الإيمان بالشخصية المصرية عقيدة يخفق بها قلب المصري، كلما تواثبت مياه النهر المقدس منسابة من مجراه الأزلي.
وهو روح الحياة، يتنفسه المصري كلما هبت نسمات الوادي، مطيفة بمعالم المجد الأدبي في جنباته، حاملة من أعطاف تلك الشخصية المصرية عبير الخلود، الذي أخضع الدهر وقهر الزمان.
وإيمان الحي بنفسه هو فيه رغبة الحياة التي تمسك عليه كيانه، وتحفظ وجوده، والحي بغير هذا الإيمان لقي مضيع، وجماد ممتهن، وحي ميت.
ولو كان درس الأدب المصري عملا ينبعث عن هذه العقيدة، وحاجة تدفع إليها الحياة الشاعرة بنفسها؛ لكان هذا الأدب المصري وحده هو مادة الدرس الأدبي في مصر، المعتدة بشخصيتها، لا تؤثر غيره عليه، بل لا تعرف سواه معه.
ولو كان درس الأدب المصري وفاء بحق الوطن، وأداء لواجب كلية الآداب في الأرض المصرية؛ لكان هذا الأدب المصري وحده هو ما تعرفه قاعات الدرس في تلك الكلية، لا يرتفع فيها لغيره صوت، ولا يسمع لسواه ركز، إلا على أنه لون من الترف الدراسي، والتوسع الجامعي، بعد أداء الواجب الأول، والوفاء بالحق الأقدس.
ولو كان درس الأدب المصري، يأخذ مكانه بين بواعث النهضة المصرية ومقوماتها؛ لكانت العناية بهذا الأدب المصري أولى خطوات النهضة، كما جرت بذلك سنة الحياة، إذ تسبق نهضات الفنون سائر النهضات في الأمم، ثم تليها غيرها من النهضات بعد أن يكون الفن قد مهد له. وبهذا شهد التاريخ انبعاث الأمم في الشرق والغرب جميعا.
ولو كان الأدب المصري يأخذ مكانه بين مواد الدرس التي تلزم المناهج الصحيحة العناية بها والعكوف عليها؛ لكان درس هذا الأدب المصري هو ما يستطيعه المصري قبل غيره، ودون غيره؛ إذ يتولى ذلك الدرس في بيئته التي هو صاحبها وربيبها، وأقدر الناس على فهمها، وذو العيان شاهد فيها، والاختبار الممارس لها. فلو لم تكن الجامعة مصرية إلا بقدر ما هي في أرض مصر، لكان من الأجدى على دراستها أن تعكف على أقرب ما حولها من المصادر، وتعنى من ذلك بما تلمس مثله الحاضر وماضيه الجاثم.
ولو كان درس الأدب المصري لونا من التجدد المساير للحياة؛ لكان هذا الأدب المصري هو مظهر تجدد المشاركين في الحياة، وأقرب سبيل إلى الاتصال بها؛ لأن الحياة الوجدانية في الأمم هي أقوى ما يحس به أفراد الأمة جميعا، أو أكثر ما يكون اشتراكهم فيه جميعا. فالفلسفة مثلا تنفرد بها خاصة قليلة، والعلم تعنى به قلة متميزة، وكذلك صنوف النشاط المختلفة، تختص بكل واحد منها بيئة بعينها، على حين يشترك أولئك جميعا في حياة وجدانية شاملة، يلتقي في الانفعال بها الصغار والكبار، والخاصة والعامة، وأصحاب النظر والعمل.
وهكذا كلما قلبت الرأي، وجدت جميع الاعتبارات النفسية، والوطنية، والفنية، تقضي بتوافر العناية بهذا الأدب، بل تؤذن بإفراده وقصر الهمة عليه دون غيره، إلا ما يكون من ذلك وسيلة إلى فهم هذا الأدب وتمثله، أو ما يكون توسعا في الدرس، ورفاهية فيه، بعد ما لا بد للدارس منه.
إن وراء تلك الاعتبارات التي أشرنا إليها آنفا حقائق يقضي بها المنهج المحرر، المسلك الصحيح في بحث الأدب؛ وهي حقائق تقضي - في إصرار وتأكيد - بأن تخصيص هذا الأدب بالدرس هو الأسلوب الصحيح، والخطة التي يجب أن تلتزم دون غيرها. وقد عرضت لهذه الملاحظة المنهجية منذ سنوات
অজানা পৃষ্ঠা