والمصريون كانوا يحبون عليا من صدر الإسلام، وكانوا من حزبه يوم مقتل عثمان ولكن قلما كان لهم شأن في الشيعة العلوية؛ لأن العلويين استنصروا أولا أهل العراق وفارس. فلما قامت الدولة العباسية وتأثرهم المنصور بالقتل والحبس وقتل محمد بن عبد الله الحسني وبعض أهله من بني حسن وفر سائر العلويين من وجه الدولة العباسية كان في جملتهم علي بن محمد بن عبد الله فجاء مصر بأمر دعوته بعض رجال الشيعة لكنه ما لبث أن حمل إلى المنصور واختفى.
وكان حال الشيعة العلوية بمصر يتقلب بين الشدة والرخاء بتقلب أحوال الخلفاء في بغداد، فإن تولى خليفة يكره العلويين ضيق على الشيعة واضطهدهم والعكس بالعكس. فلما تولى المتوكل واضطهد الشيعة العلوية كتب إلى عامله بمصر بإخراج آل أبي طالب إلى العراق فأخرجهم سنة 236ه، ولما قدموا العراق أرسلوهم إلى المدينة واستتر من بقي في مصر على رأي العلوية؛ لأن عمال المتوكل كانوا يبالغون في إظهار الكره للشيعة؛ تزلفا من الخليفة.
يحكى أن رجلا من الجند اقترف ذنبا أوجب جلده فأمر يزيد بن عبد الله عامل مصر يومئذ بجلده، فأقسم عليه بحق الحسن والحسين إلا عفا عنه فزاده ثلاثين ضربة. ورفع صاحب البريد إلى المتوكل ذلك الخبر فورد كتابه إلى العامل أن يضرب الجندي المذكور مائة سوط فضربه.
وتتبع يزيد المشار إليه آثار العلويين فعلم برجل منهم له دعاة وأنصار، فقبض عليه وأرسله إلى العراق مع أهله وضرب الذين بايعوه.
ولما تولى المنتصر بن المتوكل سنة 247ه كتب إلى عامله بمصر أن لا يضمن علوي ضيعة ولا يركب فرسا ولا يسافر من الفسطاط إلى طرف من أطراف مصر، وأن يمنعوهم من اتخاذ العبيد إلا العبد الواحد. وإذا كان بينهم وبين أحد الناس خصومة قبل قول خصمهم فيهم بغير أن يطالب فقاسى العلويون عذابا شديدا بسبب ذلك.
ولما استقل أحمد بن طولون بإمارة مصر سنة 254ه اضطهد الشيعة؛ لأنه تركي، ولأنه على رأي الخليفة العباسي فاقتص آثار العلويين وحاربهم مرارا. حتى إذا ضعف أمر بنى طولون بمصر واختلت أحوال الدولة العباسية في بغداد وتغلب آل بويه عليها في القرن الرابع للهجرة أخذ حزب الشيعة ينتعش ويتقوى فلما جاءهم جند المعز لدين الله الفاطمي سنة 358ه بقيادة جوهر الصقلي كانت الأذهان متأهبة لقبول تلك الدعوة ففتح جوهر مصر على أهون سبيل.
الفصل الثاني
القيروان والمنصورية
القيروان من المدن الإسلامية التي اختطها العرب. بعد الفتح كالبصرة والكوفة والفسطاط. اختطها عقبة بن نافع الفهري سنة 60 للهجرة بما يقرب من تونس وهو الذي افتتح أكثر المغرب. وكانت القيروان في زمن روايتنا هذه «في أواسط القرن الرابع للهجرة» قصبة بلاد المغرب، وقد تقاطر الناس من أنحاء العالم لتعميرها فقطنها العرب من قريش وسائر البطون من مصر وربيعة وقحطان وأصناف من العجم من أهل خراسان وأصناف من البربر والروم وأشباه ذلك. وكان شربهم من ماء المطر ينصب من الأودية إلى برك عظام يقال لها المؤاجل فمنها شرب السقاة ولهم واد يسمى وادي السراويل في قبلة المدينة.
وكان بنو الأغلب لما نزلوها في القرن الثالث قد ابتنوا على ميلين منها قصورا لأنفسهم ثم ابتنوا محلة على ثمانية أميال منها سموها رقادة. حتى إذا نزلها الفاطميون في أول القرن الرابع للهجرة ابتنوا لأنفسهم حصنا مستديرا بالقرب منها سموه صبرة ويسمى أيضا المنصورية جعلوه مستقرا لهم ولأهلهم. كما فعل المنصور ببناء بغداد قبل ذلك بقرنين، فالمنصورية بلدة مستديرة الشكل قرب القيروان بناها إسماعيل بن القاسم بن عبد الله المهدى سنة 337ه واستوطنها وجعل قصره في وسطها والماء يجري فيها وأنشأ بها أسواقا جميلة وجامعا وعرض سورها 21 ذراعا وهي منفصلة عن القيروان بعرض الطريق. ومن أبوابها باب الفتوح وباب زويلة وباب وادي القصارين وكلها مصفحة بالحديد.
অজানা পৃষ্ঠা