فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب
فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب
তদারক
أ. د. محمد إسحاق محمد آل إبراهيم
প্রকাশক
المُحقِّق
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
জনগুলি
مقدمة فضيلة الشيخ/ عبد الله بن محمد الغنيمان
رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية (سابقا) والمدرس بالمسجد النبوي الشريف المدينة المنورة
الحمد لله رب العالمين ملك يوم الدين، إله الأولين والآخرين ومرجع الخلق أجمعين ﴿أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ [الشورى: ٥٣]. وصلى الله وسلم على الهادي الأمين، المبعوث رحمةً للعالمين وآله وصحبه أجمعين، وإخوانه المرسلين.
وبعد فإنَّ كتاب "الترغيب والترهيب" للمنذري عظيم الفائدة كبير العائدة إذ تأثيره في المسلمين عظيم ونفعه بإذن الله تعالى ظاهر وكبير ولكن الناس يعدلون عنه إما لعدم معرفة أهميته أو لكبير حجمه أو لغير ذلك، وإلا هو أحسن من رياض الصالحين للنووي ﵀ الجميع، ومن ينظر فيه نظر المتأمل يعرف أنه عدة وزاد لكل مربٍ تربية دينية طاهرة، وإنه ضروري لكل داعية وواعظ يستنير به ويستمد التوفيق إلى الطريق الهادي المستقيم.
ثم من المعلوم أنه يشتمل على ألفاظ غريبة وأمور عامة وكلمات جامعة وغير ذلك فيحتاج قارئه إلى بيان ذلك وتفصيل ما جمل فيه وشرح ما يشكل، مع أن كلمات الرسول ﷺ من الفصاحة والبيان في مكان عال، ولكن كثيرا من الناس ليس عندهم الخبرة في كلامه فيكون غريبًا عليهم، كما أنه ﷺ قد أعطي جوامع الكلام.
المقدمة / 1
وعلى كل فموضوع الكتاب مهم جدًّا الذي هو الترغيب والترهيب إذ هو أصل عظيم من أصول الدين الإسلامي من حيث النظر إلى تأثيره، ولهذا أكثر الله تعالى من ذكره في القرآن. فذكر الجنة وما فيها من النعيم والنار وما أعد لأهلها فيها من العذاب. ولا يوجد كلام يؤثر في القلوب مثل كلام الله تعالى ثم من بعده كلام رسوله ﷺ إذ هو وحي من الله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾ [النجم: ٤].
ومن هنا تتبين أهميته من هذا الوجه وذلك كافٍ في أهميته، وفيه أوجه أخرى أيضًا مهمة لكل طالب من بيان مراد الرسول ﷺ وما يدل عليه كلامه وما فيه من ينابيع العلم والهدى وكله دعوة للعباد وإرشاد لهم لما فيه الخير عاجلًا وآجلًا.
مع أن الله تعالى أعطى رسوله من البيان والفصاحة وقوة الحجة ما لا يخفى على من نظر في كلامه وكذلك رسل الله تعالى الذين أرسلهم إلى بني آدم لم يكن معهم جيوش، وقوة ترغم الناس على اتباعهم وإنما معهم البيان والإرشاد بالقول والعِظة الحسنة قال تعالى: جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ [فاطر: ٢٥] وقال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥] فقد أعطى الله تعالى رسله قوة البيان وفصاحة اللسان ووضوح الحجة ما تميزوا به ومن ينظر في دعواتهم لقوم في القرآن يتبين له ذلك، وأعظهم في ذلك نبينا ﷺ وعليهم أجمعين.
المقدمة / 2
ولهذا أعظم ما يوعظ به ويوجه به الناس ويدعوا هو كلام رسول الله ﷺ وذلك بعد كلام رب العالمين تعالى وتقدس وقد عرف ذلك العلماء.
وإذا كان حديث رسول الله ﷺ يشتمل على كلمات غريبة وأمور عامة وكلمات جامعة وكل ذلك يحتاج إلى إيضاح وتبيين فهذا الكتاب الذي هو "فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب" وضعه مؤلفه لذلك فقد أفاد وأجاد، وبذل جهدًا كبيرًا في شرحه، وطالع على ذلك كتبًا كثيرة وظهر ذلك جليًّا لمن نظر فيه، ولذلك يقول: "فجمعت عليه فوائد جمة لا يقدر على تحصيلها إلا من عنده عزيمة وذكاء وهمة، ولا أقصد بذلك التبجح والإشاعة، وإنما أقصد النفع والثواب".
