ফাতাওয়া হাদিসিয়্যা
الفتاوى الحديثية
প্রকাশক
دار الفكر
الَّتِي لَا يُمكن أَن تحصل بِسَبَب بل بمحض فضل الله ومنته وَالله أعلم. ٨٢ وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: عَن معنى قَول الْإِحْيَاء لما ذكر معرفَة الله تَعَالَى وَالْعلم بِهِ قَالَ: والرتبة الْعليا فِي ذَلِك للأنبياء ثمَّ الْأَوْلِيَاء العارفين، ثمَّ الْعلمَاء الراسخين ثمَّ الصَّالِحين، فَقدم الْأَوْلِيَاء وفضلهم على الْعلمَاء، وَبِه صرّح الْقشيرِي فِي أول رسَالَته، فَمَا وَجه ذَلِك، مَعَ أَن الْعلم أفضل من الْعَمَل لِأَن ذَاك متعدّ وَهَذَا قَاصِر. فَأجَاب بقوله: مَا قَالَه هَذَانِ الإمامان الجليلان صَحِيح لَا مِرْية فِيهِ، إذْ لَا يشك عَاقل أَن الْعَارِف بِمَا يجب لله تَعَالَى من أَوْصَاف الْجلَال ونعوت الْكَمَال، وَبِمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ من الاتصاف بِكُل صفة لم تَبْلغ غَايَة النِّهَايَة من الْكَمَال الْمُطلق أفضل من الْعَارِف بِمُجَرَّد الْأَحْكَام. قَالَ ابْن عبد السَّلَام: بل العارفون بِاللَّه أفضل من العارفين بالأصول وَالْفُرُوع، لِأَن الْعلم يَشْرُف بشرف معلومه وثمراته، وَالْعلم بِاللَّه وبصفاته أفضل من الْعلم بكلّ مَعْلُوم، وَمن جِهَة أَن مُتَعَلّقه أفضل وأشرف المعلومات وأكملها وثمراته أفضل الثمرات وأجلها، إذْ معرفَة كلّ صفة من الصِّفَات توجب حَالا عَلَيْهِ، وعنها تنشأ مُلَابسَة كلّ خُلُق سنيٍّ، والتجرّد عَن كل خلق دني، فَمن عَرَف سَعَة الرَّحْمَة، أثمرتْ مَعْرفَته سَعَة الرَّجَاء، وَمن عرف شدَّة النقْمة أثمرت مَعْرفَته شدَّة الْخَوْف، وأثمر خَوفه الكفَّ عَن كل مَعْصِيّة مَعَ الْبكاء وَالْخَوْف والورع وَحسن الانقياد والإذعان، وَمن شهد أَن جَمِيع النعم مِنْهُ تَعَالَى أحبَّه وأثمرتْ الْمحبَّة آثارها المحمودة الْمَعْرُوفَة، وَكَذَلِكَ مَنْ شهد تفرُّده بالنفع والضرِّ لم يعْتَمد إِلَّا عَلَيْهِ وَلم يفوّض أمرَه إِلَّا إِلَيْهِ، وَمن شهد تفرده بالعظمة والجلال هابه وعامله بعظيم الانقياد والتذلل وَغَيرهمَا، فَهَذِهِ بعض آثَار شُهُود الصِّفَات، وَلَا شكّ أَن معرفَة مُجَرّد الْأَحْكَام لَا توجب شَيْئا من هَذِه الْأَحْوَال والأعمال والأقوال، والحِسُّ يدل على ذَلِك إذْ كثير من عُلَمَاء الظَّاهِر على غَايَة من الفسوق ومجانبة الاسْتقَامَة، بل مِنْهُم من أدْمَّن النّظر فِي نَحْو كَلَام الفلاسفة حَتَّى خرج من الدّين وَالْعِيَاذ بِاللَّه، وَمِنْهُم من يشكك فهم فِي ريبهم يتردّدون، وَالْفرق بَين عُلَمَاء الْكَلَام والعارفين أَن الْمُتَكَلّم تغيب عَنهُ علومه بِالذَّاتِ وَالصِّفَات فِي أَكثر الْأَوْقَات، فَلَا تدوم لَهُ تِلْكَ الْأَحْوَال، وَلَو دَامَت لَكَانَ من العارفين، لِأَنَّهُ يشاركهم فِي الْعرْفَان الْمُوجب للأحوال الْمُوجبَة للاستقامة، وَكَيف يُسَاوِي بَين العارفين وَالْفُقَهَاء والعارفون أفضل الْخلق، وأتقاهم