وبين كرمه بونا. فهو سبحانه اكرم بالنوال منا
بالسؤال. والكريم بكرم الله مجزى، والساكت عن الدعاء له مكفى.
فإن قلنا: أحسن الله إليه: فقد قال (وإنا لا نضيع أجر من أحسن عملا). وإن قلنا: جزاه الله بالإحسان: فقد قال (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) وإن قلنا: هداه الله سبيله: فقد قال (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا): وأن قلنا: لا ضيع الله عمله: فقد قال (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل). وإن قلنا: لا جعل الله لدهر عليه سبيلا: فقد قال (ما على المحسنين من سبيل). وأن قلنا: زاده الله هدى: فقد قال (والذين اعتدوا زادهم هدى)
كل مسئول سائل ... في معاليه قد كمل
لا يسل منه سائل ... سبق الجود ما سأل
ولتُصحَّح تأملا ... تجد الله قد فعل
ونعود إلى ذكره - أعز الله ذكره - فجاد إلى أن لم يبق مال ولا أمل، وجاهد إلى أن لم يبق سيف ولا قلل (فلا كفتح على يديه فتح) وما هو فتح واحد؛ ما هو إلا فتحان: فتح والدم ذائب، وفتح والذهب جامد. فما البلاد التي جمعها فاتحا، بأغرب من البلاد التي فرقها مانحا. فقد استوعب بأسه أكثر مما ولدت المعادن حديدا، وزاد لأنه ضرب بالسيوف التي كسرها (مدى ومنالا) ثم ضربها، واستوعب جوده ما ولدت المعادن ذهبا وزاد لأنه نقل إلى الأعداء ثمن سلع ثم نهبها فوهبها فكل معاد معادى إلا هذا المعاد. وكل مداد يكتب به أسود إلا هذا المداد. (أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون)، أما يرى الناس ما على وجه الصدق من قبول القرائح! وما على يد الجود من قبل المدائح.
الناس أكيس من أن يمدحوا ملكا ... ولم يروا عنده آثار إحسان
وأنا لنرجو أن نكون قد كتبنا بمدحه مع الصادقين الذين أمر الذين آمنوا أن يكونوا معهم. وأن نكون قد كتبنا مع المحسنين لأنا أحسنا وصفه إحسان الله إلى عبادة،
ولم يقطع بنا ما قطعهم. وأنا وأن كنا رعاياه لنرى أنفسنا ملوكا ونرى الملوك وهم له سوقة، وأن القلم في أيدينا لهتز طربا لذكره كأنه جان، وكأن السيف يشنع بأنه فروقه. ولسنا نسميه قصيرا وأن جدع أنفه. ولكنا نركبه كما ركب قصير العصا إلى وصف هذا السلطان ليدرك وصفه.
ونقول للقلم إذا فاخره السيف (أن شانئك هو الابتر) ونريد إذا أوردناه وصف مولانا بـ (إنا أعطيناك الكوثر).
1 / 39