أثار مشاعر القلق، إذ يبدو واضحا الآن أكثر من أي وقت مضى أن أكثر الدول العربية من حيث تعداد السكان سوف تفرض تحديا مخيفا على الرئيس القادم. مرت ثمانية وعشرون عاما منذ أن تولى الرئيس حسني مبارك السلطة في مصر عقب اغتيال أنور السادات عام 1981. وكما أوضحت في هذا الكتاب، فإن تركته تتمثل في القمع السياسي والركود الاقتصادي وغليان الشعب المصري؛ وهو غضب جماعي لا تنفس عنه فصائل المعارضة المنظمة، لكنه يبدو دائما على شفا الانفجار. لا بد لإدارة أوباما أن تحقق أقصى استفادة من الضعف الحالي لنظام مبارك، وخاصة الفرص الجديدة التي ستلوح في المستقبل القريب تزامنا مع تسليم السلطة، وذلك من أجل الحث على تحريك العملية السياسية في مصر وإفساح المجال أمام الدولة لمواجهة الأسباب الكامنة وراء عدم الاستقرار. لكن على واشنطن أن تتحرك سريعا قبل أن يفوت الأوان ، ولا يصبح أمامها سوى الوقوف في موضع المتفرج بينما القاهرة تشتعل.
ملحوظة عن مراجع الكتاب
هذا الكتاب موجه في المقام الأول إلى القارئ العادي، ومن ثم لم ألجأ إلى استخدام الحواشي السفلية أو أي حشو أكاديمي آخر، بل اعتمدت على ذكر المرجع في مكانه داخل النص. لكن هذا لا يمنع من الإعراب عن تقديري لبعض المصادر الثانوية التي استفدت منها عظيم الفائدة. فعند وصف تاريخ مصر الحديث في الفترة ما بين غزو نابليون عام 1798 وثورة الضباط الأحرار عام 1952، اعتمدت اعتمادا أساسيا على كتاب «العصر الذهبي لمصر» (1989) لمؤلفه تريفور موستين، وكتاب «مصر الحديثة: نشأة أمة» (2004) لآرثر جولدشميدت، و«مصر: لمحة تاريخية» (2000) لجيمس جانكويسكي. والمقولة التي وردت على لسان عوض المر في الفصل الأول مأخوذة من كتاب مي قاسم «السياسة المصرية: آليات الحكم الاستبدادي» (2004). وفي الفصل الرابع، استقيت بعض المواد من مقال كاش سيل بعنوان «توطين البدو: الرضا بالكثير أم بالقليل» الذي نشر في صحيفة إيجيبت توداي في عددها الصادر في يونيو/حزيران 2006، وأيضا تقارير تسفي بارئيل من صحيفة هاآرتس. أيضا وجدت كتاب «الأصولية الإسلامية في السياسة المصرية» (في طبعته المنقحة عام 2002) لباري روبين أفضل مرجع لتاريخ الجماعات الإسلامية وتطورها في مصر. وقد استفدت كثيرا من تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر عام 2007 بعنوان: «مصر: انتهاكات منهجية باسم الأمن»، والتقرير الذي أصدرته حركة المعارضة كفاية عام 2006 بعنوان «الفساد في مصر: سحابة سوداء لا تزول»، والتقرير السنوي للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان عام 2007.
অজানা পৃষ্ঠা