لله تَعَالَى، وَالله ﷾ يَقُول: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣] ومدحه تَعَالَى فِي كِتَابه لِلْمُتقين أَكثر من مدحه للْعَالمين، والعارفون هم المرادون فِي قَوْله عزّ قَائِلا: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] دون الْعلمَاء بِمُجَرَّد الْأَحْكَام لِأَن الْغَالِب عَلَيْهِم عدم الخشية، وَخبر الله تَعَالَى صدق فَلَا يحمل إِلَّا على مَنْ عَرَفَه وخَشِيهَ، وَقد روى هَذَا عَن ابْن عَبَّاس ﵄ وَهُوَ ترجمان الْقُرْآن. ثمَّ عُلَمَاء الْأَحْكَام مِنْهُم من يتَعَلَّم وَيعلم لغيرِ اللَّهِ فَهَذَا عِلْمه وبال عَلَيْهِ، وَكَذَا من تعلَّم وعلَّم لغير الله، وَعَكسه مِمَّن خلط عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا، وَمن تعلَّم وعَلَّم لله فإنْ لم يعْمل بِعِلْمِهِ فَهُوَ شقي مثل أُولَئِكَ، وَإِن عمل بِهِ فَإِن كَانَ عَالما بِاللَّه وبأحكامه فَهُوَ من السُّعَدَاء، وَإِن كَانَ من أهل الْأَحْوَال العارفين بِاللَّه فَهُوَ من أفضل العارفين، إذْ حَاز مَا حازوا، وَزَاد عَلَيْهِم بِمَعْرِفَة الْأَحْكَام وَتَعْلِيم أهل الْإِسْلَام. قَالَ: وَمن يَقُول: إِن الْعلم الْمُتَعَدِّي أفضل من الْقَاصِر جَاهِل بِأَحْكَام الله تَعَالَى بل للقاصر أَحْوَال. أَحدهَا: أَن يكون أفضل من الْمُتَعَدِّي كالتوحيد وَالْإِسْلَام وَالْإِيمَان، وَكَذَلِكَ الدعائم الْخمس إِلَّا الزَّكَاة وَكَذَلِكَ التَّسْبِيح بعد الصَّلَوَات فَإِنَّهُ ﷺ قدمه على التَّصَدُّق بِفُضُول الْأَمْوَال وَهُوَ مُتَعَدٍّ. وَقَالَ: (أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد) . وَقَالَ: (خير أَعمالكُم الصَّلَاة) . وَسُئِلَ ﷺ أَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ: (إِيمَان بِاللَّه: قيل ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَاد فِي سَبِيل الله. قيل: ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حج مبرور) فَهَذِهِ كلهَا أَعمال قَاصِرَة وَردت الشَّرِيعَة بتفضيلها. ثَانِيًا: أَن يكون الْمُتَعَدِّي أفضل كبر الْوَالِدين فَإِنَّهُ ﷺ قيل لَهُ: أَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ: (بر الْوَالِدين) وَلَيْسَت الصَّلَاة أفضل من كلِّ عمل مُتَعَدٍّ فَلَو رأى مُصَلِّ غريقًا يقدر على إنقاذه، أَو وُقُوع قتل أَو زنا أَو لواط، وقَدِر على إِزَالَته لزمَه قطعهَا لذَلِك، وإنْ ضَاقَ الْوَقْت، لِأَن رتبته عِنْد الله أفضل من رُتْبَة الصَّلَاة، إذْ لَا يُمكن تَدَارُكه بِخِلَافِهَا، وَهَذَانِ القسمان مبنيان على رُجْحَان مصَالح الْأَعْمَال، فَمَا كَانَت مصْلحَته فِيهَا أرجح كَانَ أفضل، وَكَذَا مَا نَص ﷺ على تفضيله يكون أرجح، وإنْ لم يدْرك سَبَب رجحانه فَإِن لم نجد مصلحَة تَقْتَضِي الرجْحان وَلَا نصًّا بِهِ، وَجب علينا التَّوَقُّف حَتَّى نعلم دَلِيلا شَرْعِيًّا على الْأَفْضَل
1 / 94