Fatawa Yassaloonak
فتاوى يسألونك
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
জনগুলি
ـ[فتاوى يسألونك]ـ
المؤلف: الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة
الطبعة: الأولى
عدد الأجزاء: ١٤
الناشر: جـ ١ - ١٠: مكتبة دنديس، الضفة الغربية - فلسطين، جـ ١١ - ١٤: المكتبة العلمية ودار الطيب للطباعة والنشر، القدس - أبو ديس عام النشر: جـ ١ - ١٠: ١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م جـ ١١: ١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م جـ ١٢: ١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م جـ ١٣: ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م جـ ١٤: ١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
অজানা পৃষ্ঠা
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله حمدًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه نحمده ﷾ ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونصلي ونسلم على رسوله المصطفى خير البشر وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد ...
فهذه الطبعة الثانية من الجزء الأول من كتابي (يسألونك) الذي لقي قبولًا واستحسانًا من الإخوة القراء والحمد لله رب العالمين وقد نفذت طبعته الأولى وألحّ عليّ كثير من طلبة العلم لإعادة طبعه فعزمت على ذلك فقمت بمراجعة الكتاب وتصحيح ما وقع فيه من أخطاء مطبعية ووضعت عناوين للمسائل التي اشتمل عليها وزدت بعض المسائل توضيحًا وخرجت بعض الأحاديث التي لم تكن مخرجة في الطبعة الأولى، وأرجو أن تكون هذه الطبعة أجود من سابقتها مضمونًا وشكلًا.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتقبل عملي هذا وأن يجعله خالصًا لوجهه
الكريم وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم يقوم الناس لرب العالمين.
1 / 5
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه د. حسام الدين موسى عفانة
أبوديس - القدس
صباح يوم السبت الثاني عشر من ذي الحجة ١٤١٧هـ
وفق التاسع عشر من نيسان ١٩٩٧م
1 / 6
تقديم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أحمعين
وبعد:
فإن أشرف العلوم على الإطلاق علم توحيد الله ومعرفته، وأنفع العلوم علم الأحكام المتعلقة بأفعال العباد وما من سبيل إلى أخذ هذين النورين، وتلقي هذين العلمين العظيمين إلا من النبي المعصوم الذي قامت الأدلةالقاطعة على عصمته، وصرحت الآيات القرآنية بوجوب طاعته ومتابعته، فهو الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
ثم إننا مأمورون بالأمتثال إلى أوامر الله ورسوله واجتناب ما نهى عنه والتزام هدي المصطفى ﷺ وهدي الخلفاء الراشدين المهديين، والخير كل الخير في الإتباع والشر كل الشر في الإحداث والإبتداع.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).
فالرد عند التنازع إلى الله تعالى بالرجوع إلى كتابه المبين، والإحتكام إليه والرضى بما فيه وعدم التقديم بين يديه.
والرد إلى رسول الله ﷺ، بطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه، وزجر، وأن لا نتلقى شيئًا من المأمورات والمنهيات إلا من مشكاته، ولا نسلك إلا طريقه، ونرضى بما شرعه حتى لا نجد في أنفسنا حرجًا مما قضاه، وتنتخلق بأخلاقه.
1 / 7
وأولو الأمر، إنما هم العلماء، ورثة الأنبياء، فهم في المكانة الرفيعة، والمنزلة السامية، ويقيمون الحجة، ويبلغون عن الله ورسوله.
ومرتبة التبليغ والفتيا، لا تصلح إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالمًا بما بلغ صادقًا فيه. وهؤلاء العلماء العاملون هم الذين أمرنا الله بسؤالهم عما أبهم وأشكل في قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). ومعلوم أن أمر الإفتاء عظيم خطير، تكفل الله تعالى به، وأسنده إليه فقال في كتابه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ) سورة النساء آية ١٧٦. وقال تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) سورة النساء آية ١٢٧.
ثم تولى رسوله ﷺ الإجابة عما يورده الصحابة من أسئلة، فيعطي الإحابة الشافية الكاملة. مبلغًا عن ربه: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) سورة البقرة آية٢٢٠.
وحمل الصحابة رضوان الله عليهم لواء الفتوى بعد الرسول ﷺ وهم من هم منزلة من الرسول ﷺ ومكانة، رباهم على عينه " هم ألين الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأحسنها بيانًا، وأصدقها إيمانًا، وأعمها نصيحة، وأقربها إلى الله وسيلة ".
