بالطبع تعرض محمد علي (كما قيل) للتعذيب للإدلاء باعتراف مبكر، وكذلك عائلته. ذكر والد محمد علي أنه كان يسمع محمد يصرخ من ألم الصعقات الكهربية التي تلقاها أثناء الاستجواب. وذكرت سوزان فياض، وهي عالمة نفس بمركز نيشن - الذي لعب دورا حاسما في نقض الأدلة المستخدمة في قضية محمد علي - في مقال صدر عام 2006 بعنوان «شكوك منطقية كثيرة» أن الشرطة بعد صدور الحكم «جمعت غيظا ثلاثين فردا من أسرة محمد علي، وجعلتهم يجلسون على الأرض ساعات في أحد أقسام الشرطة.» وكان هذا في ظاهره لحماية الأسرة من هجوم بعض الغوغاء بعد أن حرضت وزارة الداخلية أسر بني مزار ضد محمد علي. وأضافت سوزان فياض أن ذلك الإجراء كان عبارة عن «حماية بسيطة ممتزجة بعقاب طفيف». وفيما بعد احتجزت الأسرة تحت الإقامة الجبرية «لحمايتها» وصودرت الهواتف المحمولة المملوكة لأفرادها. وفي ذلك قالت سوزان، التي احتكت في عملها بالكثير من ضحايا العنف، إن هذه القضية توضح مدى روتينية ومنهجية التعذيب.
قد نميل إلى الاعتقاد أن براءة محمد علي تظهر أن النظام لم يفسد تماما؛ لكن العجيب أن هذا الاعتقاد لن يستهوينا كثيرا، إذ إن طلعت السادات نفسه محامي الدفاع عن محمد علي قد حكم عليه بالسجن عاما في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2006 في قضية مختلفة، بتهمة ارتكاب أخطر الجرائم، ألا وهي «سب الجيش». ومن الصعب ألا نتصور أن حبسه كان بطريقة ما عقابا على كشفه مدى إجرام ووحشية الشرطة، ناهيك عن افتقارها التام إلى أدنى قدر من المصداقية، من خلال مساعدة محمد علي لنيل البراءة. •••
يأتي من الكويت النائية تفسير أعمق وأكثر إيلاما لظاهرة تقبل التعذيب، تفسير سوغه نبأ انتشر في أغسطس/آب عام 2007 عن تعذيب شرطة الهجرة الكويتية لاثنين من المصريين بعد وقت قصير من وفاة الفتى الصغير محمد. كتبت رانيا الجمل - وهي مصرية وكاتبة دائمة في صحيفة الكويت تايمز - ردا بقوة على تلك الأنباء قائلة: «التعذيب اليوم في الشرق الأوسط هو منهج حياة، إنه يستخدم في كل مكان، ففي بيوتنا يضرب الآباء أبناءهم، ويقتلونهم أحيانا إن أساءوا السلوك أو أساءوا إلى اسم العائلة. وفي أماكن العمل تكثر القصص عن أرباب العمل الذين يسيئون إلى الخادمات والسائقين ويعذبونهم. ويدخل في بعض المدارس بالعالم العربي ضمن واجبات المعلم ضرب الطفل بمباركة والديه. ولا ننسى أقسام الشرطة والسجون حيث أصبحت الكرامة الإنسانية منذ زمن أمرا منسيا، وحيث تعد حقوق الإنسان دعابة.» تقول رانيا الجمل إن رد فعل أغلب العالم العربي على تلك الأنباء لن يتجاوز - على أفضل تقدير - هز الكتفين بلا مبالاة أو التهكم بعبارة: «أهلا بك في الشرق الأوسط.» ثم تستطرد رانيا قائلة: «نحن نتعلم من لحظة ميلادنا أن علينا أن نومئ بالإيجاب وأن نطيع ولا نناقش أو نخالف. نتعلم أن نتفق مع آبائنا وكبارنا ومعلمينا وحكومتنا ورؤسائنا في العمل؛ قل نعم فحسب لتحيا حياة سهلة، واتبع نهج الآخرين وما يقولونه وما يفعلونه؛ اتبع الآخرين فحسب إن كان هذا سينأى بك عن المشاكل. نحن نتعلم أن المخالفة تأتي بعواقب مؤسفة وأحيانا عواقب كارثية، ولا نتعلم أبدا أن نكون أبطالا، نتعلم فقط أن نكون قطيعا نتبع الراعي وكلابه.» إلا أن رانيا الجمل تضيق ذرعا بمن يزعمون أن فضح هذا التعذيب والتحقيق فيه بالكويت يعني أنها تتمتع بديمقراطية أفضل من مصر، فتقول: «هل هذه هي أفضل استجابة؟ لا يهم إن كانت لدينا ديمقراطية حقيقية أم لا: علينا أن ندين الجريمة لا أن نجد ذريعة لها. علينا أن نتحلى بالشجاعة الكافية للوقوف ضد الخطأ، لا أن ننجرف وراء الآخرين طالما أنه لا يوجد من يراقب وطالما أن الجميع يفعل المثل. علينا أن نتوقف عن لعب دور القطيع لأننا إن لم نفعل فسنذبح يوما ما.»
