وظنت إنجلترا حين منيت بهزيمة رشيد أنها تستطيع أن تنشر نفوذها عن طريق الإرساليات التبشيرية والتعليمية كما فعلت فرنسا، وأن تمهد لها الإرساليات سبيل التدخل السافر في شئون مصر، كما مكنت لها شركاتها التجارية غزو الهند واحتلالها، فأرسلت أول بعثة تبشيرية إلى مصر سنة 1840، وجاءت البعثة الإسكتلندية البروتستانتية وفتحت لها مدرسة بالإسكندرية، وتلتها بعثة أخرى سنة 1860 برئاسة "مس وتلي" كريمة رئيس أساقفة "دبلن"، ووهبت هذه الفتاة حياتها ونشاطها للمهمة التي اغتربت من أجلها وسعت جهدها للنجاح في تعليم الفتاة المصرية، وأسست مدرسة بالقاهرة لهذه الغاية ولاقت صعوبات جمة، وعناء شديدا في حمل المصريات على الاستجابة لندائها، ولكنها صابرت وثابرت، من غير أن تعرف التبرم والسخط والملل عشر سنوات كاملة # بدت لها بعدها تباشير النجاح، فغص معهدها بالتلميذات، وشجعها الخديو إسماعيل بأن وهبها قطعة أرض رحبة بالفجالة وأمدها بالمال اللازم لتشيد هذه المدرسة فصارت من أرقى مدارس مصر وأقبل عليها الفتيات المصريات والأجنبيات، ولا سيما بعد أن فتح إسماعيل المدرسة السنية سنة 1873 تشجيعا على تعليم البنت، ووضعها تحت رعاية إحدى زوجاته.
ولم تكن المدارس الإنجليزية وحدها مصدر الثقافة الإنجليزية بمصر، بل ساعدها في ذلك الميدان مجيء أول بعثة أمريكية في الشرق سنة 1855، في عهد سعيد، وكان ميالا بطبعه للأجانب، يمنحهم تشجيعه ومساعدته. واتخذت البعثة الأمريكية مقرها بالقاهرة، ودأبت في جد وحرص على نشر رسالتها في جميع أرجاء مصر والشرق العربي، تؤيدها الأموال الأمريكية الطائلة، والأسباب التربوية الحديثة ، ولم تدع عاصمة من عواصم القطر، بل ولا مركزا مهما من مراكزه إلا أسست فيه فرعا ومدرسة تنشر تعاليمها، حتى وصل عدد مدارسها في سنة 1932 إلى ما يزيد على اثنين وأربعين مدرسة، بها ما يربو على 6994 تلميذا وتلميذة1.
وعلى الرغم من كل ذلك فقد ظل نفوذ الإنجليز الأدبي والثقافي بمصر محدود الأثر، لا يستطيع مغالبة النفوذ الفرنسي، إلى أن جاء عهد الاحتلال على أثر الثورة العرابية في سنة 1882؛ وقد أفضنا في الحديث عن هذه الثورة وكيف دخل الإنجليز مصر وذكرنا الأسباب الواهية التي حاولوا أن يسوغوا بها هذا التدخل الذميم أمام مصر، وأمام دول الغرب التي كانت تقف لهم بالمرصاد2.
পৃষ্ঠা ১৬