ফাতাওয়া হাদিসিয়্যা
الفتاوى الحديثية
প্রকাশক
دار الفكر
وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة: (فَمن كَانَ حَالفا فَلَا يحلف إِلَّا بِاللَّه أَو لِيَسْكُت) . وَصَحَّ أَنه ﷺ قَالَ: (من حلف بالأمانة فَلَيْسَ منا) انْتهى. قَالَ الْجلَال: وَيَنْبَغِي أَن يحرم الْحلف بحياة أحد من المخلوقين أَو رَأسه لِأَن ذَلِك خص الله بِهِ النَّبِي ﷺ تكرمة لَهُ حَيْثُ قَالَ: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الْحجر: ٧٢] انْتهى، وَفِي أَخذه الْحُرْمَة من ذَلِك نظر ظَاهر، إِذْ الَّذِي اخْتصَّ بِهِ ﷺ وَظَهَرت كرامته بِهِ هُوَ حلف الله تَعَالَى بحياته وتأكيده ذَلِك بِاللَّامِ وَغَيرهَا، وَلم يفعل تَعَالَى ذَلِك لغيره ﷺ فَهَذِهِ هِيَ الخصوصية الْعُظْمَى والكرامة الَّتِي لَا مُنْتَهى لَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ يتم للجلال مَا ذكره أَن لَو أذن الله تَعَالَى للنَّاس فِي الْحلف بحياة نبيه ﷺ دون غَيره وَلم يَقع ذَلِك، بل نهى النَّاس كلهم عَن الْحلف بِهِ ﷺ وَبِغَيْرِهِ من الْخلق على حد وَاحِد، فَكَانَ الْحلف بذلك كُله مَكْرُوها بِأَيّ صِيغَة كَانَ، لَا حَرَامًا، وَمحله إنْ لم يعْتَقد فِي الْمَحْلُوف بِهِ أَن يعْظُم بِالْحلف بِهِ كَمَا يعظم الله فَإِن اعْتقد ذَلِك كفر. وَأما الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ: فدليلها خبر مُسلم (إيَّاكُمْ وكَثْرةُ الْحلف فِي البيع فإنَّه يُنْفِق ثمَّ يَمْحَق) وَالْكَلَام فِي الْإِكْثَار مَعَ الصدْق وَإِلَّا حَرْم، لما فِيهِ من الْغِشّ وَالْكذب) وَلَا يُنَافِيهِ قَول (الْأَذْكَار) يكره إكثار الْحلف فِي البيع وَالشِّرَاء وَنَحْوه وَإِن كَانَ صَادِقا انْتهى. فَإِن الْإِكْثَار من حيثُ هُوَ إكثار مَكْرُوه فِي حالتي الصدْق وَالْكذب، وَالْحُرْمَة فِي حَالَة الْكَذِب إِنَّمَا جَاءَت من أَمر آخر، وَكَأن الْجلَال حذف قَول (الْأَذْكَار) وَإِن كَانَ صَادِقا لظَنّه إيهامها. وَقد بَان بِمَا قَرّرته أَنَّهَا مشيرة إِلَى تدقيق حسن، وَهُوَ أَنه لَا يلْزم من الْحُرْمَة العَرَضيَّة خُرُوج الْإِكْثَار عَن حكمه وَهُوَ الْكَرَاهَة من حَيْثُ هُوَ إكثار كَمَا تقرر فافهمه.
وَأما الْمَسْأَلَة الحاديث وَالْعشْرُونَ: فدليلها خبر أبي نعيم أَنه ﷺ قَالَ: (لَا تَقولُوا قَوْسَ قُزَح فَإِن قزَح شَيْطَان، وَلَكِن قُولُوا قَوس الله ﷿ فَهُوَ أَمَان لأهل الأَرْض) وقزح بِضَم الْقَاف وَفتح الزَّاي غير منصرف وَقَول الْعَامَّة لَهُ بِالدَّال تَصْحِيف.
