بما لم يكسبه، وقال في الجوهرة: فيغفر الحديث للنفس وما هم إذا لم يعمل أو تكلم، والله تعالى أعلم.
مطلب: المراد بالأرض التي باركنا فيها إلخ
(سئل) عن المراد بالأرض التي باركنا فيها؟
(أجاب) قال أبي بن كعب وقتادة: هي الشام؛ لأنها أرض المحشر، وبها ينزل عيسى ﵇ ويهلك الدجال. وقال أبو العالية: هي الأرض المقدسة؛ لأن كل ماء عذب في الأرض حلو منها يخرج من أصل صخرة بيت المقدس يهبط من السماء إلى الصخرة ثم يتفرق في الأرض. وقال ابن عباس: هي مكة؛ لأن بها البيت الذي هو مبارك هدى للعالمين. فالقولان الأولان مآلهما واحد؛ لأن الأرض المقدسة وأرض الشام واحدة، بل ربما زادت حدود الأرض المقدسة على حدود الشام كما يعلم بالوقوف على حد الأرضين، ويؤيدهما قوله تعالى: ﴿الذي باركنا حوله﴾ وقوله تعالى: ﴿التي باركنا فيها للعالمين﴾ وقوله تعالى في حق أهل سبأ: ﴿وجعلنا بينهم﴾ أي أهل سبأ ﴿وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة﴾.
وأظن والله أعلم أن أصل هذة البركة ناشئة من جناب سيدنا إبراهيم أبي الأنبياء الكرام شيخ المرسلين العظام؛ لقول الله تعالى: ﴿وباركنا عليه وعلى إسحاق﴾ فالبركة التي في أرض الشام وأرض بيت المقدس هي ما وجد فيها من أنبياء ومرسلين وأولياء وصالحين وأرباب نفوس قدسية ومعالم ربانية، وبهذا الذي قررناه تعلم ضلال بل كفر رجل أعجمي يدعي العلم والفضل وهو باسم الكفر أحق، هو أن بعض أهل الفضل والصلاح قدم له زبيبا، فقال له: كل من بركة إبراهيم الخليل، فقال له: لا تقل ذلك؛ لأنه لا بركة لإبراهيم بعد موته، فقد خالف نص القرآن وسلب البركة عن أهل الصفوة والعرفان وباء بالخسران وخص بالحرمان، وذلك أن الله تعالى قال: ﴿وباركنا عليه وعلى إسحاق﴾ فهذه البركة ما الرافع لها وما المانع منها والمغير لها؟ وإذا كانت الأرض توصف بالبركة فكيف لا يوصف بها مجمع النبوة والرسالة وأصل كل خير ورأس كل هدى؟ وأيضا في الحديث الصحيح: " كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم " فجعل البركة فيه - صلى الله عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء وسلم - أصلا مشبها به، وكره ﷺ الإكرام تأدبا منه مع أبيه وجده الأعظم، فإن كان ما قاله هذا الزنديق عن اعتقاد وله فيه سلف فما أظن في الأرض أقبح عقيدة من هؤلاء اللئام، وأظن أنه من العجم الأرفاض، وقد رأوا لملك الزمان سلطان آل عثمان مولانا السلطان أحمد أعظم ملوك الأرض وأشرفها فضلا وأعلاها قدرا وأوسعها ملكا وأقواها سطوة وأعظمها غلبة وأشدها بأسا وأشرفها ملكا ومملكة وأفضلها رعايا وأجلها برايا وأكثرها علما، هم أقوى الناس حجة وأكثرها فهما وعلما وصلاحا وفلاحا، فقالوا: ما ذاك إلا لما في بلاد من الأماكن المباركة والأنبياء والمرسلين والأولياء
1 / 29