وذكر أنه طالع عليه كتبًا كثيرةً، فهو جمع شرحه من كتب كثيرة بعضها مفقود أو في حكمه، وبعضها مخطوط وكثير منها مطبوع، ولا شك أن استخراج الفوائد والمسائل من الكتب له قيمة وفيه جهد كبير، مع أن هذا الشرح يعتبر الشرح الوحيد المستوعب لكتاب "الترغيب والترهيب" للمنذري رحمه الله تعالى والعبرة بالمعاني لا بكثرة الكلام، فالشارح جمع همته عليه وأمضى وقته فيه وكرر قراءته ونقحه فجاء مرضيًا مقيدًا، وكثرة النقول لا تضيره.
وما زال العلماء ينقل بعضهم عن بعض، ويرون كتب العلم مشاع لكل أحد وحسن النقل يدل على الفهم وحسن الاختيار، ومؤلف هذا الشرح نقوله بهذه الصفة مع أنه إذا نقل ذكر المنقول عنه وأحال إليه غالبًا.
المقدمة / 3
وعلى كل المقصود بيان ما قاله الرسول ﷺ حتى يعمل به ويحصل بذلك ما رتب عليه من الوعد الكريم من الله الرحيم.
ثم جهد المحقق وخدمته لهذا الشرح أضافت أهمية له وقيمة أخرى فقد جمع ما استطاع جمعه من نُسَخِة ثم صحَّح وقابلَ وخرّج الأحاديث مع بيان الحكم وترجم للأعلام وبين ما يحتاج إلى بيان وتعقب الشارح في مواضع اتبع فيها طريقة الأشاعرة في تأويل الصفات فبين الصواب، ووضع الفهارس المفيدة، ومحاسن التحقيق كثيرة قد نبّه على بعضها وهو ممن مارس التحقيق وقرأ المخطوطات كثيرًا فتحصل على خبرة واسعة مع تخصصه في الحديث.
أسأل الله تعالى أن يثيبه ويزيده من العلم والخير، ويبارك جهده في نفع المسلمين وخصوصًا طلبة العلم وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
قاله وكتبه
عبد الله بن محمد الغنيمان
وذلك في ٢٨/ ١٢/ ١٤٣٩ هـ
المقدمة / 4
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد:
فقد تنوَّعت اهتمامات العلماء وجهودُهم في خدمة السنة وتدوينها، فكثرت مجالات التصنيف فيها وتعددت فنونها، فمنها ما كان متعلقًا بجمع أحاديث الترغيب والترهيب في تصانيف مستقلة، جمع فيها مصنفوها النصوص التي فيها إيقاظ للقلوب وتحريك للمشاعر لتندفع نحو الإخلاص لله والاتِّباع لشرعه، وذلك بالترغيب في فضائل الأعمال وثوابها في الجنة والنعيم المقيم، وبالترهيب من مساوئ الأعمال، وعقابها في الدار الآخرة، نار وقودها الناس والحجارة، وقد كان من أبرز من صنَّف في هذا الفن واشتهر تصنيفه بين الخلائق في الآفاق الإمام الحافظ زكي الدين أبو محمد، عبدالعظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري، (ت:٦٥٦ هـ) فجمع كتاب الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، الذي حوى كثيرًا من أحاديث السنة النبوية مجردةً عن الأسانيد، وقد كتب الله له القبول بل إن الإمام المنذري أصبح يُعْرَفُ به ولأهمية هذا الكتاب والعناية به وإبراز نفعه اهتم به الحافظ ابن حجر وهو من جملة الكتب التي اختارها ونسخها بيده، واختصره (^١). وقال الشيخ محمد أبو زهو عن كتاب الترغيب والترهيب: "هو من أحسن الكتب في جمع الحديث، وبيان درجة كل حديث، وعليه جُل اعتماد
_________
(^١) كما في الجواهر والدرر (٢/ ٧١٤)، واختصاره طبعه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، سيأتي تفصيله.
