قالت: «سالم لا يرضى أن أكون لسواه؟ كلا.»
فضحك أبو حامد ملء فيه وهز رأسه باستخفاف وقال: «يظهر أنك تنظرين إلى هذا الزواج من وجه واحد فقط.»
فاستغربت هذا التعبير وقالت: «وهل ينظر في هذا الأمر من عدة وجوه؟»
فأخذ حمدون وأبو حامد ينظر كل منهما إلى صاحبه ويضحك. وأغرق أبو حامد في الضحك حتى كاد يستلقي على قفاه وقد برز سناه من بين شعر شاربيه. فشق ذلك على لمياء فابتدرها أبوها قائلا: «ألا يكفي لقبولك بهذا النصيب أن يكون قد تم الاتفاق عليه بين أبيك وأمير المؤمنين؟ وإذا كنت لا تبالين بخاطر والدك ألا تهابين أمر الخليفة؟» قال ذلك بلحن العتاب والتوبيخ.
فخجلت من هذا التعريض لكنها لم تقتنع فسكتت وأطرقت وفي سكوتها إنكار لما يطلبونه منها. فتصدى أبو حامد وهو يظهر التلطف والاهتمام ويتشاغل بإصلاح طاقيته وقال لها: «أنا لا أشك في تعقلك وحكمتك؛ ولذلك فأنا أخاطبك بصراحة ... أؤكد لك لو كان سالم هنا الآن لأمرك أن تطيعي والدك وتقبلي بما عرض عليك؛ ليس؛ لأنه لا يحبك ولكنه يرجو من ذلك خيرا لنا جميعا.»
فلما سمعت قوله استغربت ما فيه من التلميح ولم تفهم مراده وهي تعلم أن سالما إذا كان يحبها كما تحبه لا يرضى أن تكون لسواه ولو أعطي مال العالم كله ... ولم تفهم ما هو النفع الذي يرجوه من قبولها. فوقعت في حيرة وظلت ساكتة وقد بان الارتباك في عينيها فتنحنح أبو حامد فنهض والدها وخرج من الخيمة وهو يظهر أنه يريد حاجة عرضت له. فبقيت لمياء مع أبي حامد فتوجه نحوها باهتمام وقال: «أرجو أن تكوني قد فهمت مرادي.»
فرفعت بصرها إليه، وقالت: «كلا يا سيدي ... أعترف لك أني لم أفهم مرادك. وأنا أعلم أن سالما إذا كان يحبني - كما تقولون - لا يمكن أن يرضى بهذا الأمر ... أقيس ذلك على نفسي.» وأطرقت وقد توردت وجنتاها من الخجل وأخذت بإصلاح المنطقة حول خصرها كأن ثوب الصقالبة قد ضايقها؛ لأنها لم تتعوده.
فقال أبو حامد وهو يخفض صوته كأنه يسر إليها أمرا هاما: «إني أجل ذكاءك عن أن يخفى عليك مرادنا ... أم أنت الآن راضية بالقعود أسيرة كالجارية في بيت ذلك الأمير المغرور.»
قال ذلك وفي صوته لحن الاحتقار. فتذكرت لمياء ما كانت تعلمه من نقمته على المعز قبل أن تغلب عليه. ولكنها كانت تحسبه غير عزمه واقتنع بما صار لعجزه عن مناهضته. وأحست لما سمعت أسلوب تعبيره بغيرة هبت في صدرها للدفاع عن نفسها وعن المعز فقالت: «لم أكن أتوقع منك يا عماه ما سمعته فما أنا جارية ولا المعز مغرور.»
فقال: «لله أنت ما أطيب سريرك، إنهم خدعوك حتى حولوا قلبك عن والدك وأهلك وصرت تجدين الأسر عزا والذل سعادة ... أين أنفة لمياء راعية الجواد الأدهم سليلة آل مدرار أصحاب سجلماسة؟ أم غرك ما ناله أولئك من الظفر صدفة؟ إنهم غير أهل للملك والتحكم في الرقاب ... ألم تري منازلهم لا تتميز عن منازل العامة يجلس أميرهم على اللبود ويلبس كسائر الناس؟ أين أبهة الدولة التي كانت لوالدك وأجدادك؟ إن آل مدرار وحدهم أهل للسيادة وبهم وحدهم يليق الملك ... أقول ذلك وما أنا لسوء حظي منهم ولكنني أعرف منزلتهم ولا غرض لي غير الانتصار للحق، ولو كان والدك هنا لاتخذ هذه الحرية بمخاطبتك.»
অজানা পৃষ্ঠা