Johann Anton Stamitz (1717-1757م)، الذي أصبح بعد تعيينه بفترة وجيزة قائدا لأوركسترا البلاط. وبفضل توجيه هذا العازف العبقري، أصبح أوركسترا مانهايم أعظم مجموعة من العازفين في أوروبا، وعرض هؤلاء الموسيقيون تحت قيادته ألوانا وأساليب جديدة للعزف، واستحدثوا تأثيرات إيقاعية ودينامية لم تعرفها الأذن الأوروبية من قبل، فاستخدموا طريقة التصاعد (أي تقوية عنفوان الصوت رويدا رويدا)
crescendo
والخفوت (أي الهبوط بعنفوان الصوت شيئا فشيئا)
decrescendo
بنجاح ساحق، على حين أن موسيقي الباروك كان في البداية يضيف آلات أو أصواتا بشرية جديدة إذا أراد رفع الأصوات إلى إحدى القمم، ويسكت بعض هذه الآلات أو الأصوات إذا أراد صوتا خافتا. وهكذا استخدمت مدرسة مانهايم الموسيقية مؤثرات لم يكن عازفو عصر الباروك عاجزين عنها فحسب، بل لم يكونوا شاعرين بها أصلا.
ولم يقتصر تأثير مدرسة مانهايم على هذه النواحي الفنية فحسب، بل إن الأفراد المحيطين ب «شتامتس» أصبحوا طلائع عصر «العاصفة والاندفاع» في الآداب والفنون الألمانية؛ فقد عارض أفراد مدرسة مانهايم الأساليب الفنية التقليدية، ولم يقبلوا أن يظل الفنان في ذلك المركز الاجتماعي الذي كان يحتله في أيامهم، والذي كانت القرون الماضية تقبله على أنه أمر مسلم به. وقد تجلت روح التمرد هذه في الطابع المجدد لموسيقاهم وأساليبهم الفنية، كما أنهم طالبوا علنا بمزيد من الاحترام لمركزهم الاجتماعي بوصفهم موسيقيين. وبفضل موسيقاهم وآرائهم الاجتماعية مهدوا الطريق للفترة المقبلة في الحضارة الغربية، وهي الفترة التي كانت تتميز بعلاقة جديدة أكثر إنسانية بين الموسيقي الذي ينتمي إلى الطبقة الوسطى وبين أفراد الطبقة العليا في المجتمع.
ولقد كان للآراء الاجتماعية والفنية التي نادت بها مدرسة مانهايم تأثيرها في فرانز يوزف هايدن
Franz Joseph Hayden (1732-1809م)؛ فقد كان هايدن يعزف موسيقاهم في بلاط الأمير الذي يعمل عنده، كما انضم إلى تمردهم بأن شكا على استحياء من أن هذا الأمير كان مخطئا في معاملته على أنه مجرد خادم أجير في البلاط، عليه أن يظل دائما تحت رحمة سيده، وطوع بنانه؛ فلم يكن هايدن يعتقد أن من اللائق أن يظل في عزلة في البلاط لا لشيء إلا لكي يجلب المتعة للأقلية الأرستقراطية، وإنما أراد أن تنشر موسيقاه، بحيث تتجاوز نطاق حياة البلاط، حتى «يستمتع المنهكون والمكدودون، أو أولئك الذين يرزحون تحت وطأة عملهم، بلحظات قليلة من السعادة والرضا» وهم يستمعون إلى موسيقاه.
ولقد امتدت حياة هايدن طوال الفترة الكلاسيكية للموسيقى بأكملها، واستهل هو ذاته عهد الأسلوب الكلاسيكي في الموسيقى عن طريق الرباعية الوترية والسيمفونية؛ ففي الرباعية جعل لكل حركة استقلالا خاصا بها، من حيث القالب، ومن حيث التباين بينها وبين الأخريات. كما طور طريقة التفكير من خلال ألحان موسيقية رئيسية، ووضع أسس التركيب المنطقي للتفكير الموسيقي المبني على تطوير اللحن. وقد عبر عن هذه الأفكار الموسيقية في ألحان مميزة، وزاد على موسيقى عصر الباروك في أنه وزع اللحن على أكثر من خط صوتي واحد وحسب أهميته. وكان هايدن ينظر إلى اللحن على أنه تفكير موسيقي. وقد ظل متمسكا بهذه النظرة في كل رباعياته، وبذلك أضفى عليها استمرارا واتصالا، على عكس النوع الأقل انسيابا الذي كان يتميز به عصر الباروك. وكان كل صوت يغني اللحن في دوره، وعن طريق الكنترابنط وصل هايدن إلى توازن سليم في مؤلفاته بين الآلات الأربع.
وقد أتاحت السيمفونية لهايدن أن يزيد نظريته الجمالية توسعا. ومع ذلك فإنه قد حرص، طوال سنوات تطوره الموسيقي، على ألا يتعمد فرض أسلوب يعتقد بصلاحيته لقالب موسيقي معين، على قالب آخر، وإنما كان يعتقد أن لكل قالب موسيقي حياة خاصة به، وأن كل قطعة ينبغي أن تعامل على أنها كيان قائم بذاته، وأن تكتب على هذا الأساس.
অজানা পৃষ্ঠা