1 / 5
الوعّاظ والمرشدين في عصرنا الحاضر" (^١). فحظي بعناية كثير من العلماء الذين جاؤوا بعده، وذلك بالشرح، والاختصار، والتعقيب، والتعليق، والتنقيح.
وكان ممن اعتنى به الشيخ: حسن بن علي الفيومي في شرحه الذي بين أيدينا، والمسمى: (فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب)، وهو من الشروح القيِّمة، تحما جمع فيه ما كان متفرقًا في كتب عدة، مع الإضافة والتعقيب والتنبيه، والاعتناء بذكر الفوائد وبيان الغريب والكلام على الرجال، وعنايته بشرح مشكلات الحديث وبيان ما فيه من فقه وأحكام، مع عنايته بشرح المفردات اللغوية، والمسائل النَّحوية، والكلام على بعض مسائل المصطلح، والرجال، والجرح والتعديل، فهو جامع لعلوم مختلفة، حيث جمع ما كان متفرقًا في موضع واحدٍ، تسهيلًا للقارئ، وتوفيرًا له من عناء التشتت. وما في شرح الفيومي من كثرة الموارد التي أثرت كتابَه بمادة علمية عظيمة، وبنصوص لعلماء الأمة قيمة، منها ما كان في مصنفات مطبوعة ومتداولة، ومنها ما زال مخطوطًا إلى الان، ومنها ما هو مفقود أو في حكمه.
وغيرها من الفوائد الجمَّة التي حواها هذا السفر العظيم.
أردتُ إثراء المكتبة الإسلامية بكتاب هو في رأي مما تمس الحاجة إليه، وقد بذلتُ جهدي في توثيق النص وإخراج هذا الكتاب بهذه الحلة القشيبة، وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك (^٢).
_________
(^١) الحديث والمحدثون لأبي زهو، ص ٤٣٣.
(^٢) ولأهمية هذا الكتاب قامت جامعة نجران بطرح الكتاب وتقسيمه على عدد من الطلاب في رسائل علمية وبقي من الكتاب جزء كبير لم يوزع حتى الآن وقد اطلعت على الرسالة الأولى التي سجلها الأخ أسعد الفيفي فجزاه الله خيرًا.
1 / 6
بعد أن انتهيت من تحقيق "كتاب التنوير شرح الجامع الصغير" للصنعاني قبل أكثر من عشر سنوات بحثتُ عن كتاب مفيد اشتغل عليه فوقع اختياري على كتاب: "الفتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب" وهو كتاب مفيد يستفيد منه الخاصة والعامة، وبدأت بالبحث عن نُسَخه المخطوطة فاهتديت بحمد الله وتوفيقه إلى نُسَخ متفرقة كوّنت من مجموعها نسخة كاملة، فاقتنيتها جميعها وسيأتي وصف تفصيلي لها قريبًا إن شاء الله.
أهمية هذا الكتاب:
يعتبر هذا الكتاب هو الشرح الوحيد المفصل المطول المستوعب الجامع لكتاب: الترغيب والترهيب للمنذري.
عاش المؤلف طول حياته يشتغل في كتاب الترغيب والترهيب، جمعًا وقراءةً وتدريسًا واستشارةً، وتظهر شخصيته شارحًا بارعًا يقظًا مدققًا واسع الإطلاع على كل ما يخص الحديث رواية ودراية، فهذا الشرح عصارة حياته العلمية. قال السخاوي في الضوء اللامع: وكان ممن اعتنى بالترغيب للمنذري وأتقنه مع النواجي (^١) وغيره، وكذا قرأ فيه وفي غيره على شيخنا ابن خضر (^٢) والشهاب المحلي (^٣) خطيب جامع ابن ميالة والبرهان
_________
(^١) هو: محمد بن محمد بن حسن بن علي البدر أبو الفضل ت: ٨٥٩ هـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي (٩/ ٧٤).
(^٢) هو: محمد بن أبي بكر بن خضر الصفدي ت: ٨٦٢ هـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي (٧/ ١٦٧).
(^٣) هو: محمد بن أحمد بن محمد أبو عبد الله بن الشهاب المحلي ت: ٨٦٤ هـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي (٧/ ٣٩).
