ফি আদাব মিসর ফাতিমিয়্যাহ
في أدب مصر الفاطمية
জনগুলি
55
ويطول بنا الأمر لو طالبنا بكل شعر الشعراء الذين كانت تزخر بهم مصر الفاطمية، إنما ذكرنا هذه الأسماء على سبيل المثال لا الحصر، لنعرف مدى هذه الخسارة التي لحقت بتاريخ الأدب المصري لضياع هذه الثروة الأدبية المصرية، ولندل على أن مصر الفاطمية كانت غنية بشعرائها، خصبة في شعرها.
هناك جناية أخرى ارتكبها الثعالبي والباخرزي والعماد وابن سعيد المغربي وغيرهم من المؤلفين الذين أرادوا أن يحفظوا في كتبهم شيئا من الشعر، فعمدوا إلى عدة أبيات من قصيدة، ولم يدونوا كل القصيدة، فقد اكتفوا بمقطوعة من بيتين أو أكثر لكل شاعر، وقل أن نجد قصيدة كاملة في هذه الكتب، مما جعلنا لا نستطيع أن نكون حكما صحيحا على فن الشاعر من هذه المقطوعات التي رويت له؛ لأن الناقد المدقق مهما بلغت مقدرته الفنية، واتسعت ثقافته الأدبية، وارتقى ذوقه الأدبي، لا يستطيع أن يحكم على شاعر بمقطوعة من قصيدة، أو بقصيدة واحدة من ديوان، وإلا كنا كالقدماء الذين كانوا يفضلون شاعرا على شاعر ببيت شعر قاله. فهؤلاء الكتاب الرواة كانوا من عوامل ضياع الشعر القديم، كما هم في الوقت نفسه من عوامل حفظ بعضه.
ومهما يكن من شيء، فإن بين أيدينا الآن بعض آثار لحياة الشعر في العصر الفاطمي، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن العصر الفاطمي كان خصبا في إنتاج الشعر، بحيث استطاع شعر مصر الفاطمية أن يقف بجوار غيره من الشعر في الأقطار الإسلامية في أرقى عصوره وصوره، فالعوامل التي تحدثت عنها، والآثار التي وصلتنا، وما قاله الرواة عن شعر مصر، كل ذلك يجعلنا نقول: إن شعر مصر الفاطمية كان يحتل هذه المكانة الممتازة في الحياة الأدبية، ويتطور هذا التطور الذي نلمسه في العصر الفاطمي.
الفصل الثاني
الشعر والأئمة
ذكرنا أن الفاطميين جاءوا بمصر يحملون مذهبا دينيا خاصا يختلف عن العقائد التي كان يدين بها المصريون، وأن للمذهب الفاطمي مصطلحات خاصة لا يعرفها غير المنتسبين لفرقتهم، ولا يفهمها غيرهم، فكان لهذه العقائد الفاطمية تأثير قوي في شعر مصر الفاطمية، ذلك أن الشعراء الذين اتصلوا بالأئمة كانوا يمدحون هؤلاء الأئمة بالصفات التي صبغها المذهب على الأئمة، ويتعمد الشاعر أن يستعمل في شعره المصطلحات التي اصطلح عليها علماء المذهب ودعاته، وكلما أمعن الشاعر في استخدام هذه المصطلحات، وإدخال هذه الصفات في شعره، ازدادت قيمة الشاعر عند الأئمة وكبار رجال الدعوة، وكثر عطاؤه وزاد جاريه، فكان الشعراء على هذا النحو دعاة للأئمة والعقائد دون أن يكون لهم في مراتب الدعوة شأن.
وفي الوقت نفسه كان الشعراء سبب اتهام المذهب الفاطمي بالغلو والميل إلى الخروج عن تعاليم الإسلام؛ ذلك أن الشعر أسرع في الانتقال على أفواه الناس من كتب العلماء، فإذا كانت كتب الدعاة لا يقربها إلا أتباع مذهبهم، وأن مجالس حكمتهم لا يحضرها إلا من استجاب لهم، فالشعر يختلف عن ذلك كله، فإنه يسير بين الناس ويرويه الرواة، فإذا سمع مستمع إلى تلك الأبيات التي زخرت بعقائد الفاطميين دون أن يكون له إلمام بعقائد المذهب وما فيها من تأويلات باطنية، فهو لا يستطيع أن يدرك معنى ما جاء في هذا الشعر، وما قصد إليه الشاعر في مدائحه، ومن هنا يتهم الشاعر ويتهم المذهب نفسه، وقد رأينا كيف وصف العماد الأصفهاني شعر بعض شعراء الدولة الفاطمية، ونقرأ الآن أقوال النقاد والمؤرخين عن ابن هانئ الأندلسي، وما وصف به من شدة الغلو في مدح الأئمة حتى رماه بعضهم بالخروج عن الدين جملة، فلو كان هؤلاء النقاد يعرفون التأويل الباطني لأقوال ابن هانئ، أو أنهم حاولوا معرفة ما أراده الشاعر وقصد إليه ، لرأيناهم يرجعون عن كثير مما اتهم به الشاعر، وذكرنا أن هذا من الأسباب التي أدت إلى ضياع شعر مصر الفاطمية، ولا سيما هذا اللون من الشعر الذي ملئ بالعقائد، والذي قيل في مدح الأئمة، ولكن من حسن الحظ أننا عثرنا على ديوان المؤيد في الدين داعي الدعاة، وديوان الأمير تميم بن المعز، وقصيدة في مدح العزيز، وكانت هذه النصوص في مكتبات رجال البهرة بالهند.
ففي مجموعة أشعار الإسماعيلية قصيدة تكاد تكون فريدة في نوعها في الشعر العربي كله، وهي لشاعر مجهول من شعراء العزيز بالله، وتنسب هذه القصيدة أحيانا إلى المؤيد في الدين،
1
অজানা পৃষ্ঠা