@ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رَبنَا أتمم لنا نورنا وأغفر لنا إِنَّك على كل شَيْء قدير قَالَ العَبْد الْفَقِير عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِابْن الصّلاح غفر الله لَهُ وَلَهُم الْحَمد لله الَّذِي كرم هَذِه الْأمة بالشريعة السمحة الطاهرة وأيدها بالحجج الباهرة الْقَاهِرَة ووطدها بالقواعد المتظاهرة المتناثرة ونورها بالأوضاع المتناسبة المتازرة أَحْمَده على نعمه الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة وأصلي على رَسُوله مُحَمَّد وَسَائِر النَّبِيين وَالصَّالِحِينَ وَأسلم صَلَاة وتسليما متواصلي الصلات فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة آمين هَذَا وَلما عظم شَأْن الْفَتْوَى فِي الدّين وتسنم الْمفْتُون مِنْهُ سَنَام

1 / 5

@ السناء وَكَانُوا قرات الْأَعْين لَا تسلم بهم على كثرتهم أعين الإستواء فنعق بهم فِي أعصارنا ناعق الفناء وتفانت بتفانيهم أندية ذَاك الْعَلَاء على أَن الأَرْض لَا تَخْلُو من قَائِم بِالْحجَّةِ إِلَى أَوَان الإنتهاء رَأَيْت أَن أستخير الله تَعَالَى وَأَسْتَعِينهُ وأستهديه وأستوفقه وأتبرأ من الْحول وَالْقُوَّة إِلَّا بِهِ فِي تأليف كتاب فِي الْفَتْوَى لَائِق بِالْوَقْتِ أفْصح فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى عَن شُرُوط الْمُفْتِي وأوصافه وَأَحْكَامه وَعَن صفة المستفتي وَأَحْكَامه وَعَن كَيْفيَّة الْفَتْوَى والاستفتاء وآدابها جَامعا فِيهِ شَمل نفائس ألتقطها من خبايا الروايا وخفايا الزوايا ومهمات تقر بهَا أعين أَعْيَان الْفُقَهَاء وَيرْفَع من قدرهَا من كثرت مطالعاته من الفهماء وتبادر إِلَى تَحْصِيلهَا كل من أرتفع عَن حضيض الضُّعَفَاء مقدما فِي أَوله بَيَان شرف مرتبَة الْفَتْوَى وخطرها والتنبيه على آفاتها وعظيم غررها ليعلم المقصر عَن شأوها المتجاسر عَلَيْهَا أَنه على النَّار يسجر وليعرف متعاطيها المضيع شَرطهَا أَنه لنَفسِهِ يضيع ويخسر وليتقاصر عَنْهَا القاصرون الَّذين إِذا انتزعوا على منصب تدريس واختلسوا ذَروا من تَقْدِيم وترييس جانبوا جَانب المحترس ووثبوا على الْفتيا وثبة المفترس اللَّهُمَّ فعافنا واعف عَنَّا وأحلنا مِنْهَا بِالْمحل المغبوط وَلَا تحلنا مِنْهَا بِالْمحل المغموط وَاجعَل نعانيه مِنْهَا على وفْق هداك وسببا واصلا بَيْننَا وَبَين رضاك إِنَّك الله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل

1 / 6

@ بَيَان شرف مرتبَة الْفَتْوَى وخطرها وغررها روينَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو عبد الله ابْن مَاجَه الْقزْوِينِي فِي كتبهمْ الْمُعْتَمدَة فِي السّنَن من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء عَن رَسُول الله ﷺ (أَن الْعلمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء) فَأثْبت للْعُلَمَاء خصيصة فاقوا بهَا سَائِر الْأمة وَمَا هم بصدده من أَمر الْفَتْوَى يُوضح تحققهم بِذَاكَ للمستوضح وَلذَلِك قيل فِي الْفتيا إِنَّهَا توقيع عَن الله ﵎ وَقد أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو بكر مَنْصُور بن عبد الْمُنعم الفراوي قِرَاءَة عَلَيْهِ بنيسابور قَالَ أخبرنَا أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي قَالَ أخبرنَا الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن الْبَيْهَقِيّ قَالَ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَأَبُو سعيد بن أبي عَمْرو قَالَا أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن هِلَال بن الْفُرَات ببيروت حَدثنَا أَحْمد بن أبي الحراوي حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ

1 / 7

@ «إِن الْعَالم بَين الله وَبَين خلقه فَلْينْظر كَيفَ يدْخل بَينهم» وَفِيمَا يرويهِ عَن سهل بن عبد الله التسترِي وَكَانَ ﵁ أحد الصَّالِحين المعروفين بالمعارف والكرامات أَنه قَالَ من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى مجَالِس الْأَنْبِيَاء ﵈ فَلْينْظر الى مجَالِس الْعلمَاء يَجِيء الرجل فَيَقُول يَا فلَان إيش تَقول فِي رجل حلف على امْرَأَته بِكَذَا وَكَذَا فَيَقُول طلقت امْرَأَته وَهَذَا مقَام الْأَنْبِيَاء فاعرفوا لَهُم ذَلِك وَلما ذَكرْنَاهُ هاب الْفتيا من هابها من أكَابِر الْعلمَاء العاملين وأفاضل السالفين والخالفين وَكَانَ أحدهم لَا يمنعهُ شهرته بِالْإِمَامَةِ واضطلاعه بِمَعْرِفَة المعضلات فِي اعْتِقَاد من يسْأَله من الْعَامَّة من أَن يدافع بِالْجَوَابِ أَو يَقُول لَا أَدْرِي أَو يُؤَخر الْجَواب إِلَى حِين يدْرِي

1 / 8

@ فروينا عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى أَنه قَالَ ادركت عشْرين وَمِائَة من الْأَنْصَار من أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ يسْأَل أحدهم عَن الْمَسْأَلَة فيردها هَذَا إِلَى هَذَا وَهَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى ترجع إِلَى الأول وَفِي رِوَايَة مَا مِنْهُم من أحد يحدث بِحَدِيث إِلَّا ود أَن أَخَاهُ كَفاهُ إِيَّاه وَلَا يستفتى عَن شَيْء إِلَّا ود أَن أَخَاهُ كَفاهُ الْفتيا وروينا عَن ابْن مَسْعُود ﵁ أَنه قَالَ من أفتى النَّاس فِي كل مَا يستفتونه فَهُوَ مَجْنُون وَعَن ابْن عَبَّاس ﵄ نَحوه

1 / 9