فقبل الحارث الأرض بين يدي هرقل ووقف متأدبا ثم ارفضت الجلسة.
فخرج عبد الله في جملة من خرج وقد أسف لتأخره هناك وود الإسراع إلى حماد وقد داهمه الوقت ولكنه كان قد شاهد أبا سفيان في بعض أسفاره إلى مكة ولم يكلمه فأحب أن يراه ثانية ويسمع حديثه عن صاحب هذه الدعوة فسار توا إلى دار الضيافة بالدير فأقام على الرحب والسعة وخرج في أثناء ذلك إلى المدينة فطاف أحياءها وتفرج بمشاهدها فرأى فيها اخلاطا من إليهود ولغتهم جميعا العبرانية المشوهة بالألفاظ الكلدانية وفيهم جماعة من السريان ورأى جماعة كبيرة من الروم وفى أيديهم أعظم متاجر البلاد وأرفع مناصبها وما منزلة الوطنيين بينهم إلا منزلة الخدمة ولم يسمع في أحاديث الناس إلا الجدال بين القائلين بالطبيعة والقائلين بالطبيعتين فتيقن أن ذلك الخصام سيكون سببا لسقوط هذه الدولة.
فلما كان الوقت المعين للاجتماع اجتمع بالحارث وسارا معا إلى كنيسة القيامة فدخلا صحنها فشاهدا جماعة من البدو عرف عبد الله من لباسهم أنهم من عرب الحجاز ففطن أنهم رجال أبى سفيان ونظر فيما بينهم فرأى رجلا يمتاز عنهم جميعا بحسن زيه وكبر عمامته وإتساع عينيه عليه العباءة المزركشة وقد تقلد الحسام بخلاف سائر رجاله فقد كانوا يتقلدون الرماح ومعظمهم مكشوفو الرؤوس وفيهم من قد شد رباطا حول شعره من الأعلى.
فلم يتكلم عبد الله ولكن الحارث تقدم إلى أبي سفيان فوقف له هذا وقد عرفه أنه الحارث بن أبى شمر فألقى إليه التحية وأخبره أنه جاء انقيادا لأمر الإمبراطور فقال له: «تربص ريثما ندخل على مولانا ثم نبعث إليك.»
ثم وصل الحارث وعبد الله إلى القاعة فعلما من وقوف الحرس عند الباب أن الإمبراطور هناك فدخلا وتأدبا فأمر هرقل باستقدام ذلك القرشي فخرج الحارث ثم عاد وحده وأخبر الإمبراطور أن الرجل أبى الدخول إلا بحسامه. قال هرقل: «فليدخل» ولم تمض لحظة حتى دخل أبو سفيان ومعه بعض رجاله فبهرهم ما في القاعة من أنواع الزينة ودلائل البذخ فوقف أبو سفيان أمام الإمبراطور ثم قبل الأرض بين يديه وحياه قائلا: «أبيت اللعن» وهي تحية الملوك في الجاهلية فتلطف معه وأمره بالجلوس فتربع على الأرض وجعل سيفه عرضا على فخديه وجلس رجاله وراءه فعلم هرقل أنها عادتهم في الجلوس فلم يعترضه ثم خاطبه بواسطة الترجمان قائلا: «من أي القبائل أنت.»
قال: «من قريش حماة الكعبة.» «وما تعني بالكعبة.» «هي حج إلى الآلهة.» «أتعرف رجلا اسمه محمد ظهر فيكم يدعو الناس إلى دين جديد.» «نعم أعرفه وهو من ذوي قرابتي لكنني لست على دعوته فقد جاءنا بدعوة جديدة ونحن على دين آبائنا وطالما نهيناه عن ذلك فلم ينته»
قال هرقل: «لقد همني أمر هذا الرجل وأود أن أعرف حقيقة حاله فهل تنبئني عنه وعن دعوته وما يدعو الناس إليه»
فأصلح أبو سفيان مجلسه في تربعه كأنه يعد نفسه لجلوس طويل ومشط لحيته بأصابعه وأطرق قليلا يفكر في أمر ذى بال.
فابتدره هرقل قائلا: «ما بالك لا تجيب وقد اقترحنا عليك أمرا يهمنا الإطلاع عليه ألعلك تجهله.»
قال: «كلا يا سيدي ولكنني تذكرت بدء أمر محمد هذا وتذكرت والده ثم ما كان من دعوته وانتشارها فتجدد استغرابي له فإذا أذنت بأن أقص عليك خبره فعلته.»
অজানা পৃষ্ঠা