1 / 7
الكركي (^١) بل سمع فيه على شيخنا - يعني: ابن حجر - وأقرأ وكتب منه عدة نسخ بخطه المنسوب الذي جوَّده ظنا على البسراطي المقسي، قرأه على العامة بالجامع المشار إليه، وزاد اعتناؤه به حتى حصل فوائد في شرح كثير من أحاديثه التقطها في طول عمره من بطون الكتب (^٢). وقال في الجواهر والدرر: إن هذا الكتاب لم ينتشر إلا مِنْ قِبَلِه، فقد حكى البدر حسن الفيومي، إمام جامع الزاهد بالمقسم وكان أكثر أهل العصر اعتناءً بهذا الكتاب. (^٣).
وَفْرة الأحاديث النبوية والآثار التي حرص المؤلف على إضافتها لتوضيح معاني الأحاديث وشرحها لإبراز الأمر الذي يعالجه كل حديث بوضوح تام.
وكون الشرح يتعلق بأهم مصدر في موضوع الترغيب والترهيب وهو كنز ثمين أودع فيه المؤلف نقولات من أمهات المصادر بعضها مفقود حتى الآن حاول خلالها كشف اللثام عما رأى أنه بحاجة إلى ذلك.
لم يقتصر المؤلف على تخريج الأحاديث والآثار وشرحها فقط بل تطرق كثيرًا إلى شرح الغريب من أَلفاظ الحديث، ويتعرض لضبط أسماء الأعلام والأمكنة، ويتعرض كثيرًا للحكم الفقهي للحديث وخلاف العلماء فيه، وإزالة ما يتوهم من تعارض بين حديثين، فجاء شرحًا زاخرًا مكتمل
_________
(^١) هو: إبراهيم بن موسى بن بلال الكركي ت: ٨٥٣ هـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي (١/ ٧٥).
(^٢) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي ٣/ ١١١.
(^٣) الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر للسخاوي، ص ٧١٣.
1 / 8
الجوانب في غالب مادته.
خدم الفيومي "كتاب الترغيب والترهيب" خدمة جليلة ففيه روايات زائدة على ما في الترغيب وزيادات في متون الأحاديث، وأحكام على الأحاديث مغايرة لكثير مما أضافه من الروايات مع ذكر أسباب ورود أحاديث لم يرد ذكر سبب ورودها في كتاب المنذري، وفيه من الفوائد النافعة المهمة، ولم يكتف بذلك بل ذكر قصصًا كثيرة لتوضيح معنى الحديث، ومن هنا يعتبر هذا الكتاب ديوانًا ضخمًا للأحاديث النبوية ذات الدلالات العلمية في موضوعات مختلفة، ويكاد ينفرد بنصوص نادرة ثمينة تعتبر شاهدًا على كتب فُقِدَت من تراثنا.
وجعلت خطة الدراسة والتحقيق والتعليق تنقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: ترجمة موجزة للحافظ الإمام المنذري.
القسم الثاني: دراسة موجزة لكتابه الترغيب والترهيب.
القسم الثالث: ترجمة للشارح الفيومي.
القسم الرابع: التعريف بكتاب فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب ثم بيان خدمتي للكتاب تحقيقًا وتعليقًا وشرحًا وتوضيحًا.
ثم الفهارس الفنية التي تُيسِّر الاستفادة من الكتاب.
وإني لأرجو أن أكون قد وُفِّقْتُ في خدمة هذا الشرح وإحيائه.
وأهدي عملي هذا لوالديّ: أمي رحمها الله تعالى رحمة واسعة وغفر لها وأسكنها فسيح جناته، ووالدي أطال الله عمره وأحسن عمله وألبسه لباس الصحة والعافية ورزقني بره، وختم له بالحسنى.
1 / 9
وَفِي الختام أسأَل الله الْكَرِيم رب الْعَرْش الْعَظِيم أَن يَجْعَل هَذَا الْعَمَل خَالِصا لوجهه وسببا للفوز بِأَعْلَى دَرَجَات الْجنَّة وَأَن ينفع بِهِ الْمُسلمين وَأَن يَجعله فِي ميزَان حسناتي يَوْم الدّين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وكتبه
أ. د. محمد إسحاق محمد آل إبراهيم
الرياض، حي الريان.
aal_ibrahim@yahoo.com
1 / 10
القسم الأول ترجمة الحافظ المنذري (^١)
هو: الإمام الحافظ الناقد، زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد المنذري الشامي، ثم المصري الشافعي (^٢).
