ومن هنا وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح وبعضها أصح من بعض، وهو كتاب لا ترد عليك سنة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلا وحي فيه، إلا أن يكون كلامًا استخرج من الحديث، ولا أعلم شيئًا من القرآن ألزم للناس أن يتعلموا من هذا الكتاب، ولا يضر رجلًا أن لا يكتب من العلم بعد ما يكتب هذا الكتاب شيء، وإذا نظر فيه وتدبره وتفهمه يعلم متداره. وأما هذه المسائل مسائل الثوري ومالك والشافعي فهذه الأحاديث أصولها. انتهى.
قلت: أراد أنه يكفي هذا الكتاب -في الاجتهاد- مع القرآن، وهذا فيما يرى من كيف (١)، وهذا ابن المبارك من كبراء أهل الاجتهاد وعظمائهم وهو ممن لقي أبا حنيفة ومالكًا وغيرهما من العظماء، وكان يعتقد أن السنن كلها قدر تسعمائة، وكان ينكر على أبي يوسف في قوله: إننا ألف ومائة، وبه ظهر لك حال أبي يوسف، مع كونه من أعظم تلامذة الإمام أبي حنيفة بل هو أعظمهم على الإطلاق.
ولهذا كان الغزالى يقول: يكفي في الاجتهاد للمرء سنن أبي داود (٢). وقد وافق أبا داود على ذلك غيره، فقال ابن الأعرابي: لو أن المرء لم يكن، عنده من العلم إلا المصحف ثم كتاب أبي داود لم يحتج معهما إلى شيء من العلم. قال الخطابي: وهذا كما قال لا شك فيه، فقد جمع في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدمًا سبقه إليه، ولا متأخرًا لحقه فيه (٣). وقال الخطيب: كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم
_________
(١) هكذا بالمخطوطة.
(٢) المستصفى في علم الأصول ٢/ ٣٥١.
(٣) هذا القول حكاه الخطابي سماعًا من ابن الأعرابي في مقدمة معالم السنن.
1 / 12