هم أهل العلم الذين نص عليهم بقوله تعالى: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ). قال مجاهد: [هم أصحاب محمد ﷺ].
ومن الصحابة من أكثر من الفتوى ومنهم من أقل منها، ورحم الله مسروقًا إذ يقول: [جالست أصحاب محمد ﷺ فكانوا كالإخاذ يعني كالغدير، الإخاذة تروي الراكب، والإخاذة تروي الراكبين والإخاذة تروي العشرة، والإخاذة لو نزل بها أهل الأرض لأصدرتهم].
1 / 8
غير أن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، كانوا مثالًا للورع في إصدار الفتوى، فكان الواحد منهم يود لو أن أخاه كفاه الإجابة عن السؤال في دين الله، هذا ابن أبي ليلى يقول:
[أدركت عشرين ومائة من الأنصار أصحاب رسول الله ﷺ ما منهم من رجل يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه].
وذكر ابن وهب عن محمد بن سليمان المرادي عن أبي إسحاق قال: [كنت أرى الرجل في ذلك الزمان، وإنه ليدخل يسأل عن الشيء، فيدفعه الناس من مجلس إلى مجلس حتى يدفع إلى مجلس سعيد بن المسيب كراهية للفتيا].
وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم يكرهون الجرأة على الفتوى والتسرع فيها.
قال سحنون: [أجسر الناس على الفتوى أقلهم علمًا].
ويقول ابن القيم: [الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم ومن غزارته وسعته، فإذا قل علمه أفتى عن كل ما يسؤل عنه بغير علم، وإذا اتسع علمه اتسعت فتياه].
إن التسرع في الفتيا خطأ وخطر يفضي إلى عدم إصابة الحق والجرأة على الله تعالى والوقوع فيما نهى عنه يقول تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، ومن أفتى بغير علم فعمل بفتواه عامل كان إثم العامل على من أفتاه، فليتق الله المتسرعون في الفتيا.
ولا بد للمتصدر للإفتاء من أن يمتلك أدواته، من فهم لمعاني النصوص وعللها الصحيحة التي ناط الشارع بها الأحكام.
كما لا بد من التضلع في معرفة الأحاديث ومدى ثبوتها، وتتبع طرقها وأقوال العلماء فيها ولا بد من البحث والتنقير عن الأدلة الشرعية حتى ينشرح الصدر للعمل بالدليل الذي يحصل عليه، ومثل ذلك الأمر صعب وليس بالهين.
1 / 9
إننا لا نزال نرى في الإمة الإسلامية خيرًا ظاهرًا، من حرص كثير من الناس على السؤال عن أمور دينهم ابتغاء تصحيح العقيدة والتصور والسلوك والمنهاج.
وكثيرًا ما يواجه الدعاة والعلماء أسئلة الجمهور الكريم في مختلف مناحي الحياة، فيتصدر أخوة لنا الإفتاء في الدين فجزاهم الله عنا خير الجزاء.
ويَردُ على الأخ الدكتور حسام الدين عفانه سيل لا ينقطع من رسائل الأهل والأحبة، إلى زاوية "يسألونك " في "جريدة القدس " الغراء فيقوم مشكورًا بإفتائهم والإجابة على تساؤلاتهم، وقد نظرت في هذه الفتاوى فألفيتها هامة نافعة، سلك فيها الأخ الفاضل مسلك التثبت والتحري والأناة والإستدلال بالأدلة الشرعية المعتمدة، بل يؤصل فتواه باعتماد المصادر الأصلية في فقه المذاهب الإسلامية المتعددة معتمدًا الراجح منها بالدليل مع عناية بتخريج الأحاديث وتمييز الصحيح من السقيم، ولا يختصر في الإفتاء فيقتصر على موطن السؤال فحسب، بل يجيب بأكثر مما يُسأل عنه وهذا من محاسن الفتوى وهو اتباع لهدي المصطفى ﷺ حين سئل عن ماء البحر أطاهر هو؟ فأجاب قائلًا: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) صححه الترمذي وغيره وتلقته الأمة بالقبول، أسأل الله أن ينفعنا بهذه الفتاوى وأن يثيب الدكتور حسام الدين عفانه عنا وعن الإسلام خيرًا.
