وبعد تأكيدات الطبيب حملت طفلها، خرجت من باب المستشفى الذي جلس بجواره العديد من البشر على الرصيف المتكسر، أو القرفصاء، انتظارا لسماع أسمائهم، أو لحين موعد الزيارة الرسمي.
سارت وسط نساء أخريات متوشحات بسواد الفقر والبؤس، مكتفية بفوزها بطفلها، تحاول أن تقنع نفسها بأنه هو سيكون مخلصها.
تتفاجأ بسيارة تقف بجوارها، يزعجها صوتها المرتفع الناتج عن وقوفها المفاجئ، نظرت فأطل منها وجه الطبيب الشاب الذي سبق أن بشرها بشفاء طفلها: «تعالي أوصلك يا فاطمة.» للمرة الأولى تسمع اسمها منذ أسابيع الشقاء، حلوا وهادئا ومثيرا للاطمئنان، عادت به إنسانيتها، ورغم ذلك رفضت طلبه على استحياء، وتشبثت بحضن صغيرها، ورحلت.
الطابور
الساعة السادسة صباحا، يأتي الصوت صاخبا من خلف نافذتنا الزجاجية، ألمح تلك الأجساد المتراصة، أتعجب، وأسأل نفسي: «متى يبدأ هؤلاء يومهم؟» أتابع الصفوف التي تقوم بتمارين صباحية ككتيبة عسكرية، ثم انتباههم الشديد لرئيسهم وهو يلقي عليهم تعليمات اليوم.
في طريقي تلفت انتباهي تلك الوجوه المحترقة بفعل العمل ساعات طويلة تحت أشعة الشمس والحرارة التي تتعدى درجاتها الخمسين، والرطوبة التي تقترب نسبتها من الثمانين بالمائة، فجعلت الجميع في هذا الزي الموحد، كدمى متراصة من مصنع واحد.
تزعجني تلك النظرات التي تلاحقني من بعضهم في فترات تناولهم الطعام، لا يهم ماذا أرتدي، وكيف أسير، وحدي أم برفقة أحد؛ فالنظرات الجائعة تلاحق النساء المارات جميعا.
في بداية إقامتي بتلك المدينة كنت أضيق بتلك النظرات، فأردها احتقارا، ولكن بعد حين التمست لهم ألف عذر حينما خبرت المزيد من الصحف وحكايات الأصدقاء عن هؤلاء الرجال وأمثالهم، وكيف أنهم يعيشون على بضع مئات من الدراهم شهريا، يتجمع العشرات منهم في بيوت خالية من التهوية، محرومين من صحبة الأهل، ومن الزواج، يتقاسمون حتى الطعام ليستطيعوا إرسال ما تيسر لهم إلى أهاليهم.
مؤخرا فاجأني العمل بتلك المنطقة المواجهة لمسكني، فبت قريبة من بؤسهم، ألحظ طوابيرهم الصباحية، وعملهم المستمر طوال اليوم، لا يهم صباحا أو مساء، شتاء أو تحت الشمس الحارقة، متلفحين بالملابس الرسمية، والخوذات، والأحذية ذات الرقاب المرتفعة، التي تضيف ثقلا آخر إليهم فوق ثقل العمل وثقل الفقر.
وفي فترات راحتهم تكتفي الأجساد بالتمدد متلاصقة تتظلل بالجدران الحديدية المبنية حول منطقة العمل، أو أرضية الحدائق الرطبة، وفي أيام عطلتهم يكتفون بتجمعاتهم وافتراش الأرصفة جلوسا.
অজানা পৃষ্ঠা