ولادته ونشأته:
ولادته: وُلِد المنذري في غرة شعبان، سنة ٥٨١ هـ بمصر وأصله من الشام (^٣). وكان مولده بفسطاط مصر بكوم الجارح، الذي كان يتصل برحبة موقف الطحانين، حيث كانت دارهم هناك (^٤).
نشأته وتعلمه:
نشأ عبد العظيم في مصر بعد أن أنهى الأيوبيون فيها حكم دولة العبيديين المسماة "بالدولة الفاطمية" سنة ٥٦٧ هـ، وهو عهد ليس ببعيد عن حياة المؤلف.
_________
(^١) وقد استفدتُ في هذه الترجمة مِن الدكتور بشار عواد: المنذري وكتابه التكملة. ومِن كل مَن كتب عن المنذري وكتابه، خاصة مما كتبه محققو كتاب: عُجَالة الإملاءِ المتَيسرةِ من التذنيب. لبرهان الناجي ط. المعارف.
(^٢) هكذا ذُكِرَ نَسَبُه في ترجمة والده، وذكر أن أصلهم من الشام وأن والده مصري المولد والدار انظر: الذهبي، تذكرة الحفاظ، (٤/ ١٥٣)، وابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، (٧/ ٤٧٩).
أما نسبة "المنذري" فقد قال الدكتور بشار عواد: "ليس لدينا معلومات أكيدة فيما إذا كانت هذه النسبة إلى أحد أجدادهم، أو أنها نسبة إلى المناذرة اللخميين أصحاب الدولة المشهورة". المنذري وكتابه التكملة (ص: ٢٢ - ٢٣).
(^٣) انظر: ابن كثير، البداية والنهاية، تحقيق: علي شيرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٨ هـ / ١٩٨٨ م، (١٣/ ٢٤٥).
(^٤) المنذري وكتابه التكملة (ص: ٢٥).
1 / 11
واعتنى به والده منذ نعومة أظفاره، فأخذه بالتعليم والتثقيف حيث أسمعه بإفادته سنة ٥٩١ هـ. وحمله والده ليسمع بإفادته من أحد شيوخ الحنابلة بمصر إذ ذاك هو أبو عبد الله محمد بن حمد بن حامد بن مفرج الأنصاري الأرتاحي الأصل، المصري المولد والدار، المتوفى بمصر سنة ٦٠١ هـ. فقال الحافظ المنذري في ترجمة الشيخ المذكور: "وهو أول شيخ سمعت منه الحديث بإفادة والدي ﵁ وأجاز لي في شهر رمضان المعظم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمعت منه قبل ذلك" (^١).
وتوفي والده وهو في سن الثامنة والثلاثين من عمره تقريبًا فترك ولده صبيًا لم يبلغ الحادية عشرة من عمره، وبذلك ذاق الحافظ المنذري مرارة اليتم وهمومه، وقد استمر الحافظ المنذري في العناية بهذا الشأن، فحضر مجالس العلماء، وأنصت إليهم وأخذ عنهم، ولازم الإمام الحافظ أبا الحسن علي بن المفضل المقدسي المتوفى سنة ٦١١ هـ، فقرأ عليه الكثير، وانتفع به انتفاعًا عظيمًا، وبه تخرج (^٢).
فبدأ المنذري تعلمه مبكّرا فقرأ القرآن وتأدب وتفقه ثم سمع الحديث في صغره من جماعة في مكة ودمشق وحران والرها والإسكندرية (^٣).
_________
(^١) التكملة لوفيات النقلة (٢/ ٧٣).
(^٢) انظر: سير أعلام النبلاء (٢٣/ ٣٢٠)، طبقات الشافعية الكبرى (٥/ ١٠٨).
(^٣) تذكرة الحفاظ، (٤/ ١٥٣).
1 / 12
شيوخه:
تتلمذ المنذري على كثير من علماء زمانه وتعلم على أيديهم، منهم: أبو عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي (ت: ٦٠١ هـ) وهو أول شيخ لقيه.
ومن أهم شيوخه:
طاف المنذري البلاد المصرية والشامية وزار بلاد الحرمين وتتلمذ في تلك البلاد على كثير من المشايخ جمعهم في معجم كبير ترجم لهم فيه (^١) وفيما يلي أهم شيوخه:
١ - أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجمّاعيلي ت: ٦٠٠ هـ (^٢).
