قال: وكيف توفق بين الوجود الأمثل وبين الشرور والآلام في هذه الحياة؟
قلت: هذا سؤال غير يسير؛ لأننا نحن الفانين لن نرى إلا جانبا واحدا من الصورة الخالدة في فترة واحدة من الزمان، ومن يدرينا أن هذا السواد الذي يصادفنا هنا وهناك هو جزء لازم للصورة كلزوم النقوش الزاهية والخطوط البيضاء؟ وماذا تستطيع أن تصنع لو ملكت الأمر، وتأتي لك أن تقذف بالشرور من الحياة؟ بغير الألم والخسارة ما الفرق بين الشجاع والجبان وبين الصبور والجزوع؟ وبغير الشر والسوء ما الفرق بين الهدى والضلالة، وبين النبل والنذالة؟ وبغير الموت كيف تتفاضل النفوس وكيف تتعاقب الأجيال؟ وبغير المخالفة بينك وبين عناصر الطبيعة من حولك كيف يكون لك وجود مستقل عنها منفصل عن موافقاتها ومخالفاتها؟ وبغير الثمن كيف تغلو النفائس والأعلاق؟
قال صاحبي: أليس عجزا أن نشقى وفي الوسع ألا نشقى! أليس عيبا أن نقصر عن الكمال، وفي الوسع أن نبلغ الكمال؟
قلت: وكيف يكون في الوسع أن يكمل المتعددون؟ إنما يكون الكمال للواحد الدائم الذي لا يزول.
قال صاحبي: قل ما شئت، فليس الألم مما يطاق، وليس الألم من دلائل الرحمة وآيات الخلود الرحيم.
قلت: على معنى واحد إن هذا لصحيح!
إنه لصحيح إذا كانت حياة الفرد هي نهاية النهايات، وهي المقياس كل المقياس لما كان وما يكون، لكن إذا كانت حياة الفرد عرضا من الأعراض في طويل الأزمان والآباد - فما قولك في بكاء الأطفال؟ إن الأطفال أول من يضحك لبكائهم حين يعبرون الطفولة، وإنهم أول من يمزح في أمر ذلك الشفاء، وليس أسعد الرجال أقلهم بكاء في بواكير الأيام.
يا صاحبي: هذا كون عظيم، هذا كل ما نعرف من العظم، وبالبصر أو البصيرة إذا نظرنا حولنا لا نعرف العظم إلا من هذا الكون، ماذا وراء الكون العظيم مما نقيسه به أو نقيسه عليه؟ فإن لم نسعد به فالعيب في السعادة التي ننشدها، ولك أن تجزم بهذا قبل أن تجزم بأن العيب عيب الكون وعيب تدبيره وتصريفه، وما يبديه وما يخفيه، ولك أن تنكر منه ما لا تعرف، ولكن ليس لك أن تزعم أنه منكر؛ لأنه مجهول لديك.
وبسط صاحبي ذراعيه وهو ينظر حوله بالبصر وبالبصيرة معا في أجواز الفضاء السرمد، ويخيل إلى من يراه في تلك الساعة أنه يفتح بصيرته وسعها كما يفتح المشدوه عينيه وسع الأجفان، حين يحب أن يملأ العينين مما تريان، وكأنه أغمض بعد إعياء من التأمل والاستقصاء، فقال: هذه آفاق شاسعة! هذه أغوار لا يسبر لها قرار. وتساءل: أليس إلى معرفة الحقيقة من طريق غير هذه الطريق؟ أليس للرياضة الروحانية مسلك إلى هذه الآفاق والأغوار؟ إن نساك الهند على ما يبدو لي لأخبر بهذه المسالك، وأهدى في هذه الدروب؟ إنهم لا يصدعون رءوسهم بالبحوث والفروض ولكنهم يعرفون!
قلت: بل أحسب أن الطريقين مختلفان، إن نساك الهند لا يطلبون المعرفة، ولا يجعلونها غاية الغايات، فإن المعرفة قد تنال من إقرار الجسد كما تناله من إنكاره، وقد تنجم من الإقبال على الدنيا كما تنجم من الإعراض عنها، ولكنهم طلبوا الطمأنينة والراحة أو طلبوا الرضوان، وشتان بين من يطلب الرضوان، ومن يطلب المعرفة حيثما وصل إليها أو وصلت إليه.
অজানা পৃষ্ঠা