د. موسى البسيط
عميد كلية الدعوة والعلوم الإسلامية / أم الفحم
1 / 10
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدًا عبده ورسوله.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فقد أشار عليّ الأخ الفاضل الأستاذ إبراهيم خليل عفانه بكتابة زاوية أسبوعية في جريدة القدس الغراء للإجابة على أسئلة القراء الدينية فكانت زاوية يسألونك في عدد كل يوم جمعة ولقد لقيت هذه
1 / 11
الزاوية ترحيبًا وإقبالًا من القراء المهتمين فتوالت الرسائل والمكالمات الهاتفية التي تحمل كثيرًا من الأسئلة بالإضافة إلى الأسئلة التي كانت توجه إليّ مباشرة.
وقد حرصت على أن تكون الإجابات واضحة جلية وبلغة سهلة وميسرة ومستندة إلى الأدلة الشرعية الصحيحة.
وبعد مرور عامين على زاوية يسألونك عزمت على جمع حلقاتها لتصدر في كتاب ولتعم الفائدة فقمت بترتيبها وتنسيقها حسب الموضوعات. وهذا هو الجزء الأول منها.
وأسأل الله العظيم أن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصًا لوجهه الكريم وأن يتجاوز عما فيها من الخطأ والتقصير، ولا أظن أن عملي هذا خالٍ من النقص والعيوب فإن ذلك من شأن البشر.
وأخيرًا أقول ما قاله القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني ﵀: [إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد كذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان أجمل وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر].
وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه: الدكتور حسام الدين موسى عفانه.
أبوديس / القدس
صباح يوم الخميس الخامس عشر من صفر الخير ١٤١٦ /هـ
وفق الثالث من تموز / ١٩٩٥م.
1 / 12
الصلاة
1 / 13
المال الحرام والصلاة
يقول السائل: هل من شروط صحة الصلاة أن تكون ملابس المصلي من كسب مشروع، وهل تصح صلاة من يلبس خاتمًا أو ساعةً من مال حرام؟
وهل تصح الصلاة وفي جيب المصلي أموال اكتسبها من حرام؟
الجواب: إن الصلاة صحيحة إن شاء الله في الحالات الثلاث الواردة في السؤال وهو مذهب جمهور أهل العلم.
وهذا المصلي آثم لأنه اكتسب المال بطريق محرم وعليه أن يتوب إلى الله ﷾ ويرجع إلى طريق الحق والصواب وأن يعيد الحقوق إلى أصحابها؟
وعلى هذا المصلي أن يتذكر قول الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
فالصلاة ليست مجرد حركات رياضية يقوم بها الإنسان بل يجب أن تترك الصلاة آثارًا إيجابية في سلوك المصلي ومنهجه في الحياة.
فإذا كان يصلي ويكسب ماله من طريق حرام ويرتكب المحرمات فإن صلاته لن تنفعه يوم القيامة وإن أداها في الدنيا وينطبق عليه ما جاء في الحديث عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال
1 / 15
رسول الله ﷺ: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته وقد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يعطي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه فطرح في النار) رواه مسلم.
فلا بد للصلاة أن تكون عاملًا رادعًا عن ارتكاب المحرمات.
المسح على الجوربين
يقول السائل: نرى بعض الناس عندما يتوضؤون يمسحون على جواربهم بدل غسل أرجلهم فهل يجوز ذلك وهل المسح خاص بأيام الشتاء؟
الجواب: إن المسح على الجوربين رخصة قال بها أكثر العلماء وقد ورد في ذلك ثلاثة أحاديث:
الأول: عن ثوبان قال: بعث رسول الله ﷺ سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي ﷺ شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين. رواه أبو داوود وأحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال العلامة أحمد محمد شاكر إنه حديث متصل صحيح الإسناد. والتساخين كل ما يسخن به القدم من خف أو جورب ونحوهما.
الثاني: عن المغيرة بن شعبة (أن رسول الله توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
الثالث: عن أبي موسى الأشعري: (أن رسول الله ﷺ توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) رواه بن ماجة.
وقد ثبت المسح على الجوربين عن جماعة من الصحابة ﵃ قال ابن المنذر: [يروى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي ﷺ، علي وعمار وأبي مسعود الأنصاري وأنس وابن عمر والبراء
1 / 16
وبلال وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن سعد وزاد أبو داود عددًا آخر من الصحابة ثبت عنهم المسح وهم: أبو أمامة وعمرو بن حريث وعمر وابن عباس فهؤلاء ثلاثة عشر صحابيًا ثبت عنهم المسح فهذا يدل على أنهم نقلوه عن النبي ﷺ، لأن مثل هذا الأمر لا يدرك بالعقل.
