45
وهكذا انتهى أرسطو إلى القول بأن الموسيقى لا تقتصر على تصوير المظهر الخارجي للشعور والسلوك الإنساني، وإنما تمثل الدلالة الباطنة والحياة الانفعالية لأحوال الإنسان وأفعاله على نحو يفوق تمثيل أي فن آخر لها.
القسم الرابع: أرسطوكسينوس والفيثاغوريون
كان أفلاطون يؤمن بأن للموسيقى القدرة على تشكيل الشخصية. وكان يرى أن الموسيقى الرديئة يمكن أن تبعث في النفس أحوالا فاسدة تساعد على تكوين شخصية شريرة؛ لذلك أكد ضرورة تعليم حراس الدولة تعليما موسيقيا سليما، حتى يمكنهم أن يكشفوا ويستبعدوا الموسيقى التي وضعت لنص غير ملائم لها، أو الموسيقى التي تحاول محاكاة أصوات غريبة عن طبيعتها، وهو أمر لا يمكن أن ينجم عنه إلا تقليد فج للظواهر الفعلية فحسب. وقد حرص أفلاطون قبل كل شيء على تنبيه الكبار إلى أنهم ينبغي أن يبدوا الاحتقار الكامل للموسيقى التي تهدف إلى إظهار البراعة الفنية في العزف على الآلات فقط، وتكون في الوقت ذاته بعيدة عن معنى الألفاظ. ولم يكن أفلاطون يثق كثيرا في قدرة المواطن العادي على تمييز الموسيقى الجيدة من الرديئة، أو في إمكان الوثوق من الجماهير في المسائل المتعلقة بالذوق الموسيقى؛ لذلك ينبغي أن يتلقى حراس الدولة تعليما موسيقيا أفضل من تعليم عامة الناس لا في العزف البارع على الآلات، وإنما في فهم طبيعة الموسيقى، وتأثيرها في سلوك؛ إذ إن الكبار هم الذين تقع على عاتقهم تلك المهمة الدقيقة، مهمة الاختيار بين الموسيقى الجيدة والرديئة.
أما أرسطو فكان في معظم الأحوال مرددا لنظريات أفلاطون في الموسيقى، وقد اهتم، مثل أفلاطون، بالجوانب العددية للأصوات الموسيقية. وكانت الأفكار التي قدمها عن التركيب النغمي وعلم الأصوات أكثر تقدما من أفكار أي يوناني آخر باستثناء تلميذه أرسطوكسينوس
Aristoxenus .
ولقد تجنب أرسطوكسينوس (الذي ولد في حوالي 354ق.م.) المشكلات الأخلاقية والتفسيرات الرياضية الخالصة للموسيقى التي تمسك بها كل من أفلاطون وأرسطو. وكان يعتقد أن الحس والعقل؛ أي القدرة على السماع والقدرة على التمييز، لا بد أن تتيح للمرء أن يحكم بنفسه على الموسيقى بأنها جيدة أو رديئة. صحيح أنه وافق على أن لبعض الأساليب الموسيقية أوجه شبه مع حالات أخلاقية معينة،
46
ولكن هذا التشابه ينبغي ألا يفهم حرفيا أو يبالغ فيه.
ولم يكن أرسطوكسينوس بدوره شديد الحماسة للتجديدات الموسيقية في عصره؛ فقد شكا من أن كثيرا من الأعمال الموسيقية الجديدة قد فقدت جديتها وبساطتها، وزادت الزخارف الصوتية حتى لم يعد من الممكن تمييز اللحن الأصلي، وكانت المقامات تتغير بسرعة زائدة، وتفتقر إلى الترابط والاتصال. أما الموسيقى المصاحبة فكانت تسير في طريقها الخاص، وكثيرا ما كانت صاخبة مليئة بالضجيج. ومن هنا فإنه وصف كثيرا من الأعمال الموسيقية الجديدة بالانحلال، كما فعل أفلاطون وأرسطو من قبله.
অজানা পৃষ্ঠা