ফয়সাল প্রথম: ভ্রমণ ও ইতিহাস
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
জনগুলি
وقد كان فيصل شريفا شريفا، لا ينزع إلى القوة في التملك، كبعض الأشراف، ولا يدعي ما ليس له، وكان تقيا نزيها متواضعا، لا يشرب الخمر، ولا يقامر، ولا يجنح إلى البدع في الملذات. ولو كان فيصل من الذين يغالون في تقديرهم النسب النبوي، فيبرز شعورهم به إلى حد الإساءة إليه، لكان في أحكامه مستبدا مثل أبيه، وفي تشبثاته شاذا مثل الإمام يحيى، ولو كان مواظبا على السنة مثل ابن سعود لكان أمره في أكثر الأحايين مستغربا مضحكا.
كان فيصل مسلما سنيا حنفيا صادقا وكفى، بل كان لبلورة إيمانه سطوح متعددة، تنعكس فيها أنوار المذاهب الإسلامية الأخرى انعكاسا صافيا، وقد كنت أشعر في محادثته أن لعقيدته الدينية بطانة من التساهل الذي يتخلله الاحترام لسائر الأديان في العالم. هو رجل من رجال العالم الكبار، وهو مسلم يندر مثله بين حكام المسلمين؛ فقد كان في تعقله واعتداله مثال الحكمة العالية، وفي رحابة صدره وتساهله مثال الحب والإخلاص.
ذكرت في مطلع الكتاب أن فيصلا تربى في المضارب تربية عربية بدوية، عملا بتقليد للبيت الهاشمي يراد منه أن ينشأ أبناؤه أصحاء أشداء، أن يخشوشنوا مثل البدو، ويتشربوا في البادية روح الحرية والإخاء، نعم التقليد، ولكن إقامة فيصل في الأستانة سبع عشرة سنة، في بلهنية العيش، وفيما يجوز أن يدعى الأسر، أفقدته - على ما يظهر - ما اكتسبه في البادية من القوة والنشاط، فما كان فيصل مستمتعا على الدوام بتمام الصحة والعافية، وأن تلك القوة التي كانت تمكنه من الاستمرار في جهاده السياسي إنما هي قوة عصبية ومعنوية، منشؤها الإرادة والعزم، فقد تحمل في الحرب ما يتحمله البدو من مشقات البادية، وبدت قواه هذه في أشد مظاهرها وأروعها، ولكنه كان يؤثر الرأي على الشجاعة، ويقول: «النصر يبدأ بالإدارة والتدبير.»
الملك فيصل الأول في الكوفية.
الملك فيصل الأول كما رسمه الفنان أوغسطس جان وقد اشترى هذه الصورة متحف برمنغهام.
يصح أن نقول إنه ما كان من رجال الحرب الكبار، بل كان أولا وآخرا رجلا مفكرا، والفكر صنو السلم. وقد كان الملك فيصل في حبه وجهاده من أجل السلم، شجاعا غير هياب، وشهما كريما لا يذكر الحساب، لولا ذلك لكان اضطرم الدم العربي القرشي مرارا في عروقه، وخصوصا يوم خانه السياسيون وانقلب عليه المعاهدون، فحمله على عمل يبرر ولا يحمد فيه البلاء لخصوم العرب وللعرب أنفسهم، علي وعلى أعدائي، ولكنه كان يأبى أن يكون مدمرا.
إن التاريخ حافل بالنكبات التي منشؤها عنجهية الملوك وحماقتهم. أما فيصل فقد كانت الحماقة بعيدة منه بعد العنجهية، وكان حب الذات عنده رمزا لحب أسمى، رمزا لحب قومي، رمزا لحب أمته العربية. في سبيل هذا الحب ، وفي سبيل السلم المؤيد له، كان يتحمل فيصل ما لا يتحمله رجل آخر في منزلته. وكان يكظم الغيظ، وينكر النفس؛ توصلا إلى أغراضه.
إنما هذا شأن الرجل الحكيم الخبير، البارع في معالجة الأمور المتوقدة، وفي حل المشاكل المتعقدة، بل هذا شأن الرجل العظيم في السياسة. ومما لا ريب فيه أن فيصلا كان من أعظم السياسيين في الشرق الأدنى، ومن أكبر العاملين من أجل السلم في العالم؛ يكفي ما قام به لتوطيد الصلات السلمية بين العراق الجديد والبلدان المحيطة به؛ فقد تغلب بالحكمة والشهامة، وبالإخلاص ليقينه ولوطنه، على النزعات الحربية في جارات العراق الثلاث: تركيا وإيران ونجد.
أجل، إن في مصالحته لحكومات هذه البلدان، وفي زياراته لأنقرة وطهران وباريس، وفي مساعيه الموفقة لتوثيق عرى الولاء بينه وبين خصومه بالأمس، بينه وبين ابن سعود ومصطفى كمال ورضا خان والفرنسيس أنفسهم، إن في هذه الأعمال الجليلة ما يستوجب الكثير من ترويض النفس، ومغالبة الأهواء، ومن الشهامة وكرم الأخلاق. إن فيها ما يوجب علينا أن نقرن اسمه بأسماء شتراسمان وبريان ورمزي مكدونلد، بل إن فيها ما كان يؤهل ملك العراق لجائزة «نوبل للسلم».
حدثني فيصل عن اجتماعه بعبد العزيز ابن سعود قال: «لو كان الخلاف خلافا شخصيا بيني وبين ابن سعود، وتلاقينا واحتربنا، وقتل أحدنا، وانتهى الأمر؛ فلا بأس. أما أن نجر العرب لقتل العرب من أجل أنفسنا؛ فهذا عيب والله، بل إثم كبير! نحن الملوك والأشراف أمناء على مصالح هذه البلاد العربية؛ فمن العيب، بل من الإثم، أن نسلك المسلك الذي لا تستقيم فيه غير مصالحنا الخاصة؛ لأننا ملوك وأشراف. من العيب أن نستخدم قوة الأمة لتعزيز مقام ملك أو مقام شريف فيها. وعندما تتغلب مطامع الملك الشخصية على وطنيته يحق للأمة إذ ذاك أن تحاسبه، بل ذلك واجب عليها.»
অজানা পৃষ্ঠা