ثم بدأت فلورندا الحديث بنغمة الدلال والعتاب: «ما الذي جاء بك يا ألفونس؟»
قال: «لا أدري ما الذي جاء بي يا حبيبتي، فهل تعلمين أنت؟ أما الذي أعلمه فهو أني أسير هواك، وأني حي برضاك ميت بجفاك. حبيبتي فلورندا، هل عندك مثل ما عندي؟ نعم أعلم أنك كنت تحبينني، ولكن هل أنت باقية على ذلك أو على بعضه، أم غيرك ما غير من أحوالنا وأضاع من آمالنا؟»
فأدركت أنه يشير إلى ضياع الملك من يده، فسحبت أناملها من بين أنامله بلطف، وأظهرت أنها تحول وجهها عنه، ونظرها لا يزال ثابتا على نظره كأنها تقول له : «أهذا هو مبلغ علمك بالحب وعواطف المحبين؟» ففهم ألفونس مغزى تلك الإشارة فقال لها: «لم أكن أشك في صدق مودتك وقد امتزج قلبانا، ولكنني حسبت أن سوء حظي غيرك، وظننت أيضا أنني بعد أن خسرت أبي وملكي قد جرني سوء الطالع إلى خسارة ما هو أثمن من ملك العالم كله.» قال ذلك وقد أبرقت عيناه وانبسطت أساريره، وهو لا يزال ينظر إليها ويتوقع أن يسمع قولها، فعادت إلى الصمت والتفت بردائها وحولت نظرها إلى مجرى النهر وأصغت إلى صوت هديره، فاستولى على تلك الحديقة سكون لم يكن يتخلله إلا خرير الماء وزقزقة العصافير.
فلما طال سكوتها بحث ألفونس عن العجوز، فإذا هي قادمة وفي يدها بعض الأزهار، فناداها وهو يقول: «تعالي يا خالة، كلمي فلورندا عساها أن تتعطف علي بكلمة أبرد بها لظى وجدي.»
المحب كثير الشكوك
وكانت العجوز قد وصلت إليهما، فقدمت الزهور إلى فلورندا، وأجابت ألفونس قائلة: «إذا كنت لا تفهم بدون كلام، فما أنت من أهل الغرام. أيحتاج ما تراه في فلورندا إلى إيضاح؟ وهل تظن أن ما يليق بالشبان من التصريح بخلجات الحب يليق بالفتيات أيضا؟» ثم التفتت إلى فلورندا، وقالت: «هذا هو ألفونس، كلميه واسأليه، وقد سمعت منك شكا في محبته، فهل تحققت من صدق قولي في ثباته؟»
فرفعت فلورندا بصرها إليه، وقد أخذ الهيام منها مأخذا عظيما حتى ظهر ذلك جليا في عينيها لما اعتراهما من الذبول واللمعان، فشخصت ببصرها إليه برهة وهو يكاد يختطفها ببصره، وقد نسي مصيبته في الملك وضياع حقه فيه، وهان عليه أن ترضى فلورندا ولو خسر العالم بأسره. وفيما هو غارق في تلك الهواجس سمعها تقول: «هل شككت في حبي يا ألفونس؟»
قال: «نعم يا منيتي، والمحب كثير الشكوك ...»
فأطرقت وهي تقول: «صدقت، إن المحب كثير الشكوك، فقد خامرني من الشك مثل ما خامرك كما قالت خالتي، ولكن ...»
فقطع ألفونس كلامها قائلا: «لست أرى مبررا للشك في، وأنت تعلمين أنني أسير هواك. وأما أنا فيحق لي أن أرتاب في بقائك على عهدك لما أصابني من نوائب الزمان؛ فقد كنت وليا لعهد هذه المملكة، فأصبحت مثل سائر رجالها.»
অজানা পৃষ্ঠা