من الدولة؛ لأن فيهما ميوعة وتخنثا يبعث الانحلال في الأخلاق. أما المقامان الدور
Dorian
والفريجي
، اللذان يتميزان بروح عسكرية، فمن الواجب استبقاؤهما. وهكذا بدأ أفلاطون تشييد مذهبه في الفلسفة الجمالية للموسيقى بأن عزا إلى المقامات الموسيقية (
modes ) اليونانية صفات أخلاقية . وانتهى في محاورة «القوانين» إلى نتيجة مشابهة لتلك التي رأيناها عند كونفوشيوس، فقال: إن «الإيقاعات والموسيقى بوجه عام هي محاكاة للخلال الطيبة والسيئة في الناس.»
15
ولقد تمسك أفلاطون بالرأي القائل إن الموسيقى ينبغي أن تكون وسيلة من وسائل دعم الفضيلة والأخلاق. وكان يرى أن الموسيقى أرفع من الفنون الأخرى، على أساس أن تأثير الإيقاع واللحن في الروح الباطنة للإنسان وفي حياته الانفعالية أقوى من تأثير العمارة أو التصوير أو النحت. وهكذا فإن الطفل الذي يستمع إلى المقامات الموسيقية المناسبة تنمو لديه، دون أن يشعر، عادات وقدرات مرهفة تتيح له تميزا للخير من الشر. وبعد أن تشكل الموسيقى شخصية الطفل، وتجعله مستقرا في انفعالاته، تكشف له دراسة الفلسفة، عن وعي كامل، أسمى أنواع المعرفة.
ولقد كان للموسيقى والرياضة البدنية دور حيوي في خطة التعليم عند أفلاطون. وكان في رأيه أن الموسيقى ينبغي ألا تتبع الرياضة البدنية، بل إن الواجب - على عكس ذلك - هو أن تسبق الموسيقى الرياضة البدنية وتتحكم فيها؛ لأن الجسم لا يهذب الروح، وإنما الروح هي التي تشكل الجسم. وفضلا عن ذلك فإن الرياضة البدنية قد تصبح خشنة وتؤدي إلى غلظة الطبع، ومن هنا كان من الواجب تخفيفها وتهدئتها بالموسيقى. ومن جهة أخرى فإن الموسيقى دون الرياضة البدنية قد تبعث التخنث في نفس متذوق الفن؛ لذلك فإن المزج بين الموسيقى والرياضة البدنية باعتدال يؤدي إلى تكوين شاب أثيني متزن متناسق الطباع.
ولقد حدثت خلال حياة أفلاطون تجديدات موسيقية متعددة لم يهضمها أفلاطون ولم يحتملها، وإنما كان يتقبل فقط تلك الطريقة التقليدية، التي يكتب فيها شعر غنائي يتلى أو يغنى بمصاحبة الموسيقى. والواقع أن الشعر والموسيقى «ذلك الزوج الإلهي من الأصوات الساحرة» أخوان لا ينفصلان في الحياة الثقافية اليونانية، وكان لفظ «الموسيقى» يدل على الشعر واللحن معا. ولقد كان أفلاطون يرى أحدهما أهم من الآخر، فذهب إلى أنه لما كانت اللغة هي التعبير المباشر عن العقل، فلا بد أن يكون للكلمة أو البيت الشعري مكانة أرفع من اللحن؛ ذلك لأن النص الشعري نتاج العقل، أما اللحن فيؤدي إلى لذة الحواس فحسب، ومن هنا كانت له مكانة أدنى.
ولم يكن لدى اليونانيين نظام توافقي «هارموني» كما نعرفه اليوم، وإنما كان اللحن متوقفا تماما على النص وتابعا له. وكانت الموسيقى اليونانية مبنية بحيث توضع نغمة لكل مقطع، وكان من الشائع تقسيم المقاطع إلى «طويل» و«قصير» بحيث يساوي المقطع الطويل مقطعين قصيرين. وفي الوقت الذي بدأ فيه أفلاطون الكتابة، كان هناك اتجاه متزايد القوة إلى استخدام الشعر مجرد نص للموسيقى، وتشويه الكلمات بحيث تلائم الموسيقى، وكان هذا الاتجاه يثير الاحتجاج بالفعل.
অজানা পৃষ্ঠা