فزاد استياء ألفونس منه، ولكنه خشي إن أجابه أن يصرح بشيء آخر.
وأما الملك فإنه توسم في كلام القس شيئا كان يتردد في ذهنه لم يتحققه، فأراد أن يتفهم ذلك من مرتين على حدة، فلم يصبر على ألفونس حتى يجيب، فالتفت إليه لفتة الاستخفاف والتهديد والإغضاء معا، وقال: «انصرف الآن يا بني، واحذر من أن تفعل ذلك مرة أخرى.»
فأحس ألفونس عند ذلك بفرج سكن له جأشه، وكأن ثقلا كبيرا أزيح عن صدره، فسار إلى الباب، ثم خرج وهو لا يكاد يرى شيئا مما أمامه لشدة ما قام في نفسه من أسباب القلق، ولم يكد يخرج من باب القصر حتى انتبه لنفسه، وتمثل له مركزه وما آل إليه أمره بعد ضياع الملك من يده، فقد كان على عهد أبيه، إذا مر في طريق تسابق الناس إلى تحيته واحترامه، فلا يبقى أحد لا يقف له. فمر ذلك اليوم والناس يتزاحمون في فناء القصر، ولم ينتبه له أحد إلا الأصدقاء، وحتى هؤلاء أصبحوا يحذرون التظاهر بصداقته خوفا من الملك.
خرج ألفونس وقد هبت فيه عوامل الغيرة، وكانت ألفاظ فلورندا لا تزال ترن في أذنيه، فتذكر وعده إياها باسترداد الملك، فزاده غيظا من الملك، فركب جواده وسار توا إلى منزله وهو غارق في بحار الهواجس، وقد استصغر نفسه وهان عليه القيام بأي شيء في سبيل الانتقام لوالده واسترضاء فلورندا.
الزيارة
أما رودريك، فلما خرج ألفونس من مجلسه تظاهر برغبته في الاستجمام، فدخل غرفته الخاصة، فجاء بعض رجال القصر فنزعوا لباسه الرسمي وألبسوه ثيابه العادية، وهو لا يخاطب أحدا منهم في شيء لانشغال خاطره بالعبارة التي سمعها من الأب مرتين عن ألفونس والقصر. فلما فرغ من لبس الثياب دعا الأب للغداء معه فجاء، ولم يخاطبه الملك في شيء وهما على المائدة لوجود الملكة معهما، وهو يحب أن يبعد أمثال هذه المواضيع عن ذهنها لما يترتب عليها من الغيرة، فلما فرغوا من الطعام قال الملك: «يا أبتاه، أطلب إليك بعد ختام المائدة بالصلاة أن ترافقني إلى غرفتي.» ولم تكن هذه الدعوة غريبة على الملكة؛ لأن زوجها كثيرا ما كان يخلو إلى الأب مرتين مثل هذه الخلوة، لاستجلاء الرأي أو للمشاورة أو للاعتراف أو غير ذلك.
فلما خلوا في الغرفة قال رودريك: «ما قولك في صاحبنا اليوم؟»
قال: «إذا كنت تعني ألفونس، فأرى أن جلالة الملك قد بالغ في الحلم والرأفة في معاملته، كيف يتغيب عن موكب جلالتك لأعذار ما أنزل الله بها من سلطان؟» قال ذلك بنغمة الاستغراب، واستعجل في نطقها لتكون أكثر تأثيرا في نفس الملك، ولو لم يكن رودريك قد ألف ألفاظه وتمتمته لما فهم منها شيئا.
فقال له الملك: «ولكنني سمعتك تشير إلى عذره إشارة لم أفهمها جيدا.»
فأدرك الأب مرتين أن الملك يحتال في استطلاع ما بين ألفونس وفلورندا، وهو يتجاهل ويوهم «مرتين» أنه يسأله سؤالا بسيطا، فسايره الأب وأجابه قائلا: «لم أقل شيئا، وإنما قلت إنه تأخر في القصر.»
অজানা পৃষ্ঠা