ফি আওকাত ফিরাগ
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
জনগুলি
قال الأشيب: كانت الآلهة جميعا رموزا لمعان هي قوام الحياة. لكن الأقلين منهم كانوا من الطير أو الوحش. أما أكثرهم فكانت لهم أجسام الإنسان ورؤوس الحيوان. وكثيرون كانوا أناسي رؤوسا وأجساما. وقد كان سكان الأولمب في اليونان القديمة رجالا ارتقوا إلى مراتب الألوهية، ثم ارتفعوا آخر حياتهم إلى الجبل المقدس، وأحاطت الأساطير من بعد ذلك مولدهم ومنتهاهم بأبهى الخرافات. على أنك إن استطعت أن تجد للقوة في جسم الأسد رمزا تضع عليه رأس الإنسان لتجمع الحكمة إلى القوة؛ فإنك لن تجد في غير جسم المرأة ورأسها رمزا لأسمى معاني الجمال عند الإنسان.
وهذه الجميلة التي غادرتنا من لحظة والتي نالت من كرم الطبيعة ما لم تحلم سميراميس بأكثر منه لا رمز لها إلا هي. أم ترى أن الذي يقرنه الشعراء إلى جمال المرأة في الظبي أو بقر الوحش، أو غير هذين من الحيوان يمكن أن يكون لجمال المرأة رمزا. تعالت المرأة وجمالها عما يصفون. وهاتيك الإلهات اللاتي عبدن في الماضي واللاتي نزلن من سمائهن في عصرنا هذا الذي أنزل العلم والفن فيه أقدس الأشياء لتكون معنا كن - ولن يزلن - الرمز الأسمى والتمثال الخالد الذي يحتفظ به الرجل في قلبه، ويجد فيه ما يحبب إليه الحياة وخلد الحياة.
ابتسم أصدقاؤنا جميعا لحماسة الأشيب الذي عرفناه أكثرنا هدوءا وسكينة. لكن نظرات الجميلة كانت قد فعلت به فعلها فسحرته عن نفسه، وجعلت منه عابدا متعصبا في عبادته، وقال له نجي أبيس: لكنك يا صديقي لن ترى بين إلهات قدماء المصريين من استخفت بالوفاء، وجعلت من جمالها متاعا للآلهة كافة. ولقد حدثتكم بحديث إيزيس فرأيتم مبلغ وفائها لأخيها وزوجها أوزوريس. قتله أخوه إله الشر تيفون فاستقلت البحر باحثة عن جثته. فلما عثرت بها وعاد تيفون إلى تفريق أجزائها عادت تبحث حتى جمعت الأجزاء الأربعة عشر، ثم حبست نفسها لتعيد إلى إله الخير حياة الخلد. وعملها هذا آية في الوفاء من امرأة، وهو خير مثل لما يجب أن تكون عليه الآلهة. •••
وبدأ الحديث يدور بعد ذلك حول إيزيس. فقال صديقنا الشاب: ألا ترون أن نصنع ما صنعه جيراننا، فنمتطي الماء زمنا نروح فيه عن أنفسنا ونناجي أثناءه إلهة الوفاء والجمال.
ونادى الذي دعانا إلى الشاي غلام الفندق فنقده حسابه. وقمنا إلى نزهتنا فأقلنا قارب وسعنا جميعا. ودار حديثنا حول عبادة إيزيس في مصر وروما واليونان.
خالد أو سبيل اليقين
... ولم يكن في الواحة إلا خالد وأهله، لجأ إليها بعد أن سلخ من عمره سبعين عاما قضى شطرا منها في أعمال الحكومة، وشطرا في المتاجر. أما سنو شبابه فقضاها في القصف والغزل. وكان عيشه في هذه الواحة مثال التقشف والزهد، وكان المحيطون به دائمي الإحساس بشيء من الملال، ولولا كتبه ومكتبته لوقع هو الآخر فيما وقعوا فيه، لكنه اعتزلهم إلا عند الحاجة، وعكف على مكتب له من الخشب الأبيض قديم، يغطيه مشمع أخضر عليه بقع شتى من الحبر، فلا يتركه إلا ليسير تحت أشجار النخيل المنتشرة في الواحة يقرأ آونة ويحدق بالسماء الصافية أخرى.
وكان همه الأكبر من قراءته أن يصل إلى عزاء عن الحياة بعد إذ قضى الحياة ضاحكا من الحياة وما فيها، هازئا بالسرور والألم، ساخرا من الأمل واليأس، معظما للرجل محتقرا للجماعة. وطالما ناوأته الهموم كأنما تريده على التكفير عن ذنب فرط منه لا يعرف ما هو ... ثم تراجعه نفسه القديمة القوية الشابة، فيضحك من نفسه العجوز الخائفة من الموت، المحبة للحياة، الطامعة في العيش المهتمة له وقد كانت تعتبره سخرية وهزوا.
فإذا انقضى النهار ولم يدرك غرضه ولم يتعز عن الحياة تسخط واستشاط، ودخل إلى قومه وكله الغيظ. فإذا دنا منه أحد علا غضبه وتطاير في كل صوب شرره، وأسمع الفضاء المحيط به أنات ألم تقض مضجع من حوله.
وكثيرا ما كان يقول لهم: «غدا أموت ولم أكسب من حياتي شيئا، وتدفنونني وكلكم جذل أن سيرجع إلى حريته، فيترك وحدة الصحراء إلى بهجة المدن، وأبقى أنا هنا وحيدا تحيط بروحي المنفردة أرواح المساء الصامتة، فأكون بينها أشد صمتا ووجلا. وتذهبون أنتم إلى القاهرة وإلى الإسكندرية ترقصون وتطربون، وإذا جن الليل تهيمون. ألا ما أضيع حياتي وما أشد كفرانكم.» فتسكن ثائرته عائشة ابنته ببعض كلمات رقاق ترسل بها كأنها نغمات الكمنجا تسلي العجوز عن بعض همه، فيلمس بيده الناشفة على يد ابنته الشابة اللينة، ويستزيدها ولا هم له إلا أن يسمع رنين صوتها على موجات الهواء. فإذا تخدرت أعصابه بهذه النغمات نادى: «يا باترا» فجاءت الخادمة وهي أرشق ما تكون قواما وأحلى ما تكون نظرة، فوقفت أمامه وبقي هو يحدق بها ويستدنيها منه ... ثم يأخذه بعد ذلك دوار وذهول يستيقظ منه جزعا مناديا ربه، مستغفرا عما سلف، مستعيذا بالآلهة، مستمدا عونهم. ثم يقوم إلى ظل نخلة كبيرة حيث يبقى في شبه الذهول ساعة أو ساعتين.
অজানা পৃষ্ঠা