والمسح على الجوربين رخصة عامة وليست خاصة بفصل الشتاء كما يظن بعض الناس بل يجوز المسح عليهما صيفًا وشتاءً وسفرًا وحضرًا.
ولكن للمسح مدة محدودة بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر وينبغي أن يعلم أنه يشترط لجواز المسح على الجوربين لبسهما على طهارة وتبدأ مدة المسح بعد الحدث فمثلا لو توضأ شخص لصلاة الفجر ولبس جوربيه ثم انتقض وضوءه وعند صلاة الظهر توضأ ومسح عليهما فمن هذا الوقت تبدأ مدة المسح فإن كان مقيما فيجوز له أن يمسح إلى ظهر اليوم التالي وإن كان مسافرًا فيمسح إلى ظهر اليوم الثالث.
وهذا هو أصح القولين في المسألة وإذا مضت مدة المسح ولم يحدث المتوضئ فوضوءه صحيح إلى أن يحدث لأن إنتهاء مدة المسح ليس من نواقض الوضوء على الصحيح من أقوال أهل العلم.
الصلاة بالأحذية
يقول السائل: هل تصح الصلاة بالأحذية؟
الجواب: نعم تصح الصلاة والمصلي ينتعل حذاءه ولا بأس بذلك فقد ورد في الحديث الشريف عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ: (أنه صلى فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم فلما انصرف قال لهم لم خلعتم؟ قالوا رأيناك خلعت فخلعنا فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثا فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما) رواه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وغيرهم وهو
1 / 17
حديث صحيح صححه الحاكم ووافقه الذهبي وكذلك قال النووي إسناده صحيح، وصححه الألباني.
فهذا الحديث يدل على صحة الصلاة بالنعلين ولا يعني هذا أن ندخل المساجد المفروشة بالسجاد والموكيت بأحذيتنا فإن هذا مناف للذوق السليم، ولكن إن صلينا في الساحات أو في أفنية المساجد نصلي بأحذيتنا ولا شيء في ذلك ولا نبغي لأحد أن ينكر على من يصلي بحذائه لأن هذا الأمر ثابت بالسنة النبوية المطهرة.
السترة بين يدي المصلي
يقول السائل: ماحكم السترة بين يدي المصلي وإذا لم يصل لسترة فإلى أي مدى يجوز المرور بين يديه؟
الجواب: من السنة الثابتة عن النبي ﷺ أن يصلي المصلي إلى سترة بين يديه فالسترة سنة مؤكدة عن الرسول ﷺ بل إن بعض الفقهاء يرون وجوبها.
والمراد بالسترة: أن يضع المصلي بين يديه شيئا أو يصلي إلى شيء كالعمود أو الكرسي أو الشجرة أو نحو ذلك.
ومن الأحاديث الواردة في السترة عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تصل إلا إلى سترة ولا تدع أحدًا يمر بين يديك) رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها ولايدع أحدًا يمر بينه وبينها) رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان وهو حديث حسن.
وعن سهل ﵁ عن النبي ﷺ قال: (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها ولا يقطع الشيطان عليه صلاته) رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وهو حديث صحيح.
1 / 18
وإن صلى المصلي إلى سترة فلا يجوز لأحدٍ أن يمر بينه وبين السترة ويجوز للمصلي أن يدفع المار دون السترة وقد جعل العلماء مقدار دنو المصلي من السترة ثلاثة أذرع فإذا كانت المسافة أكثر من ذلك فيجوز المرور بين يدي المصلي ولا إثم في ذلك.
وإذا لم يصل المصلي إلى سترة فيجوز المرور بين يديه بعد ثلاثة أذرع على قول أكثر أهل العلم.
وينبغي أن يعلم أن المرور بين يدي المصلي إثم عظيم، فقد ورد في الحديث قول الرسول ﷺ: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه)، وقال أبو النضر - أحد رواة الحديث -: [لا أدري أقال أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة]. رواه البخاري ومسلم.
والسترة تلزم من يصلي منفردًا وكذلك الإمام وأما من يصلي مأمومًا فسترة الإمام سترة له.
الخشوع في الصلاة
يقول السائل: ما حكم الخشوع في الصلاة وما الأمور التي تعين عليه؟
الجواب: الخشوع في الصلاة مطلوب وقد أثنى الله ﷾ على المؤمنين الخاشعين، يقول الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ). والخشوع: هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع كما قال الإمام القرطبي.