٢ - أبو الثناء حامد بن أحمد بن حمد الأنصاري الأرتاحي ت سنة ٦١٢ هـ.
٣ - الحسن بن علي بن الحسين الأسدي المعروف بابن البن ت سنة ٦٢٥ هـ.
٤ - أبو نزار ربيعة بن الحسن بن علي اليماني الذماري ت سنة ٦٠٩ هـ.
٥ - أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل المعروف بالوراق ت سنة ٦١٦ هـ.
٦ - أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ت سنة ٦٢٠ هـ.
٧ - أبو محمد عبد الكريم بن عتيق بن عبد الملك الربعي ت سنة ٦١٦ هـ.
_________
(^١) انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، (٢٣/ ٣٢١). والسبكي، طبقات الشافعية (٨/ ٢٦٠).
(^٢) انظر: التكملة لوفيات النقلة (٢/ ١٩).
1 / 13
٨ - أبو الحسن علي بن المبارك بن الحسن الواسطي ت سنة ٦٣٢ هـ.
٩ - علي بن المفضل المقدسي ت سنة ٦١١ هـ.
١٠ - علي بن نصر بن المبارك الواسطي المعروف بابن البناء ت سنة ٦٢٢ هـ.
١١ - أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن أحمد المعروف بابن طبرزد ت سنة ٦٠٧ هـ.
١٢ - أبو عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي ت سنة ٦٠١ هـ. وخلق كثير لقيهم بالحرمين ومصر والشام والجزيرة (^١).
تلاميذه:
برع المنذري في علوم كثيرة، لا سيما في الحديث وعلومه، وفاق أهل زمانه فيه وذاع صيته في البلاد وأشير إليه بالبنان ورحل إليه طلاب العلم من أصقاع مختلفة، وكان قد درّس بالجامع الظافري ثم ولي مشيخة دار الحديث الكاملية وانقطع بها عشرين سنة، يصنف ويفيد ويتخرج به العلماء (^٢)، ومن الذين أخذوا عنه: ومن أهم تلاميذه:
١ - أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الكندي الدشنائي ت سنة ٦٧٧ هـ.
٢ - أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي المعروف بابن الظاهري ت سنة ٦٩٦ هـ.
٣ - إسماعيل بن عيسى القفطي ت سنة ٦٧١ هـ.
_________
(^١) انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، (١٦/ ٤٦٢ - ٤٦٣).
(^٢) ابن شهبة، طبقات الشافعية، (٢/ ١١٢).
1 / 14
٤ - شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي ت سنة ٧٠٥ هـ.
٥ - أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني ت سنة ٧٠١ هـ.
٦ - محمد بن الحسن بن عبد الرحيم القنائي ت سنة ٦٩٢ هـ.
٧ - أبو الفتح محمد بن علي بن دقيق العيد ت سنة ٧٠٢ هـ.
وخلق سواهم (^١).
مؤلفاته:
إضافة إلى ما اشتغل به من التدريس والرواية، ألّف الحافظ المنذري مصنفات عظيمة النفع، منها: الترغيب والترهيب - (وهو كتاب نفيس، موضوع هذا البحث)، ومختصر صحيح مسلم، ومختصر سنن أبي داود، وتكلم على رجاله وله عليه حواش مفيدة، وشرح التنبيه في الفروع (^٢)، والأربعين، والمعجم في مجلد، والموافقات في مجلد (^٣).
ثناء العلماء عليه:
قال السّبكي: كَانَ ﵀ قد أُوتيَ بالمكيال الأوفى من الْوَرع وَالتَّقوى والنصيب الوافر من الْفِقْه وَأما الحَدِيث فَلَا مراء فِي أَنه كَانَ من أحفظ أهل زَمَانه وَمن فُرسان أقرانه لَهُ الْقدَم الراسخة فِي معرفَة صَحِيح الحَدِيث من
_________
(^١) تذكرة الحفاظ، (٤/ ١٥٣)، وسير أعلام النبلاء، (١٦/ ٤٦٣).
