هي أن يخفق القلب بحب الإنسانية كلها؛ فليس هناك أمة مستعمرة وأمة مستعمرة، وليس هناك أسود وأبيض، وليس هناك أصحاب رءوس أموال يتخذون الملايين خدما وعبيدا. هي أن يتجه من بيدهم زمام الأمور إلى الخير العام لا الخير الخاص.
هي أن تلغى الحدود الجغرافية، والحدود الجنسية، والحدود الوطنية، والحدود المالية ونحوها من حدود، ثم يكون المبدأ العام «الإنسان أخو الإنسان يكد ويعمل لخيره».
هي أن يكون مبدأ الإنسانية دينا يبشر به ويعمل من أجله، وتحور مناهج التعليم وقواعد الأخلاق على حسبه.
لو فعلنا ذلك لزالت أكثر شرور المدنية الحديثة من حروب وعطلة وتناحر بين العمال وأرباب الأموال، ولتعاون الشرق والغرب، وتعاون أهل الأديان المختلفة، ولشعر الإنسان بأن أفق تفكيره اتسع، وأفق شعوره اتسع، وشعر أن الأرض كلها وطنه، والناس كلهم إخوانه، ولشاع الحب في جو الأرض، وأصبحنا نستنشقه مع الهواء.
وما لم نصل إلى هذا الحد فالمدنية مجموعة أكاذيب.
المصالحة
من الواضح أن اللغة الحية تتبع الحياة الواقعية للأمة التي تتكلم بها؛ فإذا استعملت الأمة آلة من الآلات أوجدوا لها اسما للتعبير عنها، وإذا اخترعوا مخترعا أو استكشفوا عنصرا أو ركبوا تركيبا جاءت اللغة مباشرة فكملت نقصها بوضع اسم لذلك الشيء الجديد، فتمشت اللغة مع العلم والفن والصناعة؛ وكذلك الشأن في المعاني، فإذا استكشفوا ظاهرة في علم النفس وضعوا لها اسمها، وإذا شعروا بمعنى من المعاني فكذلك. ويكثر استعمال الألفاظ في اللغة ويقل بقدر وقوع الشيء في الحياة العملية وأهميته؛ على حين أن أمة أخرى لا تستعمل هذا اللفظ في لغتها ولا ما يرادفه ويقابله؛ لأنها لم تشعر بهذا المعنى ولم تستعمله.
سقنا هذه المقدمة لمناسبة أننا رأينا في اللغة الإنجليزية كلمة تدور على ألسنتهم كثيرا، ويستعملونها في كتبهم كثيرا، ثم لا نجد لها مقابلا يستعمل في لغتنا العربية؛ وهذه الكلمة وأمثالها في اللغة الإنجليزية يصقلها الاستعمال، ويتحور مدلولها على مر الأزمان، تبعا لما يجري عليه العمل.
تلك الكلمة هي
Compromise ، وقد تنقلت في استعمالات مختلفة حتى صارت الآن تستعمل بمعنى حسم النزاع بين فردين أو أمتين أو حزبين، وذلك بتنازل كل منهما عن شيء من وجهة نظره ومن مطالبه، واتفاقهما بعد ذلك على نتيجة هي وسط بينهم، أخذت بطرف من هذا وطرف من ذاك، وقربت بين وجهة نظر هذا ووجهة نظر ذاك.
অজানা পৃষ্ঠা