يكون تركه مشروعا، لما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله " ١ وعن أسامة بن شريك قال:. " كنت عند النبي صلي الله عليه وسلم وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: نعم. يا عباد الله تداووا; فإن الله ﷿ لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد. قالوا: وما هو; قال: الهرم " رواه أحمد ٢.
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "وقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال قول من أنكرها، والأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع ألم الجوع والعطش، والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى مقتضية لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة. ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله تعالى في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه. ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلا ولا توكله عجزا".
وقد اختلف العلماء في التداوي هل هو مباح وتركه أفضل، أو مستحب، أو واجب؟.
فالمشهور عن أحمد: الأول؛ لهذا الحديث وما في معناه، والمشهور عند الشافعية الثاني، حتى ذكر النووي في شرح مسلم: أنه مذهبهم ومذهب جمهور السلف وعامة الخلف، واختاره الوزير أبو المظفر قال: ومذهب أبي حنيفة أنه مؤكد حتى يدانى به الوجوب. قال: ومذهب مالك أنه يستوي فعله وتركه؛ فإنه قال: لا بأس بالتداوي ولا بأس بتركه.
وقال شيخ الإسلام: "ليس بواجب عند جماهير الأئمة، وإنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد".
فقوله: "فقام عكاشة بن محصن" هو بضم العين وتشديد الكاف، ومحصن بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن حرثان - بضم المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة -
_________
١ ابن ماجه: الطب (٣٤٣٨)، وأحمد (١/٣٧٧) .
٢ البخاري: كتاب الطب (٥٦٧٨) ; باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء وليس عنده جملة "علمه من علمه وجهله من جهله) . وإنما هي عند أحمد (١/٣٧٧، ٤١٣، ٤٥٣) من طرق وصححها الألباني في الصحيحة (٤٥١) . وأما مسلم: فقد رواه من حديث جابر بلفظ: "لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله) . مسلم: كتاب السلام (٢٢٠٤) (٦٩): باب لكل داء دواء.
1 / 69