(^٢) التثنيه في الفروع لأبي إسحاق الشيرازي، إسماعيل بن محمد أمين بن مير سليم الباباني البغدادي، هدية العارفين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (١/ ٥٨٦).
(^٣) سير أعلام النبلاء، (١٦/ ٤٦٣)، وشذرات الدهب، (٧/ ٤٨٠).
1 / 15
سقيمه وَحفظ أَسمَاء الرِّجَال حفظًا مفرطَ الذكاء عظيمه والخبرة بأحكامه والدراية بغريبه وَإِعْرَابه وَاخْتِلَاف كَلَامه (^١).
قال ابن ناصر الدين: كان حافظا كبيرًا حجة ثقة عمدة، له كتاب الترغيب والترهيب والتكملة لوفيات النقلة (^٢).
وقال ابن قاضي شهبة: برع في العربية والفقه وسمع الحديث بمكة ودمشق وحران والرها، والإسكندرية ... وتخرج به العلماء في فنون العلم وبه تخرج الدمياطي وابن دقيق العيد والشرف عز الدين وطائفة في الحديث وعلومه (^٣).
قال تلميذه الشريف عز الدين الحسيني المتوفى سنة ٦٩٥ هـ (^٤): كان عديم النظير في معرفة علوم الحديث على اختلاف فنونه، عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه، متبحرًا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيما بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، ماهرا في معرفة رواته وجرحهم وتعديلهم
_________
(^١) طبقات الشافعية الكبرى (٥/ ١٠٨).
(^٢) شذرات الذهب، (٧/ ٤٧٩ - ٤٨٠).
(^٣) طبقات الشافعية، (٢/ ١١٢)، وشذرات الذهب، (٧/ ٤٨٠).
(^٤) هو الحافظ، المؤرخ، الشريف، عز الدين، أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني، المصري ويعرف بابن الحلبي، نقيب الأشراف بمصر، المتوفى سنة خمس وتسعين وستمائة ٦٩٥ هـ. روى عن فخر القضاء أحمد بن الحباب، وسمع من الزكي المنذري فأكثر، ومن الرشيد العطار، وعبد الغني بن بنين، والكمال الضرير، وطبقتهم ومن بعدهم. وطلب الحديث على الوجه وكان ذا فهم وإتقان وخرج التخاريج المفيدة، وله وفيات ذيل بها على شيخه المنذري إلى سنة أربع وسبعين وستمائة، انظر: الذهبي، تاريخ الإسلام، (٥٢/ ٢٤٥ - ٢٤٦)، والصفدي، أعيان العصر وأعوان النصر، (١/ ٣٤٤ - ٣٤٥).
1 / 16
ووفياتهم ومواليدهم وأخبارهم، إماما حجة ثبتًا ورعًا متحريًا فيما يقوله وينقله متثبتًا فيما يرويه ويتحمله (^١).
ووصفه الحافظ الذهبي بـ "الإمام الحافظ المحقق شيخ الإسلام".
وقال: "كان متين الديانة، ذا نسك وورع وسمت وجلالة" (^٢).
وقال أيضًا: "كان ثبتًا حجةً متبحرًا في علوم الحديث، عارفًا بالفقه والنحو مع الزهد والورع والصفالت الحميدة" (^٣). وقد وصفه شمس الدين بن خلكان بأنه "حافظ مصر" (^٤).
هذه الشهادات من علماء كبار وأئمة حفاظ تدل على نبوغ المنذري وإمامته وبلوغه المرتبة العظيمة بين علماء عصره وقد ولّاه السلطان الملك الكامل الأيوبي مشيخة دار الحديث الكاملية فسكن المنذري دار الحديث الكاملية بقية عمره، فما كان يخرج منها إلا لصلاة الجمعة (^٥).
أهم مؤلفاته:
كان المنذري محدثًا فقيهًا، لذلك جاءت مؤلفاته معظمها في هذين العلمين: رواية ودراية الحديث، وعلم الرجال. وقد استوعب الدكتور بشار عواد في كتابه "المنذري وكتابه التكملة" عددًا كبيرًا من مؤلفات وتخاريج
_________
(^١) شذرات الذهب، (٧/ ٤٨٠)، وتذكرة الحفاظ، (٤/ ١٥٣).
(^٢) سير أعلام النبلاء (٢٣/ ٣١٩ - ٣٢٢).
