Harmonics » لبطليموس؛ أسهم بطريق غير مباشر في الموسيقى المسيحية؛ ذلك لأن أفلوطين لم يشر إلى المسيحيين في كتاباته، وربما كان قد تباعد عنهم بوصفهم طائفة ذات معتقدات غريبة تختلف عن معتقداته، أما فرفوريوس فقد كان مدافعا متحمسا عن الوثنية، وخصما لدودا للمسيحية، ولكن من الغريب مع ذلك أن دفاعه الحار عن الزهد قد أدى به إلى تأييد الموقف المسيحي بمهاجمته للمتعة الحسية التي تقدمها إلينا الموسيقى، وقد شبه تأثير المناظر الدرامية والرقصات، بما فيها من موسيقى، بتأثير سباق الخيل. وقد رأى فرفوريوس، مثل أفلوطين، أن الخلق الموسيقي يرجع أصله إلى مجال أعلى، ولا يصدر عن المسرح. ومن هنا فإن تدنيس الموسيقى بالهبوط بها إلى مستوى حسي أو إثقالها بأوزار الإثم إنما هو خطيئة في حق العالم المثالي. على حين أن التهذيب الموسيقي الصحيح كفيل بتقريب الإنسان من هذا المثل الأعلى.
على أن النظرية الأفلاطونية القائلة: إن النظام الموسيقي شبيه بالنظام الأخلاقي السائد في الكون، وإن الموسيقى تستطيع أن تهذب نفس الإنسان إذ اقتصر على سماع الموسيقى المعدة إعدادا سليما؛ هذا الرأي قد تعرض في العصر اليوناني-الروماني لانتقادات بعض الفلاسفة ذوي العقليات التجريبية، مثلما انتقده أرسطوكسينوس وثيوفراسطس في العصر اليوناني؛ ذلك لأن سكستس إمبريكس
Sextus Empiricus
الفيلسوف اليوناني الشكاك، الذي نشر تعاليمه حوالي عام 200 الميلادي، قد طرح هذه التشبيهات الأفلاطونية جانبا، بوصفها أساطير فلاسفة تأمليين، وكتب يقول: إن الموسيقى فن للأنغام والإيقاعات لا يدل على شيء عدا ذاته، والمعيار الوحيد الذي ينبغي أن يحكم به على الموسيقى هو المتعة الحسية التي تثيرها الأصوات الموسيقية فحسب.
ولقد ظهرت في القرون التالية شخصيات أخرى أعربت عن شكها في النظريات الأفلاطونية في الموسيقى، ولكن قليلا جدا من هؤلاء كانوا من الفلاسفة المعروفين الذين تركوا مؤلفات تاريخية لها قيمتها. ومن جهة أخرى فقد تولى أوغسطين وبويتيوس
Boethius ، وهما فيلسوفان بارزان في العصور الوسطى، مهمة نقل فلسفة أفلاطون الجمالية في الموسيقى إلى العالم الغربي بحماسة دينية وفلسفية. وكان الاختلاف مع آراء أوغسطين أو الشك في أفكار بويتيوس في الموسيقى مساويا للمروق من المسيحية وللجهل بالفلسفة.
الفصل الثاني
الموسيقى في العصور الوسطى
القسم الأول: آباء الكنيسة
إن ما نعرفه عن موسيقى الحضارة الغربية في الاثني عشر قرنا التي بدأت بميلاد المسيح، وامتدت حتى ظهور النزعة الإنسانية المدرسية في القرن الثاني عشر ليزيد عما نعرفه عن الموسيقى اليونانية في الاثني عشر قرنا التي بدأت بعصر هوميروس، وانتهت بتدهور الحضارة اليونانية. غير أن معرفتنا بالموسيقى الفعلية في القرون المسيحية الأولى أقرب إلى أن تكون ضربا من التخمين؛ إذ ليس لدينا من الموسيقى الدينية أو الدنيوية الحقيقة في هذه الفترة إلا القليل، إن كان لدنيا منها شيء على الإطلاق. غير أن حظنا أسعد إلى حد ما بالنسبة إلى الموسيقى الدينية والدنيوية التي حفظت لنا في صورة معدلة منذ النصف الأخير من العصر الوسيط. ولا جدال في أن ما تراكم لدينا من مخطوطات العصور الوسطى أوفر مما لدينا من سجلات الموسيقى اليونانية، التي لا نملك منها إلا شذرات قيمة قليلة العدد. ومع ذلك فمن واجبنا أن نرجع إلى كتابات آباء الكنيسة وفلاسفة العصور الوسطى في روما الوثنية، مثلما رجعنا إلى الفلاسفة اليونانيين في دراستنا للموسيقى القديمة، وإن شئنا أن نلم بخصائص الموسيقى في العصور الوسطى ودلالتها الجمالية. ولقد عرف عن العلماء المتخصصين في موسيقى العصور الوسطى أنهم كانوا يكرسون حياتهم كلها للبحث في بعض الفروع التي ستتناولها أقسام هذا الفصل. ومن هنا لم يكن لنا أن نأمل، في هذا الفصل الذي سنحاول فيه أن نتعرض بالترتيب الزمني لفترة من التفكير الموسيقى تقرب من ألف ومائتي عام، في شيء يزيد على تأكيد التيارات التاريخية، وتقديم عرض متواضع للآراء الموسيقية لأولئك اللاهوتيين والفلاسفة، الذين كتبوا عن طبيعة الموسيقى ومعناها في تلك الفترة.
অজানা পৃষ্ঠা