وقال قتادة: الخشوع في القلب وهو الخوف وغض البصر في الصلاة وقد وردت نصوص كثيرة في الخشوع منها:
قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ).
1 / 19
وقوله تعالى: (قُلْءَامِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا).
ومنها حديث عقبة بن عامر ﵁ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: (ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة) رواه مسلم.
وورد في حديث عمر بن عبسة أن الرسول ﷺ قال في حديث: (... من قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه) رواه مسلم.
وعن عثمان ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (ما من مسلم يحضر صلاة مكتوبة فيحسن وضوئها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله) رواه مسلم.
وحكم الخشوع: سنة من سنن الصلاة عند جمهور أهل العلم وقد صححوا صلاة من يفكر بأمر دنيوي إذا كان ضابطًا لأفعال الصلاة، ولا بد من مراعاة الأمور التالية حتى يخشع المصلي في صلاته:
١. أن يستحضر أنه واقف بين يدي الله ﷾ الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
٢. أن يحصر فكره في الصلاة ويبعد أي تفكير آخر.
٣. أن يخشع بجوارحه فلا يتحرك ما استطاع إلى ذلك سبيلًا فلا يعبث بشيءٍ من جسده ولا بشيءٍ آخر كملابسه.
٤. أن يتدبر القراءة فبذلك يكمل مقصود الخشوع.
وينبغي أن يعلم أن كثرة الحركة بالصلاة تتنافى مع الخشوع لأن الخشوع كما ذكرت محله القلب ويظهر أثره على الجوارح وقد جعل بعض العلماء الحركة في الصلاة على خمس أقسام:
١. الحركة الواجبة وهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة كمن كان يصلي لغير القبلة فنبهه آخر إلى أن القبلة عن يمينه أو يساره مثلًا فيجب عليه أن ينحرف لأنه إن بقي على حاله فصلاته باطلة.
1 / 20
٢. حركة مستحبة وهي التي يتوقف عليها فعل مستحب مثل أن يتقدم المصلي إلى صف أمامه صار فيه فراغ فتحرك ليتم الصف فهذه الحركة مستحبة لأن فيها وصلًا للصف.
٣. حركة مكروهة: وهي الحركة اليسيرة بدون حاجة لأنها عبث منافٍ للخشوع كمن ينظر إلى ساعته أثناء الصلاة.
٤. حركة محرمة: وهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة كما يحصل من بعض المصلين من كثرة الحركة في الصلاة في إصلاح ملابسهم أو العبث بأجسادهم ونحو ذلك.
ومثل هذه الحركات تكون مبطلة للصلاة ولا شك أن كثرة الحركة في الصلاة تدل على عدم الخشوع وتنقص من الأجر فقد ورد في الحديث أنه ﵊ قال: (منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع والخمس حتى بلغ العشر) رواه النسائي بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي.
٥. حركة مباحة: وهي الحركة اليسيرة للحاجة كالمرأة التي تصلي وابنها يبكي فيجوز لها حمله أثناء الصلاة وقد ثبت: (أن النبي ﷺ حمل أمامة بنت زينب في الصلاة) رواه البخاري ومسلم.
وكما قلت على المسلم أن يستحضر وهو في الصلاة أنه بين يدي ملك الملوك ﷾ فإن هذا يدفعه إلى الخشوع والسكون وعدم الحركة وما أجمل ما قال الشاعر:
ألا في الصلاة الخير والفضل أجمع ... لأن بها الآراب لله تخضع
وأول فرض من شريعة ديننا ... وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع
فمن قام للتكبير لاقته رحمة ... وكان كعبد باب مولاه يقرع
وصار لرب العرش حين صلاته ... نجيا فيا طوباه لو كان يخشع
والآراب: هي الأعضاء.
1 / 21
وقد كان الرسول ﷺ أخشع الناس في صلاته حتى أنه كان يبكي في صلاته كما في الحديث عن مطرف عن أبيه قال: (أتيت الرسول ﷺ وهو يصلي ولجوفه أزير كأزير المرجل، يعني يبكي) رواه النسائي وأبو داود بإسنادٍ صحيح.
وقد ورد عن الصحابة والتابعين والصالحين أمور عجيبة في الخشوع في الصلاة منها أن عبد الله بن الزبير ﵄ كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلاجذع حائط.
