ফি আদাব মিসর ফাতিমিয়্যাহ

মুহাম্মদ কামিল হুসাইন d. 1380 AH
104

ফি আদাব মিসর ফাতিমিয়্যাহ

في أدب مصر الفاطمية

জনগুলি

ومن هذه الأمثلة التي ذكرناها عن حركة العلوم الطبية في مصر، ندرك مقدار نشاط هذه العلوم وازدهارها إبان حكم الفاطميين، وأن مصر استطاعت في هذا العصر أن تنافس غيرها من الأقطار الإسلامية في مضمار هذا العلم، فوفد عليها عدد من الفلاسفة نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: أمية بن أبي الصلت الأندلسي، جاء مصر سنة 489ه وظل بها إلى أن نفاه الأفضل بن بدر الجمالي سنة 509ه، وكان أمية عالما في فنون مختلفة، شاعرا فحلا، وأديبا ممتازا بجانب علومه الفلسفية، سجنه الوزير الأفضل فصنف وهو بالسجن رسالة العمل بالأصطرلاب، وكتاب الوجيز في علم الهيئة، وكتاب الأدوية المفردة، وكتابا في المنطق، وآخر سماه الانتصار في الرد على ابن رضوان في رده على حنين بن إسحق. وكان له تلاميذ بمصر نذكر منهم: أبا عبد الله الشامي، وسليمان بن الفياض الإسكندراني، وروى عنه ظافر الحداد وغيرهم، وسنتحدث عن أمية في باب الشعر من هذا الكتاب.

ومن أشهر الفلاسفة الذين تحدثوا في الإلهيات في هذا العصر: أحمد حميد الدين بن عبد الله بن محمد الكرماني، ويعرف في الدعوة الإسماعيلية بحجة العراقين، وفد على مصر في عهد الحاكم بأمر الله. فهو يقول في رسالته «مباسم البشارات بالإمام الحاكم»: «فإني لما وردت الحضرة النبوية مهاجرا، والسدة العلوية زائرا، ورأيت السماء قد أظلت بسحاب عميم، والناس تحت ابتلاء عظيم ...»

50

ويخيل إلي أنه وفد على مصر عقب ثورة الدرزي، وظل بمصر نحوا من عشر سنوات، وصنف بها عدة رسائل منها: «الرسالة الكافية» في الرد على الشريف الهاروني الحسني، والرسالة الواعظة في الرد على الفرغاني ابن الأخرم أحد دعاة الدرزية، ورسالة مباسم البشارات بالإمام الحاكم، ورسالة الصوم ... وغيرها . وإذا قرأنا رسائل الكرماني وكتبه نجده يتحدث في الفلسفة الطبيعية والإلهية كما في «راحة العقل»، وفي الفلسفة الإلهية كما في «الرسالة الدرية»، ورسالة النظم في مقابلة العوالم، ورسالة الرضية في جواب من يقول بقدم الجوهر وحدوث الصورة، والرسالة الحاوية وهي في البحث عن أيهما أسبق الليل أم النهار ... وهكذا؛ نجد الكرماني تحدث في جميع أقسام الفلسفة، ولا سيما في كتابه «راحة العقل» الذي يعد من أقوم كتب الفلسفة في العصر الفاطمي، فهو في هذا الكتاب تلميذ من تلاميذ الفلسفة اليونانية المصطبغة بالصبغة الإسلامية على المذهب الفاطمي. وحديثه عن إبداع العقل الكلي وصفاته وخصائصه، وانبعاث النفس الكلية وصفاتها، وعن العالم الروحاني، وعالم الكون والفساد، يدل على أن الكرماني كان من أكبر الباحثين في هذه الموضوعات الفلسفية، ولا غرو أن كان لهذا الداعي أثره في تاريخ المذهب الإسماعيلي إلى اليوم، فكل من جاء بعده أخذ عنه، واقتبس من رسائله وكتبه.

مما سبق نستطيع أن نكرر ما قلناه من أن العلوم الفلسفية ازدهرت في العصر الفاطمي ازدهارا لا نجد له مثيلا في الأقطار الإسلامية الأخرى، بل نجد غير الفاطميين كانوا يجنحون إلى اعتبار الدراسات الفلسفية دراسة إلحادية، وأن القائمين بها من العلماء زنادقة، ولكن الفاطميين كانوا أوسع أفقا في تفكيرهم، وكان مذهبهم يقوم على الفلسفة، فجمعوا إليهم علماءها، وعقدوا مجالس المناظرات بينهم، فازدهرت بذلك الحركة العلمية، وقوي البحث للوصول إلى معرفة الحقيقة، مستعينين بالمنطق وآراء الفلاسفة الأقدمين.

الفصل الثاني

علوم اللغة العربية والفقه

(1) علوم اللغة والنحو

بجانب هذه الدراسات الفلسفية التي ازدهرت بمصر الفاطمية، كان هناك دراسات عربية في علوم اللغة والنحو، ورواية للأدب القديم وشرحه ونقده، وكانت هذه العلوم تسير جنبا إلى جنب مع غيرها من الدراسات التي أقبل عليها العلماء والمتعلمون في مصر، وكان هؤلاء العلماء كعبة يفد إليها طلاب العلم من البلدان الإسلامية الأخرى للاستفادة من علماء مصر والرواية عنهم.

لم تكن هذه الدراسات العربية جديدة على مصر، فقد ذكرت في كتاب «أدب مصر الإسلامية» أن هذه العلوم وجدت في مصر منذ بدأ المسلمون في مصر يقرءون القرآن الكريم عن الصحابة والتابعين، ويهتمون بإعجامه على نحو ما فعله أبو الأسود الدؤلي وعبد الله بن أبي إسحق، حتى إذا دون علم النحو وظهر كتاب سيبويه ونحاة الكوفة والبصرة، أقبل المصريون على الأخذ عنهم، واطرد نمو هذا اللون من الدراسة حتى غمرت مصر، وفاضت على غيرها من بلدان المغرب والأندلس، وقد استمر تيار هذه الدراسات بمصر في العصر الفاطمي والعصور التي تلته، وكثر العلماء الذين انقطعوا إلى هذا العلم وعرفوا به، وقد ذكرنا كيف كان الخلفاء الفاطميون يشجعون هذه الدراسات، ويحبسون المرتبات للعلماء، وكيف حرصوا على اقتناء الكتب اللغوية والنحوية، وجعلوها مع غيرها من الكتب بين يدي العلماء والمتعلمين، فلا غرو أن رأينا عددا كبيرا ينبغون في هذه العلوم، ويصنفون كتبا كثيرة في هذه الفنون، ويكفي أن نلقي نظرة على كتب التراجم لندرك كيف أقبل الناس على هذه الدراسات، وكيف تضاعف عدد الكتب التي ألفت فيها.

অজানা পৃষ্ঠা