العمل به. وأما ما أجمع الأصحاب على اطراحه فلا حجة فيه.
مسألة : أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكل خبر ، وما فطنوا ما تحته من التناقض ، فإن من جملة الأخبار قول النبي صلى الله عليه وآله : « ستكثر بعدي القالة علي » (1) وقول الصادق عليه السلام : « إن لكل رجل منا رجلا يكذب عليه » (2).
واقتصر بعض عن هذا الإفراط فقال : كل سليم السند يعمل به ، وما علم أن الكاذب قد يصدق والفاسق قد يصدق ، ولم يتنبه أن ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب ، إذ لا مصنف إلا وهو قد يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل (3) *. وأفرط آخرون في طرف رد الخبر حتى أحال استعماله عقلا ونقلا. واقتصر آخرون فلم يروا العقل مانعا لكن الشرع لم يأذن في العمل به.
وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن ، والتوسط أصوب ، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به ، وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ يجب اطراحه ، لوجوه :
أحدها : أنه مع خلوه عن المزية يكون جواز صدقه مساويا لجواز كذبه ، ولا يثبت الشرع بما يحتمل الكذب.
* قال المصنف في حاشيته على هذا الكلام ، أقول : مذهب السيد الأجل المرتضى ورئيس الطائفة والمحقق الحلي في باب العمل بخبر الواحد واحد ، وهو أنه إن كان مقرونا بقرينة كعمل قدمائنا به وككون الراوي ثقة معروفا بصحة النقل يعمل ولا يتوقف عنده.
أقول : هذه الدعاوي ظاهرة البطلان ، لأن اشتهار مخالفة السيد المرتضى لمن تأخر عنه إلا ابن إدريس في عدم العمل بخبر الواحد لا مجال لإنكاره ولا الشك فيه ، والشيخ استدل على جواز العمل به مع كونه لا يفيد إلا الظن وصرح بذلك في العدة بعمل القدماء به في فتواهم (4) مع العلم بعدم تواتر تلك الأخبار وعدم القرينة على صحتها مصرحا بذلك كله. وكذلك المحقق صرح بأن المراد من خبر الواحد ما لا يفيد القطع (5) وسيأتي في صريح ما نقله عنه ذلك وأن المحفوف بالقرائن لا نزاع فيه.
পৃষ্ঠা ৫৫