ودخلت المدرسة، وشعرت حينها أن لليتم مزايا؛ فما إن يعلم مدرسي وزملائي بأنني يتيم، حتى يخصوني بمعاملة ودودة، مزيد من الترحيب الصباحي، وتشجيع على المذاكرة، وتأكيد رجولتي المبكرة.
منذ ما يقرب من شهر، دبت في بيتنا حركة أخرى غير ما اعتدتها، زارنا بداية أخوالي من البلد، زيارات متقاربة لم أكن معتادا عليها، وعبارات كثر ترديدها في منزلنا: «رجل ملو هدومه، أنت هتفضلي لامتى كده؟ الولد كبر ومحتاج أب يفهمه ويوعيه.»
حوارات جانبية ونسائية، كانت أمي تحرص على إبقائي بعيدا عنها، وتحثني على المكوث بغرفتي، بمجرد إلقاء التحية على الضيوف. ثم خصني خالي الأكبر بحوار منذ أيام، وبعد مقدمة طويلة حول تحمل أمي المسئولية في ريعان شبابها، وأنني بحاجة إلى أب يدخل ويخرج من البيت، وأحكي له مشاكلي، أخبرني أن عريسا تقدم لوالدتي، وأنه بالسؤال عنه عرف أنه مناسب لها.
لم أكن أستوعب ما قاله خالي، غير أن هناك رجلا آخر سيسكن بيتنا، وبطبيعة الحال فقد أصبح أمرا واقعا، ولا خيار لي إلا مباركته.
النساء المتحلقات حول أمي يضفن مزيدا من الزينة إلى وجهها، يغطين الشعيرات البيضاء بمزيد من الصبغ، تتفاجأ أمي بوجودي فيحمر خداها، تحتضنني، ثم تبلغني بضرورة الوقوف خارجا مع «الرجالة» حتى تنتهي.
أتسلل إلى غرفتي غير عابئ بالضيوف، وأضيق بقطع أثاثنا التي كومتها أمي في غرفتي؛ لتتسع صالتنا للكراسي التي استؤجرت للمناسبة. أحاول أن أفتح بعض كتبي المدرسية، ثم أغلقها سريعا، وأكتفي بالتمدد على سريري والنظر إلى سقف غرفتي.
يزداد الصخب وتعلو زغاريد النساء، وأحد الصبية ينادي: المأذون حضر. يكتب الكتاب، ويبدأ الجميع في الرقص والتصفيق، وأمي تجلس بكامل زينتها بجوار هذا الرجل الذي لا أعرفه، ولم أجلس إليه سوى مرات قليلة أثناء الحديث عن ترتيبات الزواج.
يأخذني خالي إلى منزله بضع ليال، ثم أعود إلى بيتنا، فأرى أمي بوجه آخر، اختفت الخصيلات البيضاء تماما، وازداد تورد وجهها، اختفى الأسود من بيتنا، فغاب أبي وحمل معه صوره.
استيقظت قبل موعد يقظتي المعتادة، أذني تلتقط همهمات، وضحكات مستورة، وصوت مداعبات زوج أمي، أحاول العودة إلى النوم الذي لا يأتيني، أحملق في سقف غرفتي، حتى يخرجني صوت منبهي من تخيلاتي، أخرج على مهل، وألاحظ هدوء الأصوات.
أبحث في حقيبتي عن طعامي المدرسي فلا أجده، فأحاول أن أشغل نفسي بتناول كوب من الحليب فتزعجني برودته، فقد عودتني أمي على تناوله ساخنا.
অজানা পৃষ্ঠা