وقال ابن القيم: "الإله" هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا وإنابة، وإكراما وتعظيما وذلا وخضوعا وخوفا ورجاء وتوكلا.
وقال ابن رجب: "الإله" هو الذي يطاع فلا يعصى، هيبة له وإجلالا، ومحبة وخوفا ورجاء، وتوكلا عليه، وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح هذا كله إلا لله ﷿، فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان
ذلك قدحا في إخلاصه في قول: "لا إله إلا الله" وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك.
وقال البقاعي: لا إله إلا الله، أي انتفاء عظيما أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم؛ فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علما إذا كان نافعا، وإنما يكون نافعا إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه، وإلا فهو جهل صرف.
وقال الطيبي: "الإله" فعال بمعنى مفعول، كالكتاب بمعنى المكتوب، من أله إلهة أي عبد عبادة. قال الشارح: وهذا كثير في كلام العلماء وإجماع منهم.
فدلت "لا إله إلا الله" على نفي الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى كائنا ما كان، وإثبات الإلهية لله وحده دون كل ما سواه، وهذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل ودل عليه القرآن من أوله إلى آخره، كما قال تعالى عن الجن: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ ١، فلا إله إلا الله لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفيا وإثباتا، واعتقد ذلك وقبله وعمل به. وأما من قالها من غير علم واعتقاد وعمل، فقد تقدم في كلام العلماء أن هذا جهل صرف، فهي حجة عليه بلا ريب.
فقوله في الحديث: "وحده لا شريك له" تأكيد وبيان لمضمون معناها. وقد أوضح الله ذلك وبينه في قصص الأنبياء والمرسلين في كتابه المبين، فما أجهل عباد القبور بحالهم! وما أعظم ما وقعوا فيه من الشرك المنافي لكلمة الإخلاص لا إله إلا الله! فإن مشركي العرب ونحوهم جحدوا لا إله إلا الله لفظا ومعنى، وهؤلاء المشركون أقروا بها لفظا وجحدوها معنى، فتجد أحدهم يقولها وهو يأله غير الله بأنواع العبادة، كالحب والتعظيم، والخوف والرجاء، والتوكل والدعاء، وغير ذلك من أنواع العبادة. بل زاد شركهم على شرك العرب بمراتب،
_________
١ سورة الجن آية: ١-٢.
1 / 38