قضى أوباس بقية ذلك الليل يذرع تلك الغرفة ذهابا وإيابا، وهو يفكر فيما عسى أن يكون غرض الملك من تلك الدعوة على هذه الصورة. وخطرت له خواطر كثيرة وتهم شتى ربما يتهمه بها رودريك، ولكنه سر بما توهمه من نجاة فلورندا، وأما هو فلم يكن ليخاف موقفا أو يهاب خطرا في سبيل الحق والحرية. والرجل الحر لا يفزعه موقف ولا يتهيب من سؤال، وهو محترم حتى من أعدائه، إلا أنه قد يكون في خطر من دسائس الدساسين أو استبداد الظالمين.
البلاغ
وانفرجت الأمور في عيني أوباس بطلوع الفجر وتبدد جيوش الظلام، رغبة منه في الاطلاع على سر هذه الدعوة. ولكن النهار انقضى جانب منه ولم يطلبه أحد فازداد قلقه، واستدعى رئيس الحراس، وهو الضابط المنوط به هذا العمل، فمثل بين يديه، فقال له أوباس: «وماذا عسى أن يكون آخر هذا الأسر؟»
فقال: «لا أدري يا مولاي، فعسى أن يكون خيرا، وأنا لو عرفت سر ذلك ما أخفيته عن سيادتكم.»
قال أوباس: «إني في حاجة إلى الذهاب لمنزلي، فإذا لم يكن ثمة ما يدعو للسرعة في المقابلة، فأرى أن يطلقوا سبيلي لأذهب إلى منزلي، ثم إذا أراد الملك مني أمرا جئت إليه.» •••
فنظر الضابط إلى أوباس وفي عينيه خبر يتردد بين كتمانه وإظهاره، فأدرك أوباس ذلك فيه فقال: «ما الذي تضمره؟ قل.»
فقال: «إنك إذا ذهبت إلى منزلك لا تجد فيه أحدا.»
فبغت أوباس وقال: «وكيف ذلك؟»
فقال الضابط: «لأنهم قبضوا على كل من كان في ذلك المنزل من الخدم والعبيد، وهم في السجن الآن وأبواب المنزل مغلقة.»
فلما سمع أوباس قوله تحقق من عزم الملك على الفتك به جهارا، ولولا رزانته لبدت البغتة على وجهه. ومما زاد قلقه خوفه على فلورندا، وقد تبادر إلى ذهنه أنهم لم يقبضوا على أهل منزله إلا لأنهم رأوا فيه فلورندا. على أنه لم يبال بالوقوف على التفاصيل، فنظر إلى الضابط وقال بسكينة وتعقل: «لا ينفعهم ذلك شيئا.» ثم تحول إلى الداخل فخرج الضابط إلى مكانه.
অজানা পৃষ্ঠা