توضح رانيا الجمل في هذا التحليل القاسي نقطتين متصلتين شديدتي الأهمية: الاعتداء أصبح جزءا لا يتجزأ من نسيج ثقافة الشرق الأوسط ولم يعد مقصورا على أنظمته الهرمة المشوهة؛ وهذا جعل من يعيشون في ظل تلك الأنظمة مشاركين في الاعتداءات التي تمارسها؛ بل جعلهم في الواقع السبب في استمرارها فيها دون عقاب. على سبيل المثال: قارن من ناحية بين لا مبالاة مصر والشرق الأوسط بوجه عام بضحايا صدام حسين - أسوأ جزاري العالم العربي - الذين يقدرون بمئات الآلاف، وبين التعاطف الجارف العجيب الذي سرى فيهم يوم إعدامه من ناحية أخرى.
مع الأسف خلا التلاسن الهزلي الذي اندلع بين مصر والكويت حول تعذيب المصريين من مثل هذه الأفكار. فوفقا لما نشرته صحيفة الكويت تايمز في سبتمبر/أيلول عام 2007 نقلا عن إيمان جمعة: «هاجم الكتاب المصريون بشراسة الكويت وكأنهم اكتشفوا فجأة أن «المواطن المصري له كرامة».» وذلك على حد قول الصحفي الكويتي فؤاد الهاشم في صحيفة الوطن، إشارة إلى ملف مصر البائس في هذا المجال. لكن الكاتب المصري نصرت صادق رد هجوم فؤاد الهاشم على الفور في صحيفة المصري اليوم المستقلة جاعلا عنوان مقاله: «علمهم المصريون ليكون جزاؤهم التعذيب»، وهو لم يقصد أن المصريين قد علموا الكويتيين التعذيب، بل عنى فقط أن 400000 عامل مصري مغترب يعيشون بدولة الكويت الصغيرة قد «ساهموا في تحقيق نهضتها». بل تقدم أيضا رئيس تحرير صحيفة الأسبوع وعضو البرلمان المصري مصطفى بكري باستجواب لوزير الخارجية أحمد أبو الغيط في البرلمان عن العمود الذي كتبه فؤاد الهاشم قائلا إنه: «انتهك حرية الصحافة» ب«إهانة مصر ومواطنيها». لكن في الشهر نفسه أغلق محافظ القاهرة جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان - وهي منظمة تعتني بضحايا التعذيب - بعد ظهور ادعاءات كاذبة تتهمها بارتكاب مخالفات مالية. والخلاصة باختصار هي أن رسل الإصلاح يهاجمون من اليمين ومن اليسار ومن كل اتجاه في الوقت الذي يضاعف فيه النظام مفاسده بعزم جنوني.
الفصل السادس
الفساد
لا بد أن نكن تقديرا - من نوع معاكس - للحكومة المصرية وهي ترقب بانتباه شديد ما يجري حولها لكشف أي تهديد محتمل قد ينال من سمعة مصر والمصريين. كان هذا هو الحال عام 2007 عندما أعلنت مؤسسة تدعى «العجائب السبع الجديدة» عن الجولة الأخيرة من التصويت الإلكتروني على قائمة ظلت تعلن عنها طوال خمسة أعوام كاملة على أنها «عجائب الدنيا السبع الجديدة». ما الذي أثار حفيظة الحكومة المصرية؟ وما الذي جعلها تستشيط غضبا؟ الجواب هو أن أهرامات الجيزة لن تدرج تلقائيا كإحدى العجائب السبع الجديدة، وإنما مجرد واحدة من الترشيحات العديدة المطروحة للتصويت.
في أعقاب موجة الاحتجاجات التي تزعمتها وزارة الثقافة المصرية مدعومة بحملة تشنيع منسقة (إن لم تكن مدبرة كما هو الحال دائما) من جانب الصحف القومية، تراجع بيرنارد فيبر صاحب فكرة التصويت عن موقفه. أوضح فيبر في خطاب ذكرت صحيفة «الأهرام» أنه بعث به إلى وزير الثقافة فاروق حسني قائلا: «بعد دراسة متأنية اختارت «مؤسسة العجائب السبع الجديدة» أهرامات الجيزة - العجيبة الأصلية الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا - عجيبة شرفية ضمن عجائب الدنيا الجديدة. وفي بادرة تقدير فإن القرار - حسبما أضاف فيبر - قد وضع نصب عينيه وجهات نظر المجلس الأعلى للآثار ووزارة الثقافة المصرية اللذين أصرا على أن الأهرامات تستحق «مكانة خاصة» باعتبارها «موقعا تراثيا وثقافيا عالميا مشتركا».
تاه حسني عجبا إزاء ما حدث من تغيير، ولم يتمالك نفسه من توجيه طعنة أخيرة إلى «مؤسسة العجائب السبع الجديدة»؛ فادعى أنها ما شنت حملتها إلا من أجل التربح من وراء المشاركين في التصويت الذين يرتادون موقعها الإلكتروني، وصرح قائلا: «علينا أن نحمي تراثنا من الهواة والعابثين الذين لا ينفكون عن محاولة استغلاله.»
অজানা পৃষ্ঠা