(^٣) العبر (٣/ ٢٨١ - ٢٨٢).
(^٤) وفيات الأعيان (٣/ ٣٣١٠).
(^٥) الطبقات الكبرى (٥/ ١٠٩).
1 / 17
المنذري، وفَصَّل القول في كل مؤلف، موضحًا ما إذا كان مطبوعًا أو مخطوطًا أو مفقودًا، مع تعريف موجز لها (^١).
وسأقتصر هنا على ذكر بعض مؤلفاته دون الاستيعاب:
١ - الترغيب والترهيب. وسيأتي الكلام عنه مفصلًا بعد قليل.
٢ - كفاية المتعبد وتحفة المتزهد (^٢).
٣ - مختصر سنن أبي داود (^٣).
٤ - مختصر صحيح مسلم (^٤).
٦ - شرح التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي.
قال الذهبي: "وصنف شرحًا كبيرًا للتنبيه" (^٥).
وقال اليونيني: "وعلق على التنبيه في مذهب الشافعي كتابًا نفيسًا يدخل في أحد عشر مجلدًا" (^٦). كما ذكره حاجي خليفة عند كلامه على شراح التنبيه (^٧).
_________
(^١) المنذري وكتابه التكملة (ص: ١٧٥ - ١٩٦).
(^٢) وقد طبع الكتاب ضمن الرسائل المنيرية (٣/ ٦٦ - ٨٢).
(^٣) وقد طبع الكتاب بتحقيق أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي في مطبعة السنة المحمدية بمصر عام ١٣٦٩ هـ في ثمان مجلدات وفي آخره لحق هام. ثم صُوّر في بيروت ١٤٠٠ هـ، ونشرته دار المعرفة.
(^٤) طبع الكتاب بتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وقام على طبعه مكتبة المعارف بالرياض.
(^٥) سير أعلام النبلاء (٢٣/ ٣٢١).
(^٦) ذيل مرآة الزمان (١/ ٢٤٩).
(^٧) كشف الظنون (١/ ٤٨٩ - ٤٩٣).
1 / 18
٧ - الخلافيات ومذهب السلف (^١).
٨ - التكملة لوفيات النقلة (^٢).
وفاته:
بعد حياةٍ حافلةٍ بالعلم والإفادة والتصنيف توفي الإمام المنذري في رابع ذي القعدة سنة ٦٥٦ هـ، ودفن بسفح المقطم ورثاه غير واحد بقصائد حسنة (^٣).
_________
(^١) ذكره المنذري في مقدمة الترغيب والترهيب (١/ ٣٥).
(^٢) وقد طبع الكتاب في أربع مجلدات بتحقيق الدكتور: بشار عواد معروف، ونشرته مؤسسة الرسالة سنة ١٤٠١ هـ.
(^٣) سير أعلام النبلاء، (١٦/ ٤٦٣)، وشذرات الذهب، (٧/ ٤٨٠).
1 / 19
القسم الثاني دراسة موجزة لكتاب الترغيب والترهيب للمنذري
أولًا: الباعت على تأليفه.
ثانيًا: موضوعه.
ثالثًا: مصادره وكيفية عزوه إليها.
رابعًا: اصطلاحه في الكتاب ومناقشته.
خامسًا: حكمه على الحديث.
سادسًا: القيمة العلمية للكتاب.
سابعًا: الكتب المؤلفة في هذا الفن.
قام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بدراسة مفصلة شاملة لكتاب "الترغيب والترهيب" أوضح فيها منهج المنذري في كتابه، وناقشه في اصطلاحه وكشف عن تساهل الحافظ المنذري في التصحيح، وأبان عن كثرة الأوهام والأخطاء في الكتاب.
وتلك الدراسة التي قدمها الألباني لكتاب الترغيب والترهيب لها أهميتها وخطرها وقيمتها؛ لأنها جاءت بعد استقراء تام للكتاب، واستعراض شامل، حيث ميز صحيحه من سقيمه، وحسنه من ضعيفه حسب ما يراه، وقد استغرق منه هذا العمل نحو ربع قرن من الزمان (^١).
_________
(^١) انظر: صحيح الترغيب (١/ ٦٤ - ٦٨). ومقدمة صحيح الترغيب (ص: ٧).
1 / 20