وَأما الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ: فَهِيَ كَذَلِك فِي (الْأَذْكَار) لَكِن بِقَيْد حذفه الْجلَال. وَحَاصِل عبارَة (الْأَذْكَار): يكره لمن ابتلى بِمَعْصِيَة أَو نَحْوهَا أَن يخبر غَيره بهَا إِلَّا نَحْو شَيْخه مِمَّن يَرْجُو بإخباره أنْ يُعلمهُ مخرجا مِنْهَا، أَو من مثلهَا أَو سَببهَا أَو يَدْعُو لَهُ أَو نَحْو ذَلِك، فَلَا بَأْس بِهِ بل هُوَ حسن، وَإِنَّمَا يكره إِذا انْتَفَت هَذِه الْمصلحَة روى الشَّيْخَانِ أَنه ﷺ قَالَ: (كل أمتِي معافى إِلَّا المجاهرين، وَإِن من المجاهرة أَن يعْمل الرجل بِاللَّيْلِ عملا ثمَّ يصبح وَقد ستر الله تَعَالَى عَلَيْهِ فَيَقُول: يَا فلَان عملت البارحة كَذَا وَكَذَا وَقد بَات يستره ربه وَهُوَ يصبح يكْشف ستر الله عَنهُ) انْتهى، فَأفَاد أَن مَحل الْكَرَاهَة إِذا انْتَفَت تِلْكَ الْمصلحَة فَكَانَ يتَعَيَّن على الْجلَال أَن يَقُول: وَأَن يحدث بِمَا عمله من الْمعاصِي إِلَّا لمصْلحَة، وَفَاته أَيْضا قَول (الْأَذْكَار) أَو نَحْوهَا، المفيدة أَن نَحْو الْمعاصِي مثلهَا فِيمَا ذكر، وَالظَّاهِر أَن مُرَاده بنحوها كل مَا تَقْتَضِي الْعَادة كتمه ويعد أَهلهَا ذكره خرمًا للمروءة كجماع الحليلة وَنَحْوهَا من غير ذكر تفاصيله، وَإِلَّا حرم بل هُوَ كَبِيرَة لوُرُود الشَّرْع بالوعيد الشَّديد فِيهِ، وفاتهما أَعنِي الْجلَال وَالنَّوَوِيّ أَن مَحل الْكَرَاهَة إِذا لم يتحدث بالمعصية على جِهَة التفكه بهَا واستحلاء ذكرهَا وَإِلَّا حرم عَلَيْهِ.
وَأما الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ: فالتصريح بِالْكَرَاهَةِ فِيهَا لم يَقع فِي (الْأَذْكَار) . وَحَاصِل عِبَارَته: يَنْبَغِي أَن يُقَال فِي المَال الْمخْرج فِي الطَّاعَة كَالْحَجِّ والختان وَالنِّكَاح أنفقتُ وَنَحْوه، وَلَا يَقُول مَا اعتاده الْعَوام: غَرمتُ وخَسرتُ وضيعتُ، لِأَن هَذِه الثَّلَاثَة إِنَّمَا تسْتَعْمل فِي الْمعاصِي والمكروهات انْتهى، وَكَأن الْجلَال أَخذ كَرَاهَة غرمت أَي وَنَحْوه للمنفق فِي خير من قَول النَّوَوِيّ، وَلَا يُقَال إِلَخ وَهُوَ مُحْتَمل، وَعَلِيهِ فَالْمُرَاد بِالْكَرَاهَةِ فِي ذَلِك خلاف الأولى وَالْأَدب فِي التَّعْبِير بِمَا لَا يستقبح.
وَأما الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ: فالتصريح بِالْكَرَاهَةِ فِيهَا من تصرّف الْجلَال، وَعبارَة (الْأَذْكَار) مِمَّا يتَأَكَّد النَّهْي عَنهُ والتحذير مِنْهُ مَا يَقُول الْعَوام وأشباههم فِي هَذِه المكوس الَّتِي تُؤْخَذ مِمَّن يَبِيع وَيَشْتَرِي وَنَحْوهمَا: هَذَا حق السُّلْطَان، أَو عَلَيْك حق السُّلْطَان، وَنَحْو ذَلِك من الْعبارَات الْمُشْتَملَة على تَسْمِيَته حَقًا أَو لَازِما وَنَحْو ذَلِك، وَهَذَا من أشدِّ الْمُنْكَرَات، وأشنع المحدثات، حَتَّى قَالَ بعض الْعلمَاء: من سمى هَذَا حَقًا فقد كفر وَخرج عَن مِلَّة الْإِسْلَام، وَالصَّحِيح أَنه لَا يكفر إِلَّا إنْ اعْتقد حَقًا مَعَ علمه بِأَنَّهُ ظلم، وَالصَّوَاب أَن يُقَال فِيهِ: المكس أَو ضريبة السُّلْطَان أَو نَحْو ذَلِك من الْعبارَات انْتهى، وَبهَا يعلم أَن هَذِه الْكَلِمَة إِمَّا كُفْر بقيده الْمَذْكُور، وَهُوَ ظَاهر، وَإِمَّا حرَام كَمَا دلّ عَلَيْهِ صَرِيح قَوْله: وَهَذَا من أَشد الْمُنْكَرَات،
1 / 103