فحالما رأتها بنت الإخشيد وقعت من نفسها موقعا جميلا وأعجبها ما في عينيها من المعاني السحرية والضعف زادها سحرا. فتقدمت إلى لمياء ووضعت يدها على كتفها كأنها تحاول ضمها فاستأنست لمياء بها ووقفت مطرقة، فأشارت إليها أن تجلس وجلست على مقعد من الأبنوس فرشه مكسو بالحرير، وقالت: «من أين لك هذه الفتاة؟»
قال: «هذه هدية من عبدك يعقوب بن كلس رآها لا تليق بأحد سواك؛ نظرا لما هي عليه من الأدب والذكاء. وقد كلفني أن أنوب عنه في تقديمها.»
فلما سمعت اسم يعقوب مر في ملامحها شيء من الانقباض، لكنها أظهرت الامتنان، وقالت: «إنها هدية نفيسة لا أظن يعقوب أهدى مثلها في حياته، فالظاهر أنه يلتمس منا خدمة بعد أن أغضب الوزير جعفر (ابن الفرات) ... إن أولئك اليهود أمرهم عجيب ... قد قبلنا هذه الهدية مع الشكر بارك الله فيك!» قالت ذلك ومدت يدها فاستخرجت خاتما من إحدى أصابعها ودفعته إليه فتناوله وقبله ومضى.
وظلت لمياء صامتة، وقد أدهشها ما رأته من التباين العظيم بين حال الأمة المصرية وحال حكامها أو أهلهم، وقابلت بين بنت الإخشيد بمصر وأم الأمراء في القيروان. وترجح عندها قرب سقوط هذه الدولة. وهي في ذلك أتى الحاجب فوقف قرب الباب فعلمت بنت الإخشيد أنه يريد مخاطبتها في أمر فأومأت إليه فتقدم فقالت: «ما وراءك؟»
قال: «إن بعض القواد الإخشيدية يلتمسون المقابلة.»
فأظهرت استنكافها وقالت: «دعهم ينتظرون.» ونهضت وأشارت إلى لمياء أن تتبعها وسألتها «ما اسمك؟»
فبغتت وأوشكت أن تقول اسمها الحقيقي، فبلعت ريقها وقالت: «سلامة يا سيدتي.»
فقالت: «اسمك جميل.» وصفقت ونادت القهرمانة فأتت فقالت لها: «كيف ترين هذه الفتاة المغربية؟»
فنظرت إليها وهي تبتسم وقالت: «ما شاء الله إنها جديرة أن تكون في قصرك.»
قالت: «فإليك هي أفردي لها غرفة خاصة ولتسترح الآن.»
অজানা পৃষ্ঠা