الفصل الرابع والثلاثون
لمياء بين المواشط
وكان حمدون واقفا يسمع ذلك الإطراء بابنته فلم يخطر له أن يعرض على الخليفة رؤيتها على الجواد. لكن أبا حامد غمزه أن يفعل فقال: «هل يريد مولانا أن تخرج لمياء على فرسها؟»
فقال المعز وهو يحك عثنونه: «لا نريد أن نزعجها اليوم؛ لأنها فيما هو أهم من ذلك»، وضحك.
فتصدى أبو حامد للجواب وقال: «إنها لم تركب الخيل من زمان بعيد وإذا ركبت اليوم فلعلها آخر مرة يتأتى لها ذلك، ومتى صارت في بيت القائد ربما لا يعود يتيسر لها.»
فأشار المعز بالقبول وقال: «طبعا نحن نحب أن نراها ولكن لا نعلم إذا كان الحسين يوافقنا ...» والتفت إلى الحسين وابتسم فعد الحسين التفاته نعمة أخرى فأطرق خجلا.
فوقف جوهر بالنيابة عن ابنه وقال: «إنها أمة مولانا أمير المؤمنين، وسيكون لها الحظ كما يكون لنا في سبيل طاعة أمير المؤمنين.»
فأسرع حمدون إلى فسطاطه ليخاطب لمياء بما جرى وهو يعلم أن خروجها في تلك الساعة من أصعب الأمور؛ لأنها ساعة التبرج والتزيين. وتصور أنه سيجدها بين أيدي المواشط والحواضن يزينها ويصلحن من شأنها، ولكن خاب ظنه؛ لأن لمياء لما تحققت إتمام الاقتران وآن الزفاف هاجت عواطفها الكامنة وعادت إلى ذكرى سالم حبيبها الأول. ورغم ما ظهر من ضعفه وتردده فإنها ما زالت تحبه وتتفانى في مرضاته. وإنما كان قبولها بالحسين مؤقتا تنتظر ما يأتي به الغد في أثناء شهر رمضان. فلما جاء عيد الفطر ولم يجد شيء وانتقلت إلى بيت أبيها لتزف إلى الحسين أظلمت الدنيا في عينيها وتحققت أنها لا تلبث أن تصير زوجة لرجل وإن كانت تحبه وتعجب بمناقبه لكنها لا تزال ترى سالما أولى بقلبها منه. واعتقدت أن قبولها بالحسين يعد في شرع المحبين خيانة. فوقعت في حيرة وظهرت الحيرة فيها على الخصوص في صباح ذلك اليوم لما أتت المواشط لتزيينها وإصلاحها. فاستمهلتهن وانزوت في فسطاط أبيها تعمل فكرتها فلما جاء أبوها ليخاطبها بشأن الركوب أخبروه بما فعلت فذهب إليها فوجدها قاعدة على وسادة وحدها وقد أطرقت وبانت الحيرة في عينيها فقال: «ما بالك يا لمياء، لماذا أنت هنا؟»
فأرادت الجواب فسبقتها الدموع فسكتت.
فدنا منها وأمسك بيدها فأحس ببرودتها وارتعاشها وقد بالغت في الإطراق فلحظ الدمع في عينيها فاستغربه. وهو لا يقدر أن يتصور عواطف المحبين؛ لأنه لم يذق طعم الحب، فقال لها: «ما هذا الجنون ... ما بالك؟ لماذا تبكين؟»
অজানা পৃষ্ঠা