وكان مسلم بن يسار لا يلتفت في صلاته ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع الناس لهدتها وإنه لفي المسجد يصلي فما التفت.
كان علي بن الحسن ﵄ إذا توضأ اصفر لونه فقيل له: [ما هذا الذي اعتادك عند الوضوء؟ فقال: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم ...].
قضاء الصلاة
يقول السائل: كنت تاركًا للصلاة عدة سنوات ثم تبت ورجعت إلى الصلاة فماذا أصنع في صلوات تلك السنين هل أقضيها أم لا؟
الجواب: الحمد الله الذي هداك إلى طريق الحق والصواب وأخرجك من الظلمات إلى النور، وسأبين حكم تارك الصلاة أولًا ثم أجيب على السؤال، فأقول: إن الصلاة عمود الدين وهي ركن من أركان الإسلام ولا خلاف بين علماء المسلمين في كفر تارك الصلاة جحودًا وإنكارًا لها. وأما تارك الصلاة كسلًا وتهاونًا فقد اختلف الفقهاء في حكمه: فيرى الإمام أحمد في أصح الروايات عنه أن تاركها كسلًا وتهاونًا كافر خارج
من ملة الإسلام ينبغي قتله إن لم يتب ويرجع إلى الإسلام
1 / 22
واحتج الإمام أحمد ومن تبعه على ذلك بأدلة كثيرة منها:
١. قوله سبحانه تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ). ففي هذه الآية إشارة إلى أن الكفار هم الذين لا يصلون.
٢. وقال ﷾: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ).
٣. قوله ﷾: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).
٤. وقول النبي ﷺ: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) رواه مسلم.
٥. وقوله ﷺ: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه أصحاب السنن الربعة وأحمد وهو حديث صحيح.
٦. وما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو ﵁ أن النبي ﷺ ذكر الصلاة يومًا فقال: (من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له برهانًا ولا نورًا ولا نجاةً وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي بن خلف)، رواه بن حبان بسند صحيح رواه أحمد ورجال أحمد ثقات كما قال الهيثمي.
وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم كفر تارك الصلاة تهاونًا بل هو فاسق يقتل حدًا عند الإمامين مالك والشافعي.
وأما الحنفية فقالوا إنه يحبس ويضرب ضربًا شديدًا حتى يصلي ويتوب أو يبقى مسجونًا حتى يموت واحتجوا بأدلة كثيرة منها:
١. قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ).
٢. قول الرسول ﷺ: (لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه.
٣. عن أنس ﵁ أن النبي ﷺ قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله
1 / 23
ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان العمل) متفق عليه.
٤. عن أن أنس أيضًا أن النبي ﷺ قال ومعاذ رديفه على الرحل: (يا معاذ قال: لبيك يارسول الله وسعديك ثلاثًا فقال ﷺ: ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله إلا حرمه على النار) متفق عليه.
٥. عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصة من قلبه) رواه البخاري.
٦. وعن عبادة بن الصامت ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (خمس صلوات إفترضهن الله على عباده فمن جاء بهن وقد أكملهن ولم ينتقصهن استخفافًا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن جاء بهن قد انتقصهن استخفافًا بحقهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء رحمه) رواه أحمد وابن حبان وهو حديث صحيح. وغير ذلك من الأدلة.
وعلى كل حال فلا يخفى على المسلم إذا امعن النظر أن تارك الصلاة على خطر عظيم بين الكفر والفسق والعياذ بالله.
نعود الآن إلى أصل السؤال حول قضاء الصلاة لمن تركها تهاونًا وتكاسلًا، إن من يرى أن تارك الصلاة تهاونًا كافر لا يطالبه بقضاء ما فاته من الصلوات إذا رجع وتاب لأنه رجع إلى الإسلام من جديد، وهذا قول الحنابلة.
وأما جمهور الفقهاء: فيرون أن عليه قضاء ما فاته من الصلوات مع كونه آثمًا ومذنبًا ذنبًا عظيمًا لتركه لها وتأخيرها عن وقتها فيقضي ما فاته منها حسب ما يتيسر له فلا يشترط الترتيب فيها لأن في ذلك نوعًا من الحرج فيقضي حتى يغلب على ظنه أنه قد قضى ما عليه من الفوائت.
ولا بد من تذكير السائل هنا بأن التوبة الصادقة لا بد لها من شروط ثلاثة:
أولها: الإقلاع عن المعصية فلا توبة مع مباشرة الذنب واستمرار الوقوع في المعصية.
1 / 24